“لم أشارك في ثورة لا من قريب ولا من بعيد، لكن ما جنيته لا يختلف عما قاساه أي ثائر، لم يكن حلمي سوى أن أعيش حياة مستقرة مع زوجي وأولادي، لقد تعبنا من الحرب، ولكن الحلم انتهى ولا مزيد من الأوهام والأحلام”.
آلاء ابنة ريف درعا لم يكن همها سوى أن تحصل على “لم الشمل” بعد سفر زوجها إلى ألمانيا، فها قد مر العام الأول على سفره، وما زالت تنتظر مع أطفالها الثلاثة، إلا أن تقريراً كتب عنها كان سبباً في اعتقالها لمدة ثمانية أشهر عام ٢٠١٦.
تقول آلاء رافضة ذكر حتى اسم بلدتها وأين اعتقلت “اعتقلت على حاجز في درعا، وتم تحويلي إلى فرع فلسطين بدمشق، دخلت زنزانة فيها معتقلات من كافة الأعمار، كانت تهمتي المشاركة في التظاهرات وعندما أنكرت، بدؤوا بضربي على ساقي بماسورة من الحديد الصلب، كنت أمسك بساق من يضربني وأتوسل إليه كيف يتوقف ولكن دون جدوى، وعمد إلى ربط يدي كي لا أفعل ذلك، كان يحملوني بعد التحقيق لأرمى في الزنزانة، فلم أكن أقو على السير، حتى أن المعتقلات كن ينقلنني إلى الحمام لأني بت أمشي بصعوبة بالغة، كانت لحظات قاسية لن أنساها”.
بعض حبات البطاطا كانت الغذاء الرئيسي وتستبدل أحيانا بالزيتون، تقول آلاء ساخرة “هذا أمر تافه لا يجب ذكره، فأمام الضرب والاهانات اللاأخلاقية التي كانت توجه إلينا بات الطعام آخر ما نفكر به”.
تروي آلاء قصتها وهي تحاول منع دموعها لكنها تضعف فتبكي بين حين وآخر “كنا نعيش في عالم مظلم بعيد عن الانسانية بكل وجوهها، حتى اصبح كل حق لنا حلم نحلم به او نتمناه، لقد كان انتظار الموت أصعب من الموت بحد ذاته، مت عدة مرات ولا أحد يشعر بي، إلا جدران السجن كانت شاهدة على حالي”.
قبل خروج آلاء بأيام، وبعد أن دفع زوجها عشرة ملايين ليرة ثمناً لحريتها، استدعاها ضابط برتبة عميد سائلاً إياها إن تعرضت للتعذيب إلا أنها أجابت بالنفي خوفاً من أن تعاقب من قبل المحقق الآخر الذي أشرف على ضربها.
“موقف عظيم وقفه زوجي بجانبي، حتى بعد خروجي بقي زوجي يدعمني ويخفف عني و يساندني هذا الموقف افتقدته من الآخرين من الأقارب او الجيران و الاصدقاء على حد سواء، كنت أرى على وجوههم نظرة احتقار، وكأنني أنا من دخل المعتقل بقدميه، فضلاً عن الأسئلة الكثيرة التي كانت تدور في رؤوسهم هل اغتصبت؟ كم مرة؟، حتى أن بعض من ادعين أنهن فاعلات خير قلن لي، إن فلانة وفلانة ينشرن إشاعات في القرية بأنه تم اغتصابي،، ولكنهن قمن باسكاتهن!”.
بدأت جارات ألاء وصديقاتها بالانسحاب تدريجياً من حولها، باركن لها لحظة خروجها، ومن ثم بدأت زياراتهن تخف، وكن يتذرعن بمشاغل الحياة تقول آلاء متسائلة “أية مشاغل هذه! كنا يومياً سوياً، وحياتنا لم تختلف عما سبق، الذي اختلف هو أنني أصبحت معتقلة، حتى أنهن بدأن يمنعن أولادهن من اللعب مع أبنائي تحت حجج مختلفة، لم أجادلهن، فأنا لست قادرة على تغيير عقلية مجتمع بأسره”.
تعزي آلاء نفسها الآن باللحاق بزوجها، إلا أن الأمر يبدو شبه مستحيل بعد تسجيل اسمها على قوائم الإرهاب، تعيش برفقة أطفالها بمنزل والديها العجوزين في مجتمع يحتضنها، إلا أنه إلى الآن رغم مرور سنوات على حريتها ما زال يرسم حولها علامات الاستفهام، دون أن ترتكب ذنباً.