المكحل، شاب ملثم بالكوفية المحلية، لا تبدو من ملامحه سوى عينيه، المخطوطتان بالكحل، وهي عادة ظهرت مع سيطرة “داعش” على المنطقة، باعتبارها “سنّة نبويّة”.
وقد سبق أن أعلنت “قسد” عن قتلها أبو فروة، أكثر من مرة، لكنه كان يعاود الظهور مجدداً مثيراً الفزع. وآخر ما نسب إليه كان في ليلة 10 نيسان/أبريل، حين تعرض حاجز البريد في بلدة الطيانة لهجوم أسفر عن اختطاف مجموعة من عناصر “قسد”، عدا عن القتلى والجرحى. كما نُسِبَ لأبو فروة، اغتيال مسؤول المعابر في “قسد” عمار الجويرة الملقب بـ”العقعق”، قرب معبر بلدة حوايج ذيبان، بين مناطق سيطرة النظام والقوات المدعومة أميركيا.
يقول سعيد العيسى، صاحب البقالية في بلدة سويدان، لـ”المدن”، إنه شاهد أبو فروة يركن دراجة نارية ملغمة قرب حاجز لـ”قسد” في البلدة، وانتظر إلى أن اقترب أحد عناصر الحاجز منها ففجرها عن بعد وقتله، ثم لاذ بالفرار بمساعدة شخص آخر كان ينتظره على متن دراجة أخرى. وأكد العيسى أن أبو فروة، أمسى شخصية مشهورة في ريف ديرالزور الشرقي، بعد ضلوعه في سلسلة اغتيالات لعناصر “قسد”، مشيراً إلى أن هويته واسمه وجنسيته مجهولة.
كما شوهد أبو فروة، من قبل بائعي المحروقات بالقرب من نقطة الترافيك في بلدة البصيرة، شرقي ديرالزور، في 3 كانون الثاني 2019، إذ هاجم مع ثلاثة آخرين مقر الشرطة، وقطعوا رأس اثنين منهم في وضح النهار، ثم لاذوا بالفرار.
المكحل، ظهر آخر مرة، بحسب الأهالي، في بلدة البحرة قرب مدينة هجين. ويقول أبو سالم، أحد شهود العيان لـ”المدن”: “غادرت المنزل صباحاً لشراء الخبز من الفرن كعادة أهل المنطقة، فلاحظت وجود رجل أكحل العينين غير منتظم في طابور الفرن، بل كان يجلس قربهم ويبدو عليه الحذر ويلتفت يمنة ويسرة بانتباه شديد”. ويتابع: “وعند مرور أول سيارة عسكرية لعناصر قسد عبر الطريق العام في البلدة، استل سلاحاً رشاشاً من تحت سترته، وانقض على العربة وشرع بإطلاق النار، فقتل عنصراً ينحدر من مدينة القامشلي وأصاب آخر، قبل أن يركب دراجته النارية المركونة جانباً ويختفي عن الأنظار قبل أن نصحو جميعاً من الصدمة”.
مقاتل في “لواء خابات”، المؤلف من شبان من قبيلة الشعيطات والمنضوي في “قسد”، قال لـ”المدن”: “لا يوجد أبو فروة واحد، وأول من استخدم هذا الأسلوب، قُتِلَ منذ سنة”. ويلجأ عناصر “داعش” اليوم إلى التخفي، والحركة بسرعة، ولذلك يلبسون غالباً الفروة أو العباءة التي تخفي هويتهم، وهو لباس تقليدي في المنطقة يرتديه الرجال في كل فصول السنة، و”لم يكن يثير الشبهات من قبل”. أما ملامح الوجه فيتم اخفاؤها باللثام أو بالكوفية المحلية أيضا، وهي شائعة بكثرة، يتابع المقاتل: “كما أن تغطية الوجه، وهو ما يدعى باللطمة شائع في الاوقات المضطربة، حيث يلجأ الرجال لتغطية وجوههم خشية الثأر منهم فيما لو كان أحد أبناء قبيلتهم متورطاً في عملية قتل ما، وفق العرف القبلي السائدة”.
أما عن الحل، فيجيب ضاحكاً: “لا بد من منع لبس الكوفية والعباءة، وهذا امر صعب إذا لم يكن مستحيلاً، ثم ان أي لباس جديد يمكن استغلاله لاخفاء الاسلحة، إلا إذا اجبرنا الناس على ارتداء الشورت القصير والفانيلا”.
أحد أعضاء الجهاز الأمني في “قسد”، وعضو في فريق التفاوض مع جيب “داعش” الأخير في الباغوز، قال لـ”المدن”: “منذ أن تأسست داعش علناً، بنت جهازاً أمنياً موازياً، كان يعرف لدى الاهالي بالامنيين، وطريقة عمله مستوحاة من طريقة عمل جهازي الأمن في العراق وسوريا، ونعتقد أن القائمين عليه ضباط مخابرات سابقين لدى نظام صدام حسين”، ويتابع: “يعتمد على تجنيد عملاء له بشكل سري، ولا يظهرون أي شكل من اشكال التشدد الديني، ويعملون في مهن شعبية متنوعة، تمكنهم من الاحتكاك بالناس والتقاط كل أنواع المعلومات ومن مختلف الشرائح بما فيها النساء”.
وعندما تم اسقاط التنظيم عسكرياً، لم يتأثر هذا الجهاز كثيراً، لأن قيادته وميزانيته ونشاطاته مفصولة عملياً عن التنظيم الظاهر. ويكاد أن يكون هذا الجهاز بمثابة تنظيم سري داخل “داعش”، وما زال يحتفظ بهيكليته كاملة، وبموارد لدى قادته السريين. والاهم من ذلك “لديه خطط محددة للعمل في الظروف الحالية”.
القيادي الاستخباراتي في “قسد” قال لـ”المدن”: “أثناء عملية حصار الباغوز، التقطت أجهزة التنصت لدينا احاديث بين عناصر داعش، حول ما بات يدعى بالولايات الأمنية، وهناك تسجيلات على هواتف محمولة حصلنا عليها بعد تحرير الباغوز تؤكد ذلك، مثل أوامر لبعض العناصر بمراجعة القيادات في تلك الولايات، أو طمأنة بعضهم إلى مستقبل (الدولة) ما دامت الولايات الأمنية قائمة”.
وحول استراتيجية الجهاز الأمني لـ”داعش”، قال القيادي: “هدفه “زعزعة الاستقرار في منطقة سيطرتنا، وخلق حالة دائمة من الفوضى، والرعب من التنظيم، ومن عملائه السريين، والترويج لقدرتهم على الوصول إلى كافة خصومهم وقتلهم، وخلق رموز تستقر في عقول الناس، مثل صورة أبو فروة والمكحل وغيره، بحيث يكفي ظهور رجل يرتدي عباءة في السوق، حتى لو لم يكن يحمل سلاحاً، لتذكير الناس بحضور داعش، وبث الخوف في نفوسهم”.