وقالت جولي “حدثني طبيب في المركز الحدودي عن عائلة وصلت حديثاً وكانت تحمل معها ابنها (8 سنوات) المصاب، مبتور الساق. فقد الطفل ساقه جراء غارة جوية، وتوسل لأهله إحضارها معه، لعله من الممكن إيجاد طريقة لإعادة وصلها بجسده”، موضحة أنها كانت تأمل في ذلك الوقت المبكر من عمر الأزمة السورية، أن تجبر قصص مؤثرة كهذه، الدول الثرية والقوية على التدخل لوقف العنف، “لكن الآن، وبعد حوالي عقد من الزمن: جيل كامل من الأطفال دُمّرت براءته، ضرر لا يمكن إصلاحه وقع بمجتمع علماني متعدد الأعراق، وذهبت سنوات من استجداء المساعدة من دون أن تجد أي استجابة من أحد”.
وأوضحت جولي أنها زارت المنطقة السورية حوالى 10 مرات منذ بدء النزاع، وقالت: “في البداية كانت العائلة التي ألتقيها مفعمة بالأمل، كانوا يقولون لي: من فضلك أخبري العالم عما حصل لنا، وكلهم ثقة في أنه ما إن يعلم العالم بحقيقة ما يحصل، فإنه سيبادر لإنقاذهم، لكن الأمل تلاشى وحل محله الغضب والصراع من أجل البقاء. غضب تمثل في أب يحمل رضيعه أمامي ويسأل: هل هذا إرهابي؟ هل ابني إرهابي؟. وإلى جانب ذلك، هناك ألم العائلات التي التقيتها والتي تواجه بشكل يومي خيارات متعلقة باختيار أي من الأطفال سيحصل اليوم على قليل من الطعام والدواء”.
وأشارت جولي إلى ضعف الاهتمام بالكارثة الإنسانية في سوريا، وشيوع نوع من اللامبالاة، سواء في السياسات الغربية وحتى في وسائل الإعلام، حيث صور لا تحصى لأطفال سوريين اختنقوا بالغازات السامة أو تشوهت أجسادهم بسبب الشظايا أو غرقوا على شواطئ أوروبا أو تجمدوا حتى الموت في إدلب، لم تكن كافية لتخطي اللامبالاة المتوحشة للقوى والمصالح المتصارعة التي ساهمت في تدمير سوريا.
وبحسب جولي، فإن استجابة بعض القوى الخارجية، لم تكن فقط بعيدة كل البعد من تضميد جراح سوريا، بل ألحق بها المزيد من الإصابات، ولطخت أيدي تلك القوى بالدماء السورية. في الوقت ذاته، ركزت دول أخرى على محاربة الإرهاب على حساب الجهود الإغاثية، بالتزامن مع اشتداد الحرب بشكل أكبر وأعنف. فيما تم انتهاك وتجاهل قوانين حظر استهداف المدنيين وقتلهم، وقصف المستشفيات والمدارس، والاغتصاب الجماعي، وحظر استخدام الأسلحة الكيميائية، ومسؤولية الحماية (منع جرائم الحرب والإبادات الجماعية والجرائم ضد الإنسانية) التي وقعت بالموافقة عليها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وتعطلت قدرة مجلس الأمن على التدخل لوقف النزاع، وميثاق الأمم المتحدة ذاته.
وأكملت جولي بأنه منذ العام 2014، لم تعد الأمم المتحدة قادرة على توثيق عدد الموتى في سوريا، ويقدر البعض أن عددهم تجاوز نصف المليون. وغالباً ما يشير السياسيون إلى أننا نواجه اختياراً بين التدخلات العسكرية والدبلوماسية المفتوحة ومجهولة العواقب، كالتي رأيناها في العراق وأفغانستان، أو ترك الدول تتدبر أمورها وتدافع عن نفسها، فيما نرسل لها ما تيسر من المساعدات الإنسانية. إن سوريا دليل على أنه هناك عواقب لافتقارنا للقيادة والدبلوماسية.
وقالت جولي أن ذلك يطرح أسئلة أساسية بالنسبة للأميركيين: “منذ متى توقفنا عن دعم الأبرياء والمستضعفين والذين يقاتلون من أجل حقوقهم الإنسانية؟ أي نوع من البلدان نحن إن تخلينا عن تلك المبادئ؟”، مضيفة أن هنالك الكثير من التركيز في الولايات المتحدة اليوم على حب وحفظ الذات، لكن السلام غالباً ما يقاتل من أجله بقوة أولئك الذين يفهمون الحرب بحق. و”يظهر التاريخ أننا عندما قاتلنا من أجل تحرير أوروبا في الحرب العالمية الثانية، أو ساهمنا في بناء النظام العالمي بعد الحرب، فعلنا ذلك من أجل مصالحنا وقد جنينا الفائدة من ذلك. عندما هوجمت الولايات المتحدة في 11 أيلول/سبتمبر، تضامنت معنا وتبنت قضيتنا دول عديدة، لأننا سبق أن كسبنا صداقتها”.
وختمت جولي: “إننا نشاهد النهاية الوحشية للحرب في سوريا كما لو أن الأمر لا يعنينا، لكنه كذلك، يجب أن نستخدم قوتنا الدبلوماسية للإصرار على وقف إطلاق النار والتفاوض لإحلال سلام قائم على الأقل على قدر من التشاركية السياسية والمحاسبة والمساءلة وشروط العودة الآمنة للاجئين. ولن يكون بديل ما سبق، إلا تحول سوريا لنقطة مرجعية سيئة السمعة تدل على الوحشية والدمار الذي يمكن إحداثه، والإفلات من العقاب بعد ذلك، الأمر الذي سيثقل كاهل الجيل التالي ليعيد بناء النظام العالمي المحطم”.