تقدمت النقاشات على المستويين السياسي والعسكري بين تركيا وأمريكا بخصوص المنطقة الحدودية السورية التركية، الممتدة من الضفة الشرقية لنهر الفرات قرب جرابلس وصولا إلى المثلث السوري العراقي التركي في أقصى شمال شرق سوريا.
وعلمت “القدس العربي” من مصدر مطلع على المفاوضات بين الجانبين، أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق حتى اللحظة حول المنطقة “الأمنية” رغم كل ما يشاع. وأضاف أن المنطقة غير محددة بعمق معين، لا حسب اتفاق أضنة أو غيره، وأن واشنطن وافقت على ترك عمق المنطقة “الأمنية” حسب “تقييم الخطر الأمني على تركيا”. ويستثني النقاش الأولي مدينة القامشلي السورية بسبب قربها من الحدود وسيطرة النظام السوري عليها.
وأشار المصدر إلى أن أنقرة طالبت سابقا أن يكون طريق m4 (حلب-الحسكة) الواصل بين منبج وعين عيسى مرورا بصرين ضمن المنطقة “الأمنية” لكن هذا المقترح لاقى رفضا من الفريق الأمريكي.
ونفى المصدر التوصل إلى اتفاق يقضي بنشر قوات تركية أو قوات للمعارضة السورية المقربة من أنقرة والمتمركزة في منطقة “درع الفرات” واصفاً ذلك بالأمر “غير قابل للتحقق” بسبب معارضة “قوات سوريا الديمقراطية” وعلى رأسها “وحدات حماية الشعب” الكردية.
ونوه المصدر إلى أنه لم تتم بلورة أفكار حول طبيعة “القوات المحلية” التي ستنتشر في تلك المنطقة، وأن وحدات “حماية الشعب” تنظر إلى تلك المسألة على أنها بقاء لعناصرها التابعين إلى “الأسايش” والمنحدرين من تلك المناطق، وأنهم من سيتولى مسؤولية ضبط الأمن وملاحقة خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” بالتعاون مع “قيادة التحالف الدولي لمحاربة داعش”.
وختم المصدر، أن النقاشات لم تتطرق إلى فتح “المعابر” المغلقة بين تركيا وسوريا وهي معبر القامشلي-نصيبين، أو معبر تل أبيض-أقجي قلعة، عين العرب /كوباني-مرشد بينار.
وقال: “لم تجر مناقشة واقع الحوكمة أو شكل الإدارة المدنية هناك، ومن غير المعروف فيما إذا ستوافق أمريكا على تشكيل مجالس محلية منفصلة عن الإدارة الذاتية وتتبع للحكومة المؤقتة أو الائتلاف الوطني” لكنه رجح “عدم موافقة أمريكا على ذلك واقتصار التفاهم على التخفيف ومراعاة الهواجس الأمنية لدى تركيا والمتعلقة بوجود حزب العمال الكردستاني على حدودها الجنوبية”.
من جهة أخرى، نشر المركز الكردي للدراسات ومقره برلين ورقة سياسات مستفيضة، للمستشار السياسي السابق في “الإدارة الذاتية” ناصر حاج منصور، استعرض خلالها الوضع الراهن في شرق الفرات ورحب بالمبادرة التي يقوم بها المبعوث الأمريكي جيمس جيفري، لكنه شدد في الوقت ذاته على ثماني نقاط، وصفها بالخطوط الحمراء “لا تقبل التأويل والمس بها” حسب تعبيره، وهي:
– هذه المنطقة لن تكون برعاية تركية ولن تدخل إليها القوات التركية.
– ستدار من قبل إدارات محلية منتخبة من أهل المنطقة.
– ستحميها قوات محلية بالإضافة إلى قوات الأمن الداخلي.
– لن تكون فيها أي قوات أخرى، بل إن النقاش حتى حول وجود قوى تم الزج باسمها أحيانا في المشروع، غير وارد البتة، بما فيها البيشمركه وقوات النخبة.
– ستكون تحت الرعاية الدولية أو الأمريكية عبر دوريات أو نقاط محددة.
– يجري ذلك بالتوافق مع قيادة قوات سوريا الديمقراطية وموافقتها.
– عمقها الأقصى لن يتجاوز خمسة كيلومترات، وقد يتقلص في بعض المناطق نحو الصفر.
– ستقوم قيادة وحدات حماية الشعب بسحب وحداتها مع أسلحتها الثقيلة خارج المنطقة الآمنة.
ويتوافق ما نقلته “القدس العربي” عن المصدر المقرب من المفاوضات وعن التفاهمات الأولية بين تركيا وأمريكا مع “الخطوط الحمراء” لدى الوحدات الكردية على لسان مستشارها السابق.
ومن الواضح أن هناك رغبة لدى حزب الاتحاد الديمقراطي وذراعه العسكرية للمضي قدما مع الرغبة الأمريكية في عملية تطمين، ما يزعج انقرة، خصوصا بعد قرار البقاء الأمريكي ما دفعه إلى إغلاق قنوات الحوار التي فتحها مع النظام السوري. وتدرك “الإدارة الذاتية” حاجتها إلى مرونة أكبر في مواجهة استحقاق “ما بعد داعش” والذي يقتضي استيعاب المكونات العشائرية العربية والتيارات والفاعلين المحليين في إدارة المنطقة وعدم جعلهم واجهة لسيطرتها فقط.
ومما سبق يمكن تفسير قيام سوريا الديمقراطية بإبعاد “القائمة السوداء” في “خريطة طريق منبج”، والتي تألفت من عشرة أشخاص مدنيين وعسكرين أبرزهم القائد العسكري في وحدات حماية الشعب جميل مظلوم، خارج مدينة منبج ونقلوا إلى أماكن أخرى.
ويأتي هذا الإبعاد ضمن المرحلة الثالثة من اتفاق منبج والذي يتمثل في انسحاب ما تبقى من عناصر وحدات “حماية الشعب” العاملين كمستشارين ومدربين في منبج. فيما تبقى المرحلة الرابعة من الاتفاق والتي تتعلق باشراك كفاءات مدنية تقترحها أنقرة والفعاليات المدنية المناوئة للوحدات الكردية وقوات سوريا الديمقراطية.
على غرار تعقيدات توافقات منبج يبدو أن تركيا تسلك الأسلوب ذاته في المفاوضات والضغط على أمريكا، لتحصل في النهاية على القليل بعد إعلانها الحصول على الكثير. ورغم مطالبة أنقرة على لسان الناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، واشنطن بأن تكون المنطقة الآمنة تحت إدارة وسيطرة تركيا بشكل كامل، وهو أمر مستبعد وغير ممكن التفاهم عليه، فما رفضته واشنطن في شرق نهر الفرات في منبج، لا يمكن أن تقبله في طبيعة الحال في منطقة نفوذها في شرق الفرات.
وتدرك أنقرة استحالة إطلاقها عملية عسكرية في شرق النهر بسبب الحماية الأمريكية لها، وهذا ما يرجح انخراطها في طريق المفاوضات السياسية وتحصيل المكتسبات الممكنة وأهمها إبعاد وحدات “حماية الشعب” من جوار حدودها، وهو ما تجلى بموافقة أمريكا على تسمية المنطقة كما شاء الأتراك “منطقة أمنية” وليس “آمنة” في مراعاة كبيرة لهواجس حليفها في “الناتو”.