حكم أثار حفيظة المجموعة التي ينتمي إليها كحال (لواء مجاهدو أشداء)، والتي استقال جميع قادتها من “هيئة تحرير الشام” خلال العام 2019 وأطلقوا حملة واسعة بعد اعتقاله للمطالبة بالإفراج عنه.
وبينما كان متوقعاً أن الدعوات للافراج عن كحال لن تجد أصداء لدى التيارات الثورية المدنية والوطنية، بسبب العلاقة غير الجيدة بين الطرفين، فقد كان لافتاً عدم تفاعل قادة وناشطي التيار الاسلامي، مع تلك الحملات، رغم المناشدات المتكررة التي كانت توجه لقادة ومشايخ هذا التيار.
وإذا كانت القوى الثورية ترى في الغالب أنها غير معنية بصراعات بينية وتصفية حسابات داخلية وتنافسات بين قادة “هيئة تحرير الشام”، خصوصاً بسبب الحملات الدامية التي شنتها “الهيئة” بوجود وقيادة هذه الشخصيات التي اختلفت وتناحرت لاحقاً، ناهيك عن المطالَبة باطلاق سراح من تعتقد أنه ساهم، أو برر، أو على الأقل صمت عن سلسلة طويلة من الاعتقالات و الانتهاكات التي مورست بحق الناشطين المدنيين والقوى الثورية الأخرى الذين استهدفتهم تحرير الشام، فإن تجاهل قادة الحركة الاسلامية للحملة المطالبة بالإفراج عن “أبو العبد أشداء” يبدو ملتسباً بالفعل!
الواقع أن مجموعة “أشداء” كتشكيل إسلامي مقاتل مثّلت، ومنذ تأسيسها، حالة خاصة بين القوى العسكرية المعارضة، وإن لم تكن حالة فريدة بطبيعة الأمر، إذ عرفت السنوات الثماني الماضية حالات شبيهة لتشكيلات اسلامية صغيرة، بعضها ما يزال مستمراً ويرفض الاندماج مع أي جماعة أخرى، ككتيبة “أبو عمارة” وبعضها اختفى أو ذاب داخل قوى أكبر، بينما لا يزال قادة أشداء يحافظون على هوية خاصة لم تستطع الانسجام مع أي جماعة أو تيار، كما أن أي من هذه القوى الكبيرة التي سبق لللواء أن انضم إليها، لم يستطع استيعاب هذه الحالة وتذويبها داخله.
مطلع العام العام 2014، انتشر اسم لواء “مجاهدو أشداء” بشكل واسع، بعد بث تسجيل مصور على اليوتيوب يظهر قيام القيادي في اللواء “أبو أحمد الحلبي”، وهو شقيق “أبو العبد”، رفقة عدد من عناصره، بجَلد رجل في حي طريق الباب في حلب، بسبب عدم ادائه صلاة الجمعة، الأمر الذي أثار ردود أفعال واسعة، خصوصاً أنه كان الحدث الأول من نوعه.
وأمام الجدل الواسع، تبرأت قيادة “حركة أحرار الشام” من الحادثة، كما تبرأت الهيئة الشرعية في حلب منها أيضاً، على الرغم من تأكيد قيادة “لواء أشداء” على وجود تعميم من الطرفين بهذا الخصوص، لكن حتى مع وجود هذا القرار، فإن السؤال الذي طرح وقتها هو: لماذا كان “اللواء” هو وحده من طبّقه؟!
بداية تشكيله، لم يكن لللواء توجه إسلامي متمايز بوضوح، لكن هذا التوجه بدأ يظهر مع هيمنة مجموعة حلب عليه، هذه المجموعة المؤلفة من عدد من الناشطين الذين حملوا السلاح لاحقاً وسيطروا على التشكيل بعد إصابة قائده “أبو محمد ترمانين”، حيث انتقل “أبو أحمد الحلبي” لقيادة اللواء فعلياً.
وبعد الانضمام إلى “حركة أحرار الشام” نهاية العام 2013 ومع بدء تدفق الاسلاميين المصريين إلى سوريا بعد الانقلاب على حكومة الإخوان العام 2013، انضم اثنان من أشهر هؤلاء المصريين إلى “الحركة” التي ألحقتهما باللواء بعدما منحت قيادته سلطات واسعة في حلب، كممثل لها في المدينة.
مع أواخر العام 2014 بدأ يبرز في حلب اسما “أبو شعيب المصري” ومواطنه “أبو اليقظان”، اللذين تسلما مناصب كبيرة في المكتبين الدعوي والقضائي لـ”حركة أحرار الشام” في حلب، ومن مقر “لواء أشداء مارسا عملهما” الرسمي ونشاطهما الدعوي الذي كان يتميز بتجنب الاصطدام المباشر مع القوى والافكار المختلفة، والتركيز على الجانب الشرعي أكثر منه على التجنيد العسكري.
بمرور الوقت ظهر أكثر فأكثر تأثير الداعيتين المصريين على “اللواء”، الذي بدأ يلعب أيضاً دوراً أمنياً بعدما عهدت إليه قيادة “أحرار الشام” بإدارة سجن حلب وقضائها الداخلي، إلا أنه من الناحية العسكرية ظل ضعيفاً بسبب محدودية عدد عناصره.
وإلى جانب القائد الفعلي للواء وقتها، أبو أحمد الحلبي، بدأ يبرز اسم شقيقه “أبو العبد أشداء”، والمحامي عصام الخطيب وزوجته الدكتورة علا الشريف، والشيخ سالم البدراوي وغيرهم، الذين شكلوا مع المصريين “أبو شعيب” و”أبو اليقظان” حالة متمايزة، ليس فقط عن بقية القوى الإسلامية، بل حتى عن “حركة أحرار الشام” نفسها، التي عانت في كل خطوة اتخذتها نحو الإصلاح بالصدام مع هذه المجموعة، التي لم تتوان عن انتقاد الكثير من خطوات قيادة “الحركة”، وعلى رأسها تبني علم الثورة، ومن ثم اعتماد القانون العربي الموحد، قبل أن يشكل انضمام “أحرار الشام” إلى عمليات “درع الفرات” بقيادة تركيا في العام 2017 الحد الفاصل الذي انتهت معه العلاقة عملياً بين “اللواء” و”الحركة”.
لم يكن التمايز الفكري العامل الوحيد الذي أفشل الاندماج الكامل لـ”لواء أشداء” في “الهيئة”، وعلى الرغم من أن قادته كانوا الأطول بقاء فيها، إلا أنهم غالباً ما دخلوا في صدامات مع قيادة “تحرير الشام”، لكن هذه الخلافات ظلت بعيدة من الإعلام، مع أن الجولاني وفريقه لم يخفوا امتعاضهم من “مشاكسة” جماعة “أشداء” الذين ظلوا في الوقت نفسه لا يشكلون أي خطر بسبب قلة عددهم وضعف تأثيرهم، حيث لم يزد عدد عناصر اللواء عندما التحقوا بـ”الهيئة” على المئة.
وكان متوقعاً في تلك اللحظة أن تلحق بقية المجموعة بالداعيتين المصريين، إلا أن اللافت كان استمرار أعضائها الآخرين، لكن مع تنامي الحساسيات بينهم وبين قيادة “الهيئة” في كثير من الملفات، حيث تزايدت انتقادات المجموعة لأداء قيادة “تحرير الشام” التي كانت تعتبرها انتقادات غير موضوعية، وترى أنها “تعبر عن “مثالية” متخيلة يعيشها الكثير من الحركيين الاسلاميين، لكن لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحكم والإدارة”.
استمر هذا الحال إلى أن رمى أبو العبد أشداء بالقشة التي قصمت ظهر البعير، من خلال التسجيل المصور الذي ظهر به في أيلول/سبتمبر 2019، وهاجم فيه بعنف أبا محمد الجولاني شخصياً وبقية قادة “الهيئة” واتهمهم بالمسؤولية المباشرة والمتعمدة عن الهزائم العسكرية خلال العامين 2018-2019، وعن الفساد المالي والتنظيمي وسوء إدارة وتخديم المناطق الخاضعة لسيطرة “الهيئة”، ما أدى إلى اعتقاله ومحاكمته، فاستقال زميله المحامي عصام الخطيب وزوجته علا الشريف، وخرج المصريان أبو شعيب وأبو اليقظان عن صمتهما، حيث أطلق الأربعة حملة للصغط على “تحرير الشام” من أجل إطلاق سراح أبو العبد ومحاسبة قيادة التنظيم.