جسر: ثقافة:
إن أردنا حصر المواقع الأثرية التي تم تدميرها أو تخريبها أو نهبها من قبل التنظيمات المتطرفة، فإننا قد لا نصل إلى حصر حقيقي لها، لكن إن استعرضنا أبرز ما قامت به هذه التنظيمات في سوريا والعراق، مما يُعد صفعة لكل المواثيق الدولية التي لا يُأبه بها أصلا، فلعلنا نقف على تدمير موقع ماري الأثري في دير الزور، وتفجير معبد بل في تدمر، وهدم الأضرحة والمقامات الدينية في الرقة، هذا في سوريا. أما في العراق فقد عُمد إلى تدمير وحرق مكتبة الموصل، وتفجير جامع النوري ومئذنته الحدباء وجامع النبي يونس فيها أيضا، إضافة إلى الكنيسة الخضراء في تكريت، ناهيك عن التنقيب السري، الذي أصبح علنيا، عن الآثار في كلا البلدين، وبيعها للمافيات والمتاجرة بها في الخارج. عدا عن الممارسات التعسفية من تخريب للآثار أو نهبها، والتي تقوم بها الدول تجاه مناطق الصراع، ولا تختلف ممارسات هذه التنظيمات عن ممارسات المافيات التي تقوم بمعاداة الإرث الحضاري والنيل من مفردات البنى المعمارية الأثرية.
ومما هو معلوم أن التنظيمات المتطرفة، في اعتداءاتها على المواقع الأثرية، اتخذت طرقا محددة لتهريب المسروقات الأثرية، بنقلها عبر تركيا ودول البلقان في أوروبا الشرقية إلى أوربا الغربية، كما استطاعت هذه التنظيمات أن تجعل من أوروبا الغربية وتركيا أكبر سوق تجاري للآثار المنهوبة من الشرق الأوسط. وعليه فإن سيناريو الإبادة التاريخية في تدمير المواقع الأثرية والمباني التاريخية والأماكن الدينية العريقة في سوريا أو العراق يتكرر مرات ومرات في تدمير هذه المواقع الحضارية، مثل الكثير من المباني التاريخية في حلب القديمة، والجسر المعلق بدير الزور، ومواقع كثيرة في درعا، وقلعة الحصن قرب حمص، وماري ودورا أوروبوس في وادي الفرات، ومدينة تدمر الأثرية ومعبدها، عدا عن مناطق أثرية وتاريخية في أرجاء الشمال السوري.
وإلى جانب القوانين الدولية التي تعمل على حماية الآثار والحفاظ عليها، هناك قانون اﻵثار القديمة العثماني الصادر في عام 1884 والذي ينص على أنه “لا يحق للأفراد أو الجماعات تدمير الآثار القديمة تحت أراضي الغير أو أراضيهم أو أمكنتهم ونقلها”، ومع ذلك فلا جدوى لهذه القوانين دون تنفيذها، فقد عدّ السلطان عبد الحميد الثاني 1876 ـ 1909 الآثار القديمة عديمة النفع ما لم تكن من الفضة أو الذهب، واعتبر الرغبة الغربية بها حماقة يتعين استغلالها، إذ علّق في إحدى المرات قائلا “أنظروا إلى هؤلاء الحمقى أُطيِّب خاطرهم بحجارة مُحطّمة”. ونتيجة لذلك لم تكن معظم اللقى محمية على نحو مناسب، ففي إحدى الحالات أعدّ أمناء المتحف البريطاني ترخيصا لـ”تشارلز فيلوز” للعمل في أحد المواقع، وفي الوقت الذي تروي فيه المؤرخة “جينيفر شو” أنه في غياب أية آلية لوضع حد ما، اتخذ فيلوز من هذا الأمر رخصة للتنقيب عن معبد برمته، وترحيله إلى المتحف البريطاني.