عقيل حسين
مر وقت طويل على آخر نشاط للمكتب الإعلامي لجيش مغاوير الثورة في حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نشرت هذه الحسابات مؤخراً صوراً تظهر تدريبات جديدة لمقاتلي الفصيل المعارض الذي ينشط في البادية السورية.
وخلال الأسبوع الأخير نشرت حسابات “الجيش” على مواقع التواصل صوراً تظهر، وللمرة الأولى منذ إعلان قوات التحالف الدولي هزيمة تنظيم الدولة، تدريبات لمقاتلي “مغاوير الثورة” وصفها قادة في الفصيل، في تصريحات إعلامية، بأنها “غير مسبوقة وقاسية وتهدف إلى إعداد مقاتلين من مستوى قوات النخبة”.
وبينما لم يتحدث هؤلاء عن الهدف المباشر من هذه التدريبات الجديدة التي تجري بقيادة قوات التحالف الدولي وبإشراف من ضباط أميركيين يتمركزون في قاعدة التنف العسكرية الحدودية مع العراق، وفي الوقت الذي قالت فيه حسابات جيش مغاوير الثورة “إن الغاية منها الحفاظ على الجاهزية لمنع عودة تنظيم داعش ومواجهتهم في منطقة ال(55) من البادية السورية” التي ينشط فيها “مغاوير الثورة”، رأى محللون أن هذه التدريبات هي بداية خطة أمريكية لإعداد جيش من العرب السنة في المنطقة الصحراوية السورية-العراقية تكون مهمتها إعاقة التمدد الإيراني ومواجهة أذرع طهران وميليشياتها المنتشرة في البلدين.
يبدو أن الإدارة الأميركية باتت أكثر قناعة اليوم بأن الطريقة الأفضل لمواجهة إيران هي حرب الوكلاء، من خلال تطبيق استراتيجية طهران نفسها
وحسب هذه التحليلات، فإن الولايات المتحدة وبتمويل خليجي، بدأت بإعادة إحياء برنامج تدريب قوات من المعارضة السورية كانت قد أوقفته في السابق بسبب إخفاقه وعدم التمكن من جذب أعداد كافية من المقاتلين، لأن الهدف من البرنامج كان مقتصراً في السابق على قتال تنظيم الدولة، بينما كانت فصائل المعارضة تطالب بأن يشمل البرنامج قتال النظام أيضاً.
وبعد سنتين من التجارب الفاشلة، امتدت من العام ٢٠١٤ حتى العام ٢٠١٦، ركزت وزارة الدفاع الأميركية على دعم أربعة فصائل ثورية قاتلت التنظيم في منطقة البادية السورية هي بالإضافة إلى جيش مغاوير الثورة (جيش أحرار العشائر، جيش أسود الشرقية وقوات الشهيد أحمد العبدو)، بينما خصصت برنامج التمويل والتدريب الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” التي يهيمن عليها الأكراد.
لكن مع ارتفاع حدة التوتر بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربي من ناحية، وإيران من ناحية أخرى، وخاصة عقب إعلان رئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي مع طهران، بدأ الحديث في واشنطن عن توجه لإنشاء ميليشيات عربية في كل من سوريا والعراق لمواجهة أذرع إيران العسكرية في البلدين بالتعاون مع قسد، وبالتوازي مع زيادة الضغوط والعقوبات الاقتصادية على طهران.
ويبدو أن الإدارة الأميركية باتت أكثر قناعة اليوم بأن الطريقة الأفضل لمواجهة إيران هي حرب الوكلاء، من خلال تطبيق استراتيجية طهران نفسها، عبر استخدام الجماعات والقوى المحلية المتضررة من النفوذ الإيراني في بلدان الشرق الأوسط التي باتت تسيطر عليها إيران بشكل غير مباشر، بإنشاء ودعم ميليشيات مرتبطة بها كما يحصل في العراق وسوريا، وكذلك لبنان واليمن.
في الخامس عشر من شهر حزيران الفائت، قالت مستشارة وزير الخارجية الأميركية ماري كيسل “إن على الولايات المتحدة أن تعتمد على قوى محلية في العراق وغيرها من بلدان المنطقة، وليس على الحكومات، من أجل مواجهة التغوّل الإيراني في هذا البلد”، منتقدة موقف بغداد المتضامن مع طهران فيما يتعلق بالتصعيد الأمريكي ضد إيران.
وفي لقاء جمعَها مع قوى محلية محافظة مؤيدة للحزب الجمهوري وللرئيس ترمب، قالت كيسل، وهي من أركان “حزب الشاي” كيف يمكن لحكومة مدعومة من قبلنا وتحصل على مساعداتنا أن تقف في جانب (العدو)” في إشارة طبعاً إلى معارضة العراق لبيان القمة العربية الأخيرة التي عُقدت في مكة المكرمة، البيان الذي حمل بشدة على إيران، وحمّلها مسؤولية ما يجري في المنطقة من أزمات وتوتر.
وقبل ذلك بأسبوعين، كان السياسي العراقي المعروف “عزت الشابندر” قد أشار في لقاء له مع قناة الشرقية العراقية إلى وجود مساعٍ أميركية لتشكيل قوة عسكرية من المكون السني غرب العراق.
الشابندر، وهو نائب سابق ومن عرَّابي السياسة الأقوياء المؤيدين لإيران في العراق، اعتبر أن أي سياسي أو جهة عراقية تقبل وبأي شكل كان بهذه الخطة ستعتبر “عدواً” في مؤشر على ما يبدو على وجود خطة فعلية بهذا الشأن.
المستشارة الأميركية أوضحت بعض ما كان قد أشار إليه السياسي العراقي قبل ذلك فيما يتعلق بخطة أميركية ما بخصوص حوض الفرات، حين أكدت في كلمتها التي نقلت مقتطفات منها قناة “فوكس نيوز” الأمريكية، أن على إدارة الرئيس ترمب أن تبدأ بالعمل مع قوى ومكونات محلية متضررة أو معارضة لإيران وحلفائها في المنطقة، وخاصة في العراق وسوريا، حيث إقليم كردستان العراق شمالاً، والعشائر العربية السنية غرب الفرات (العراق) وقريباتها العشائر السورية شرق الفرات، المنضوية في تحالف قوات سوريا الديمقراطية الذي يقوده الأكراد، أو القابلة للانضمام والتشارك مع هذا التحالف المدعوم من الولايات المتحدة وحلف الناتو وبعض دول الخليج، بشرط، تضيف ساندي، “أن تتعلم الحكومة الحالية في واشنطن من أخطاء إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، التي تخلت عن القوى العربية السنية التي تحالفت معها سياسياً في العراق، أو التجمعات العسكرية التي قاتلت القاعدة إلى جانبها، قبل أن يترك أوباما الجميع فريسة لإيران”.
وقالت مصادر خاصة لـ موقع “تلفزيون سوريا” إن الحديث في العراق يجري حالياً عن عن مساعي تكوين ميليشيات سنية من أبناء عشائر الأنبار يصل عدد المقاتلين فيها إلى خمسين ألفاً، يتم استقطابهم من مخيمات النازحين وكذلك من أبناء هذه العشائر المقيمين في الأردن، بينما نقلت “صحيفة العربي الجديد” في تقرير لها يوم الأحد عن مصادر سورية أن عدد المقاتلين الذين تسعى الولايات المتحدة إلى تجنيدهم في سوريا قد يصل إلى ٧٥ ألفاً.
ولا يعتبر تخلي واشنطن سابقاً عن القوى العراقية التي تحالفت معها في العراق التحدي الوحيد أمام نجاح مثل هذه الاستراتيجية، حيث سبق أن أدى الفساد وغياب العامل الإيديولوجي أيضاً إلى تفكك وفشل كثير من القوى السياسية والفصائل العسكرية التي أنشأتها ودعمتها دول الخليج في العراق وسوريا، بمواجهة قوى وجماعات شديدة التنظيم والولاء، إن كان من التيار الجهادي السني أو تلك الشيعة المرتبطة بإيران.
قالت مستشارة وزير الخارجية الأميركية ماري كيسل “إن على الولايات المتحدة أن تعتمد على قوى محلية في العراق وغيرها من بلدان المنطقة، وليس على الحكومات”.
كما أن خشية المكون العربي من الهيمنة الكردية على القوة التي تجري الترتيبات لها يعتبر تحدياً آخر كبيراً، خاصة بعد الممارسات السلبية الكبيرة التي قامت بها القيادة الكردية وأضرَّت بالمكوّن العربي والمكونات الأخرى في مناطق سيطرتها في سوريا، وخاصة شرق الفرات ومنطقة الجزيرة، الأمر الذي تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى معالجته من خلال الزيارة المتتالية التي قام بها مسؤولون غربيون وخليجيون إلى مناطق سيطرة قسد في سوريا، ولقائهم مع وجهاء وشيوخ عشائر عرب.
كذلك يعتبر الموقف الأردني أحد التحديات الرئيسية أمام نجاح هذه الاستراتيجية، خاصة أن عمّان حذرة جداً ومتحفظة من أن تكون هذه الخطة جزءاً مما بات يُعرف بصفقة القرن والتي تتخوف الأردن من أن تؤدي إلى ترسيخ الأردن وطناً بديلاً للفلسطينين، وإنهاء أو إضعاف الحكم الهاشمي في البلاد.
وحسب مصادر “تلفزيون سوريا” فإن عمَّان بدأت بفتح قنوات تواصل مع النظام في طهران عقب تصاعد الترتيبات لصفقة القرن المدعومة خليجياً، حيث أجرى قادة في جماعة الإخوان الأردنية وبإيعاز من الحكومة مشاورات مع قادة في النظام الإيراني، بينما أعلن رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في العاشر من الشهر الحالي “أن بغداد تدرس تصدير النفط العراقي عبر سوريا والأردن” في إشارة واضحة إلى امكانية تعويض عمَّان بالوقود في حال أوقفت السعودية مدَّها الأردن بالنفط الذي تصدره لها بأسعار مخفضة حالياً.
يرى كثيرون أن الجزء المتعلق بالاستراتيجية الأميركية لبناء جيش من العرب السنَّة في سوريا قابل للنجاح، خاصة أن سبب فشله في السابق هو اقتصار برامج التدريب والتسليح الأميركية السابقة لقوات المعارضة على قتال تنظيم الدولة، بينما سيجذب شعار مواجهة إيران كثيراً من أبناء العشائر وغير العشائر من المكون العربي إلى الالتحاق بالقوى الجديدة، بسبب رفضهم للوجود الإيراني في سوريا ودعم طهران لنظام الأسد، إلى جانب وجود مساحات واسعة خارج سيطرة جيش النظام وحلفائه، على عكس العراق الذي بات تحت سيطرة فصائل الحشد الشعبي المرتبط بإيران من جهة، وعدم التفاؤل بدعم الأردن التي يقيم فيها العنصر المستهدف بهذه الخطة من العراقيين من جهة أخرى.
موقع تلفزيون سوريا ٢٢ تموز/ يوليو ٢٠١٩