جسر: متابعات
استدعت لجنة أمنية في القصر الجمهوري، مطلع شهر آب مدير عام “جمعية البستان الخيرية” سامر درويش، المقرب من رامي مخلوف، للتحقيق معه على خلفية قضايا تتعلق بـ”الفساد وتمويل الإرهاب”.
والملفات التي يواجهها درويش، بحسب مصادر موقع “المدن” تتعلق بثروته وثروة عائلته، وتمويل “جمعية البستان”، ورواتب عناصر المليشيا المسلحة التي تتبع لها، وطرق تجنيد العناصر وتخلّف منتسبيها عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية في قوات النظام، و”التجاوزات” المرتكبة من قبل المليشيا بعد انتهاء العمليات العسكرية في دمشق وريفها.
لم يستمر التحقيق طويلاً مع درويش، وطُلب منه تقديم ملفات الجمعية، إلا أن تأخره عن تنفيذ متطلبات اللجنة الأمنية المسؤولة عن التحقق، دفع دوريات تتبع لأمن القصر الجمهوري، بشكل مباشر، لمداهمة مواقع تتبع لدرويش، في الأسبوع الأخير من آب. وتزامن ذلك مع انتشار شائعات عن وضع رامي مخلوف واخوته رهن الإقامة الجبرية، الأمر الذي نفته مصادر “المدن”.
وأُطلق سراح درويش، بعد ذلك بوقت قصير، مع إصدار مذكرة تمنعه من مغادرة سوريا، وتجميد أمواله في المصارف السورية، ومصادرة سيارات يملكها.
الدوريات التابعة لأمن القصر، داهمت مكاتب ومستودعات “جمعية البستان” في المزة بدمشق، وصادرت جميع المعدات الالكترونية، واعتقلت بعض العاملين مع درويش.
وداهمت الدوريات أيضاً مكتب درويش الخاص في منطقة الفيلات الشرقية بحي المزة، وصادرت الأجهزة الالكترونية والملفات الموجودة في المكتب. وتزامن ذلك مع مداهمة مستودعات تتبع لـ”جمعية البستان”، ومستودعاً للمواد الغذائية يتبع لشركة تدعى “حدائق يعفور” تبين أن لدرويش حصة فيها. وجرت مصادرة ملفات وبيانات الشركة، والأموال الموجودة فيها، وتُرِكَت تعمل “بشكل طبيعي”.
وتزامنت عمليات المداهمة لمقرات درويش، مع حملة اعتقالات طالت أكثر من 20 عنصراً يتبعون لـ”جمعية البستان”، مدعومين من درويش بشكل مُباشر، ينتشرون على حواجز عسكرية ضمن منطقة المزة 86، ولهم مهام تفتيش السيارات وإجراء الفيش الأمني للمشاة.
مصدر في “جمعية البستان”، قال لـ”المدن”، إن لا علاقة لرامي مخلوف، بالمشكلة مع درويش، وإن ما يجري يتعلق بملفات فساد لدرويش شخصياً. المصدر أكد عدم اقتراب أمن القصر الجمهوري من مخلوف، أو جمعيته التي تعمل إلى الآن “بشكل طبيعي”. في دمشق، سحب أمن القصر كافة الملفات من الجمعية، ووضع يده على المستودعات، الى حين انتهاء التحقيق، ووضع “الجمعية” وكل ما فيها بعهدة أحد ضباط القصر الجمهوري.
ولم يستبعد مصدر “المدن”، تورط درويش وعناصره في قضايا تعامل مع فصائل المعارضة خلال وجودها في ريف دمشق، واتجارهم بالمؤن والأدوية والذخائر. وهذه حالة عامة انتشرت بين كثير من ضباط قوات النظام، وقد أحيل بعضهم للتحقيق بعد ثبات تورطهم بالتعامل “التجاري” مع الفصائل في الغوطة الشرقية وبرزة والقابون، إبان فترة الحصار ضمن سياسة التجويع والتركيع التي كان ينتهجها النظام.
إلا أن مصدر “المدن” أشار إلى تورط درويش، بتهريب كميات كبيرة من المال، تعود له ولشخصيات اقتصادية نافذة في دمشق، إلى خارج سوريا.
وسامر درويش، ابن اللواء المتقاعد أحمد درويش، الذي يعمل كـ”مستشار” للشؤون الأمنية في القصر الرئاسي. كما أن قرب سامر من رامي مخلوف، جعله من أصحاب النفوذ. درويش كان قد تجاوز “القانون الداخلي” لـ”جمعية البستان” الذي ينص على تغيير مديرها العام، كل 5 سنوات.
مصدر “المدن”، العامل في “جمعية البستان”، أشار إلى أن إياد مخلوف، شقيق رامي، زار سوريا، خلال آب/أغسطس، وشوهد في أحد مطاعم دمشق. أما رامي، فقد تواجد في دبي، منتصف آب، وخرج منها إلى بيلاروسيا، ومنها عاد إلى دمشق، قبل أن يغادرها مجدداً إلى وجهة غير معروفة.
الأب محمد مخلوف، والذي قيل إنه رهن الإقامة الجبرية، متواجد في دمشق، بحسب مصادر “المدن”، وقد شوهد في إحدى السهرات الخاصة خلال فترة عيد الأضحى.
مصدر “المدن” لم يُخفِ التوتر بين بشار الأسد ورامي مخلوف، مُشيراً أنه من الممكن أن تجري عملية “تقليم أظافر” لرامي وأخواته. ورجّح المصدر أن تتم العملية، بهدوء و”من دون شوشرة”. والسبب المباشر وراء ذلك الاستياء، يعود إلى “تجاوزات” كبيرة، بحسب وصف المصدر، من رامي، وأكثر من 20 شخصية اقتصادية يعملون لديه، ممن عملوا على تهريب مليارات الدولارات خارج سوريا خلال السنوات الماضية.
مصدر “المدن”، قال إن اعتقالات جديدة ستنفذ بحق شخصيات اقتصادية نافذة، بطلب روسي، للتخفيف من تهريب رؤوس المال من سوريا، والمساهمة بإعادة جزء منها، عبر “مفاوضات”، بهدف دعم الاقتصاد السوري، خاصة أن قيمة الليرة تتهاوى بطريقة غير مسبوقة منذ اندلاع الثورة السورية.
ويبدو أن ما يشبه سجن “كارلتون” قد يُفتتح في الأيام المقبلة في دمشق، لنزلاء من فئة خمسة نجوم، ممن “سيفاوضهم” النظام على إعادة جزء من ثرواتـ”هم” التي حصلوها عبر نشاطات “غير مشروعة” في اقتصاد الحرب. ولا يعني ذلك، بأي شكل من الأشكال، أن النظام يُحارب الفساد، بل يعكس ذلك بوضوح عمق أزمة النظام المالية، وعجزه عن تمويل مصاريف “دولته”.
دائرة النظام الضيقة، مؤسسة ورائدة الفساد والنشاطات الاقتصادية والحربية غير المشروعة، باتت في أزمة مالية خانقة، تدفعها إلى محاصصة من أطلقت أيديهم لاستباحة سوريا خلال السنوات الماضية. لذا، يبدو حيتان الاقتصاد وأمراء الحرب، الموالين للنظام، الهدف المقبل، بعدما فقد النظام أي مصدر تمويل آخر.