جسر – صحافة
طويت قضية قائد فرقة السلطان سليمان شاه، محمد الجاسم (أبو عمشة) من دون محاسبته على الاتهامات الموجهة إليه، ويبدو أن ضغوطاً تركية وتجاذبات داخلية في الجيش الوطني (المعارض) الذي يتبع له فصيل أبو عمشة كانت سبباً في إغلاق الملف.
إنهاء الملف أو تأجيله بعد التصعيد بين فصيل أبو عمشة وغرفة القيادة الموحدة (عزم)، التي توعدت بمحاسبة المتورطين بارتكاب انتهاكات من قادة الفصيل المعروف باسم “العمشات” نسبة لقائده، تعكس هشاشة السلطة القضائية في مناطق النفوذ التركي بريف حلب الشمالي، وتشير إلى وجود خلل في بنية الجيش الوطني وهيكليته وكذلك الشرطة العسكرية التابعة له.
بداية القصة
مع توتر العلاقات بين غرفة القيادة الموحدة “عزم” وفرقة السلطان سليمان شاه “العمشات”، في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2021، فتحت “عزم” ملف انتهاكات “العمشات” في منطقة الشيخ حديد بريف عفرين شمال غرب حلب، وهي معقل فصيل أبو عمشة ومنطقة نفوذه.
وقبل شهر من ذلك، أعلنت “عزم” قبول عودة “العمشات” إلى “حركة ثائرون” التي يقودها القيادي فهيم عيسى، التابعة لـ”عزم”، شريطة تعاون “العمشات” مع القضاء، وتسليم كل من يثبت تورطه بتجاوزات وانتهاكات من أجل تسويتها.
وعليه، باشرت “لجنة ثلاثية” مؤلفة من ثلاثة أعضاء في المجلس الإسلامي السوري، وهو مؤسسة دينية معارضة، التحقيق في انتهاكات معلقة منذ سنوات ضد أبو عمشة وقياديين آخرين، وأشرف على تشكيل اللجنة قائد الفيلق الثالث في الجيش الوطني، أبو أحمد نور، وهو قائد الجبهة الشامية أيضاً، وقائد “ثائرون” فهيم عيسى، وهو قائد فرقة السلطان مراد، بالإضافة إلى أبو عمشة.
اشترطت اللجنة توقيع قائد “عزم” ونائبه وأبو عمشة على صك بـ”الرضوخ للجنة والعمل بقراراتها وتنفيذ مخرجاتها كاملة”، كما قال الشيخ أحمد مصطفى علوان، أحد أعضاء اللجنة الثلاثية لـ”سوريا على طول”، وبناء على “السلطة الواسعة والصلاحيات المطلقة، دون قيد أو شرط، قبلنا بالدخول في العمل، بحسب التفويض الذي منحنا إياه القادة الثلاث المعنيين، وهم رأس الأمر في المحرر [المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة] كله؛ عزم وثائرون”.
وبعد شهرين من العمل المتواصل “وضع خلالها الطرف المدعى عليه الكثير من العراقيل، محاولاً المماطلة والالتفاف على اللجنة واختراقها، ناهيك عن كثير من التجاوزات”، وفقاً لعلوان، أصدرت اللجنة أولى قراراتها، في 16 شباط/ فبراير الماضي.
وقررت اللجنة عزل أبو عمشة، وعدم تسليمه أي منصب “ثوري” لاحقاً، كذلك أوصت بعزل عدد من قيادات فصيل “العمشات”، وهم: وليد ومالك الجاسم شقيقي أبو عمشة، وثلاثة قادة آخرين.
وفي اليوم التالي للقرار، أصدرت غرفة “عزم” بياناً تؤكد تبنيها لقرارات اللجنة وتوصياتها بحق “العمشات” وتعهدت بتنفيذها، كونها المعنية بتنفيذ توصيات اللجنة مع حركة “ثائرون”.
وفي 22 شباط/ فبراير، خرجت اللجنة بأحكام إضافية بحق “العمشات” وقائدها، أهمها: نفي أبو عمشة وشقيقيه وليد ومالك، خارج منطقة “غصن زيتون” لمدة عامين هجريين، إضافة إلى أحكام أخرى ذات صلة ببقية المتهمين والفصيل.
محاسبة أبو عمشة
في مطلع آذار/ مارس الحالي، أعلنت غرفة “عزم” الشروع في تطبيق توصيات اللجنة الخاصة بانتهاكات “العمشات”، وبحسب بيانها أنجزت “عزم” عدة قرارات للجنة الثلاثية، منها: تعيين العميد عبد المنعم نعسان قائداً لمنطقة الشيخ حديد، وحلّت “أمنية الشيخ حديد السابقة”، إضافة إلى تفعيل مفرزة الشرطة العسكرية في المنطقة، وإزالة الحواجز والنقاط العسكرية، التي أُحدثت خلال الفترة الماضية، من دون أي إشارة إلى مصير أبو عمشة، وهو أصل القضية.
ولكن بعد أسبوع على بيان “عزم” الأخير، ظهر أبو عمشة رفقة مجموعة من القادة العسكريين في الجيش الوطني، في اجتماع للحكومة السورية المؤقتة (المعارضة)، ما أثار انتقادات واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، مقابل صمت الحكومة المؤقتة والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.
واللافت غياب أبو أحمد نور، قائد “عزم”، التي تعهدت بتنفيذ توصيات اللجنة، عن الاجتماع الذي ظهر فيه أبو عمشة، وحضره رئيس الحكومة المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى، ووزير الدفاع العميد حسن الحمادة، وقائد “ثائرون” فهيم عيسى، ونائبه سيف بولاد، ورئيس الأركان معتصم عباس، وضباط وقادة آخرون.
يشير ذلك إلى ضعف دور الحكومة المؤقتة ووزارة دفاعها ورئاسة أركان “الجيش الوطني” في لعب الأدوار المنوطة بهم على الأرض، وأن سياساتها في الداخل السوري لا تتوافق مع واقع الفصائل والمؤسسات ذات التبعية لها.
ولم يكن ظهور أبو عمشة مع القادة في اجتماع الحكومة المؤقتة عابراً، إذ أطلّ في الذكرى السنوية الحادية عشرة للثورة السورية، منتصف آذار/ مارس الحالي، من بوابة “هيئة ثائرون”، التي نشرت له كلمة بمناسبة ذكرى الثورة، بوصفه عضواً في مجلس قيادتها.
وتعليقاً على ذلك، شكك مصدر إعلامي في الجيش الوطني في “جدية تطبيق قرارات محاسبة أبو عمشة”، وأشار المصدر الذي طلب من “سوريا على طول” عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية إلى “وجود إشكاليات كبيرة في التطبيق”.
وذهب أربعة مصادر، باحثون وصحفيون، تحدثوا لـ”سوريا على طول” إلى وجود تدخل تركي لوقف محاسبة أبو عمشة، وأشاروا إلى تعرض الجبهة الشامية التي تتبنى مسؤولية محاسبة أبو عمشة لضغط تركي، وصل حدّ التهديد بقطع الرواتب عن عناصرها، والتضييق على مصادر دخلها، بما في ذلك دورها في السيطرة على المعابر الحدودية في المنطقة.
من جهته، اعتبر سراج الدين العمر، مدير المكتب الإعلامي للفيلق الثالث أن “تعيين شخص جديد لإدارة المنطقة” يأتي في سياق الخطوات العملية لتنفيذ التوصيات، مشيراً إلى أن “هيئة ثائرون، وهي أحد مكونات عزم، تكفلت بتنفيذ القرار حتى لا يحدث أي صدام”.
ولكن “ما يزال أمام هيئة ثائرون مسؤوليات وواجبات لتنفيذ وعودها بتطبيق قرارات اللجنة”، وفقاً للعمر، الذي اعتبر أن “العمل على محاسبة المتورطين بقضايا الفساد هو واجب ثوري، واللجنة كانت جزءاً من هذا الواجب، لكن يجب متابعته أيضاً عن طريق المحكمة العسكرية والقضاء العسكري”.
وحاول موقع “سوريا على طول” الحصول على تعليق من رئيس أركان “هيئة ثائرون للتحرير”، المعتصم عباس، ونائبه سيف أبو بكر، وقائد “عزم” والفيلق الثالث في الجيش الوطني، أبو أحمد نور، إضافة إلى رئيس الحكومة المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى، ووزير الدفاع، العميد حسن حمادة، لكن لم يتلق أي رد حتى لحظة نشر هذا التقرير.
تحت الحماية التركية
تفاعل سوريون، لاسيما في مناطق سيطرة المعارضة المدعومة من تركيا، شمال غرب البلاد، مع خبر محاسبة قائد “العمشات”، معبّرين عن تأييدهم. وتوافق ذلك مع “وجود إرادة لدى بعض فصائل المنطقة لمحاسبة أبو عمشة ووضع حد لانتهاكاته”، وفقاً لخبير في شؤون فصائل المعارضة، مقيم في تركيا، طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية.
لكن الارتباطات الخارجية لأبو عمشة، متمثلة بعلاقته مع أنقرة، شكلت نوعاً من “الحصانة والحماية من محاولات المحاسبة بالقوة على يد أي فصيل”، كما قال الخبير لـ”سوريا على طول”، معتبرا هذه الحصانة “نتيجة خدمات قدمها للجهات المرتبط بها، والتي منعت إسقاط ورقته في الوقت الراهن”.
وبدوره، قال باحث سوري آخر مقيم في تركيا، إن “تركيا مارست ضغوطاً على الجبهة الشامية لوقف ملف محاسبة أبو عمشة، وهددتهم بقطع التمويل”، مستدلاً على ذلك “بإغلاق الأتراك لمعبر الحمران التابع للشامية، وفتح معبر بديل له يديره لواء المعتصم وثائرون، بهدف تخفيف عائدات الشامية والتضييق عليها”.
وأضاف الباحث: “إن أبو عمشة وغيره من قادة الفصائل المتنفذين يعرفون أن الوحيد القادر على محاسبتهم هو تركيا”، مشيراً إلى أن “أبو عمشة واحد من أكثر الشخصيات التي قدمت خدمات لتركيا، وكان وكيلاً لهم في الكثير من الملفات، منها إرسال مقاتلين إلى ليبيا”.
مع ذلك، قد يتم استبعاد أبو عمشة، بحسب الخبير، في حال اقتضت المصلحة التركية ذلك، مستدلاً على ذلك بعزل قائد لواء المهام الخاصة، عبد الله حلاوة، التابع لفرقة الحمزة في الجيش الوطني، بعد أن ضبطت الجبهة الشامية معمل تصنيع “كبتاغون” تعود ملكيته لحلاوة، وعليه قررت تركيا عزله من منصبه ونقله إلى تركيا.
الحديث عن الحصانة التركية لأبو عمشة، يستغلها الأخير لتحقيق مصالحه، فبحسب الناشط الإعلامي، معتز ناصر، المقيم في شمال حلب، “يروج أبو عمشة وأمثاله لفكرة أنهم مدعومون من الاستخبارات التركية، لأجل إرهاب الضحايا والخصوم، وهو ما يسيء بشدة لتركيا”.
ولكن “الدول لا تهتم بالقضايا الأخلاقية، بقدر اهتمامها بمصالحها”، كما أضاف ناصر لـ”سوريا على طول”، معتبراً أن “تمسك تركيا بأبو عمشة وأشباهه مبني على أساس مصلحي بحت”، يؤكد ذلك “تدخل بعض الأطراف التركية لصالح أبو عمشة بعد صدور الحكم بحقه، والذي يقرأ من باب البراجماتية، والرغبة باستمرار السيطرة، وفرض الواقع”.
في المقابل، قال فراس فحام، الباحث في مركز جسور للدراسات، ومقره تركيا، أن “المسؤولين الأتراك أكدوا على دعم أي قرار يصدر عن اللجنة الثلاثية، ولم يكن هناك رفض تركي لتشكيل اللجنة أو التحقيق في الانتهاكات”، لكن “الجانب التركي له حساباته، ولا يريد الاشتباك مع مكونات سورية”.
وتوقع فحام في حديثه لـ”سوريا على طول” أن يكون هناك “ضبط لهذه الانتهاكات، وهو أمر متوقع جداً، وقد يقوم المسؤولون الأتراك بالضغط لوقفها”.
خلل بنيوي
كشفت قضية أبو عمشة الخلل البنيوي والهيكلي في مؤسسة الحكومة السورية المؤقتة، لاسيما وزارة الدفاع والكيانات التابعة لها، من قبيل مؤسسة الجيش الوطني، الذي يتبع لها أبو عمشة من ناحية إدارية، إذ فضلت هذه السلطات الهرمية التزام الصمت وعدم أخذ زمام المبادرة للبت في القضية.
وفيما “يفترض أن تكون وزارة الدفاع وهيئة الأركان أعلى سلطة تمثيلية لأي جسم عسكري، عبر امتلاكها السلطة وصلاحيات إنفاذ القرار باتجاه التسلسل الأدنى”، فإن الواقع بالنسبة للجيش الوطني “مختلف تماماً، ويرتبط ذلك ببنية الجيش الوطني نفسه، وبعوامل خارجية”، وفقاً للباحث السوري المقيم في إسطنبول.
ويتفق الباحث فراس فحام مع هذا الطرح، فمن وجهة نظره “لا يوجد تسلسل إداري وهرمي واضح للجيش الوطني”، ناهيك عن “حالة الفصائلية الموجودة، ومحدودية تأثير الحكومة المؤقتة وإدارة الأركان في الجيش الوطني”، إضافة إلى أن “الفصائل التي تندرج تحته مستقلة وقائمة بحد ذاتها”.
ويرجع الخلل في تبعية الفصائل للمؤسسة العسكرية التابعة للحكومة المؤقتة إلى أن “مجموعة فصائل اتفقت على تشكيل جسم عسكري، أطلقت عليه مسمى الجيش الوطني”، القاسم بينها “الهوية العامة فقط، في كونها تعارض النظام وروسيا وحزب العمال الكردستاني، وضد التنظيمات المتشددة، داعش والنصرة”، كما أوضح الخبير.
الأكثر من ذلك، أن “كل محاولات الهيكلة التي حدث بعد النشأة، قامت على أساس تحقيق توازن معين من القوة الداخلية”، وفقاً للخبير في شؤون فصائل المعارضة.، إذ تم توزيع الفصائل الرئيسية على فيالق، و”كل فيلق بُني على أساس تحقيق التوازن الداخلي ضمن المؤسسة الأم”، مشيراً إلى أن “حالة الميزان هذه تفرض أن لا يكون هناك قوة وسلطة تستطيع فرض سيطرتها على الأخرى”، ما يعني أن “سلطة وزير الدفاع وقيادة الأركان ستبقى شكلية، طالما لا يوجد تراتبية يقودها ضباط عسكريين، بدلاً من قادة ثوريين، لا يمكن إنفاذ القرارات عليهم”.
يضاف إلى ذلك، أن “الفصائل هي من اعترفت بالحكومة المؤقتة كنوع من الغطاء السياسي، وبالتالي لا يوجد بناء هرمي صحيح من الناحية الإدارية”، بحسب الباحث فحام، لذلك “ليس لدى [الحكومة المؤقتة وقيادة الأركان] القدر على التأثير والمحاسبة”.
من جانبه، اعتبر الخبير، أن “عدم المأسسة هو شرط روسي في مناطق النفوذ التركي، وهو جزء من اتفاقيات ومسار أستانة”، موضحاً أن “مصلحة تركيا واتفاقيات أستانة تفرض بقاء الواقع الحالي، وهو ما يفسر طوي تركيا لقرار عزل أبو عمشة”.
ومن الظروف التي تعزز الواقع الحالي أن “الفصائل قابعة بشكل مطلق تحت وطأة القرار التركي، في ظل غياب إطار سياسي وقانوني يضبط الدور التركي في شمال سوريا، وينظم علاقته مع الفصائل”، وفقاً للناشط الإعلامي معتز الناصر، كل ذلك من شأنه أن يجعل من مؤسسات المعارضة “مؤسسات كرتونية هشة”.
شرطة عسكرية مكبّلة
في شباط/ فبراير 2018، شكّلت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة “الشرطة العسكرية” في ريف حلب الشمالي، مهمتها ملاحقة العسكريين التابعين لفصائل المعارضة، المتهمين بارتكاب جرائم وتجاوزات، بهدف الحدّ من الانتهاكات وتنظيم العمل العسكري، وتتبع الشرطة إدارياً لمحكمة عسكرية.
وتعدّ الشرطة العسكرية بديلاً عن المكاتب الأمنية، التي كانت تتبع لفصائل الجيش الوطني، لكن في الحقيقة “لا يوجد مؤسسة قضائية عسكرية، ويقود الشرطة العسكرية إما قادة متنفذون أو يتبعون لهيمنة الفصائل”، بحسب الباحث المقيم في اسطنبول. مستدلاً على ذلك بصلة القرابة بين أبو عمشة وقائد الشرطة العسكرية في منطقة الشيخ حديد، فالأخير “يكون خال أبو عمشة”، أما الشرطة العسكرية في مدينة اعزاز “تتبع للجبهة الشامية”، كما قال.
لذلك “لا يوجد استقلالية في الوقت الذي تحتاج المنطقة لجهة تنفيذية مستقلة”، بحسب الباحث، فيما الحكومة المؤقتة “لا تملك قوة ورئيسها مواطن تركي”، في إشارة إلى أن عبد الرحمن مصطفى يحمل الجنسية التركية.
ووفقاً لمسؤول في الشرطة العسكرية، تحدث لـ”سوريا على طول” شريطة عدم كشف هويته، “عندما تنتهك حقوق من قبل عسكريين، يتقدم المدعي إلى النيابة العامة بشكوى، ثم يحيل قاضي الفرد العسكري الشكوى لقسم التحقيق، الذي يفتح تحقيقاً بالحادثة، ثم ينظم الضبط اللازم، ويجلب المتهم إن استدعى الأمر، ويعرضه على القضاء العسكري”.
ولا يمكن أن تتحرك الشرطة العسكرية، بحسب المسؤول “من دون شكوى، إلا في حالة وجود رأي عام”، ولكن مع أن قضية أبو عمشة شغلت الرأي العام السوري إلا أن الشرطة العسكرية لم تتحرك. حاول “سوريا على طول” معرفة سبب عدم تحرك الشرطة العسكرية في قضية أبو عمشة، لكن “السؤال قاسٍ” بالنسبة للمسؤول، كما قال.
واستدرك: “أحد الأسباب الرئيسية في عدم قدرتنا على تنفيذ القانون على بعض الفاسدين، هي عصبية الفصائل لعناصرها أو قادة مجموعاتها، مما يعرقل أداء عملنا”، إضافة إلى “الضعف في استثمار الضباط المنشقين في قيادة تلك الوحدات أو إلزام القادة الثوريين بدورات عسكرية حقيقة أو كليات عسكرية من شأنها فرض المزيد من الانضباط وعدم وجود تجاوزات”.
من جانبه، قال قائد أحد قطاعات الشرطة العسكرية في ريف حلب الشمالي لـ”سوريا على طول” إن “اللجنة الثلاثية [التي تشكلت لمحاسبة أبو عمشة] معتمدة من الجيش الوطني، ونحن جزء من الجيش الوطني”، لكن “قرارات اللجنة ستكون نافذة لدينا في حال تم تصديقها من قبل المحكمة العسكرية”، وفي حالة أبو عمشة “التحرك لمحاسبته من اختصاص المحكمة العسكرية”، وفقاً للقيادي، وفي حال صدر قرار بجلبه “فنحن قادرون على ذلك”. وحتى يتسنى محاسبة أبو عمشة، يتعين على اللجنة الثلاثية “تقديم الملفات للمحكمة العسكرية، من أجل البدء بالإجراءات القانونية والرسمية”.
من جانبه، حمّل الشيخ أحمد علوان، عضو اللجنة الثلاثية، مسؤولية تطبيق قراراتها لغرفة “عزم”، مشيراً إلى أنه “عندما تشكلت اللجنة تم التأكيد على عدم التدخل في عملها، والقبول بمخرجاتها، ونحن وجهنا قراراتنا للأخوة في عزم، ومسؤولية تطبيق القرار تقع عليهم اليوم”
وأضاف علوان: “الملف كبير وفيه قضايا حساسة وشهود أدلوا بشهاداتهم في ظروف خاصة، رغم الخوف والضغط والملاحقة من قبل فصيل سليمان شاه”، مشدداً على ضرورة “الحفاظ على الشهود وسريتهم، وعدم إعطاء الملفات لجهة أخرى، خشية تسريب المعلومات”.
ورداً على من يعترض على عدم تقديم اللجنة الملفات التي بحوزتها للقضاء العسكري والشرطة العسكرية، أشار علوان إلى أن “الكثير من الشهود والمدعين تقدموا بدعاوى للشرطة العسكرية والقضاء العسكري، ولكن لم يحصل شيئاً”.
ومما يعيق عمل الشرطة العسكرية أنها “تعتمد على الفصائل كقوة تنفيذية، لذلك إذا لم تنسق مع فصيل لمحاسبة فصيل آخر لن تستطيع فعل شيء”، وفقاً للخبير في شؤون الفصائل، لذلك “إذا كانت الفصائل لا تريد محاسبة شخص ما، فلن تستطيع الشرطة العسكرية محاسبته”.
مصير أبو عمشة
ما إن شعر أهالي منطقة الشيخ حديد بـ”الانفراج” وانتهاء كابوس “أبو عمشة” حتى “عاد الفصيل إلى تأهيل نفسه، وارتكاب انتهاكات عن طريق أذرعه الأمنية المتبقية في المنطقة، خاصة أن بعض الأشخاص الذين حلّوا مكان أبو عمشة هم من المحسوبين عليه”، وفقاً للشيخ علوان، مشيراً إلى أن “أبو عمشة ما يزال يحركهم من تحت الطاولة”.
وحتى إعداد هذا التقرير، ما يزال مستقبل أبو عمشة مع فرقة السلطان سليمان شاه غير معروف، إذ لا معلومات تؤكد عزله وتجريده من مهامه، لكنه ما يزال عضواً في مجلس قيادة هيئة ثائرون، التي يتبع لها فصيل “العمشات”.
وحتى إذا لم يتم محاسبة أبو عمشة، فإن الأخير سيحاول تغيير سياسته في المنطقة لأجل تجاوز الأزمة الحالية، وقد “يعمل على قصقصة نفوذ أقاربه المحيطين به”، مستدلاً على ذلك بنقل المدعو أبو سراج “شقيق أبو عمشة إلى ليبيا والطلب منه عدم العودة”، وفقاً للباحث.
لكن، حتى إن أفلت أبو عمشة من المحاسبة حالياً “لن يبقى ذلك لوقت بعيد، وحينما ينتهي الدور المنوط به في الوظيفة التي يقوم بها سوف ينتهي”.
المصدر: سوريا على طول (وليد النوفل)