اطلعت “القدس العربي” على نص الرسالة التي أرسلتها “الوكالة الألمانية للتعاون الدولي” (GIZ) إلى الشركاء المحليين السوريين، ونصت على إبلاغ الوكالة لشركائها بـ “تجميد المساعدات الإنسانية في شمال غرب سوريا” بدون أن توضح الوكالة السبب المباشر في الرسالة الالكترونية التي تلقاها الشركاء المحليون بتاريخ 11/ كانون الثاني/يناير الجاري.
وياتي القرار بعد يوم من الاتفاق الموقع بين “تحرير الشام” من جهة و “أحرار الشام” و”صقور الشام” من جهة أخرى، وهو ما اعتبر بمثابة سيطرة “تحرير الشام”، بعد هزيمة حركة “نور الدين الزنكي” في ريف حلب الغربي، والاستسلام الصادم لـ “أحرار الشام” في سهل الغاب في ريف حماة الشمالي والقاضي بتهجير المقاتلين بسلاحهم الفردي إلى عفرين على طريقة اتفاقيات التهجير التي قام خلالها النظام بطرد المقاتلين الرافضين لعودة سيطرته في درعا وحمص والغوطة.
وتهدد التَغيرات العسكرية الحاصلة في شمال غرب سوريا بوقف المساعدات الدولية خصوصا في مشاريع دعم الاستقرار والتعافي المبكر، والتي تشمل دعم الحوكمة بكل أشكالها (حكومة مؤقتة ووزارات ومديريات) وتركز على المديريات المحلية كالصحة والتعليم والبرامج السياسية ودعم الشرطة الحرة.
وأوقفت أمريكا دعم الشرطة الحرة في محافظتي حلب وإدلب في شهر أيلول (سبتمبر) 2018 ما قطع الدعم عن ثلاثة آلاف ضابط وعنصر في كتلة رواتب ومصاريف تقدر بـ 675 ألف دولار شهرياً حصة شرطة حلب الحرة 350 ألف دولار، وشرطة إدلب 325 ألف دولار تقريباً، عدا عن المشاريع الموازية المتعلقة بتزفيت الطرق وإنارة الشوارع الرئيسية في البلدات التي تنتشر فيها مخافر الشرطة وكانت تقدر بعشرات الملايين سنوياً.
وشطب الداعمون الغربيون عدداً كبيراً من المجالس المحلية في محافظة إدلب من قوائم الدعم بعد السيطرة العسكرية المباشرة لـ “فتح الشام” سابقا و”تحرير الشام” لاحقا على قرى وبلدات عدة بعد الاقتتال الكبير بينها وبين “أحرار الشام” الإسلامية وسيطرتها على معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا بتاريخ 23 تموز (يوليو ) 2017. وتراجع دعم المجالس ليبقي على خمسة مجالس محلية فقط في محافظة إدلب، ثم انحصرت فقط إلى مجلسين هما أريحا ومعرة النعمان، فيما اعتبرت باقي المجالس تابعة إلى حكومة الإنقاذ” التي شكلها أبو محمد الجولاني في تشرين الثاني (ديسمبر) 2017 .
حالياً تواجه منطقة شمال غرب سوريا (إدلب وريف حلب الشمالي وريف حلب الغربي) خطر وقف المساعدات غير الإنسانية. وهو ما يهدد عمل مديريات الصحة في إدلب وحلب وحماة، حيث تبلغ الكتلة المالية للمديريات الثلاثة ما يقارب 9 ملايين دولار أمريكي شهريا. عدا برامج اللقاحات التي تتشاركها الأمم المتحدة مع بعض الدول العربية. وتشغل المساعدات الدولية خمسة آلاف عامل بين طبيب وممرض ومسعف في إدلب وحدها عدا عن ريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي.
ومع تعليق GIZ دعمها في شمال غربي سوريا فهذا يعني وقف الدعم الإداري المباشر لمديريات الصحة الثلاث إضافة إلى المشافي وبنوك الدم ومراكز التلاسيميا ومراكز الأشعة والعيادة التخصصية والتي تقدر بسبعين مركزاً في المحافظات الثلاث 55 منها في إدلب وحدها وتتبع بشكل مباشر لمديرية الصحة. وعلى اعتبار أن المنحة الألمانية تتركز حول دعم الحوكمة فإنها تدفع الكلف التشغيلية للمديريات الثلاث على اعتبارها جزءا من البنى الإدارية والمحلية. ويستفيد أكثر من 1000 موظف إداري وطبيب ومسعف وممرض ومخبر من المنحة في المحافظات الثلاث، وهو ما سيؤدي إلى تراجع دور مديريات الصحة في شمال غرب سوريا وسينعكس سلبا على الخدمات الطبية مع الوقت ويؤدي إلى انتشار الأوبئة والأمراض.
وأصدرت مديرية صحة إدلب تعميما على موظفيها في 16 كانون الثاني (يناير) أعلنت فيه بدء العمل التطوعي في المراكز التابعة لها وبينها خمسة مستشفيات رئيسية. وأمام خطر متوقع بإلحاق مديرية الصحة بحكومة الإنقاذ أعلن 57 مركزا طبيا تبعيته الإدارية إلى مديرية الصحة في إدلب مع التأكيد على عدم التبعية السياسية والعسكرية. ودعت إلى “تحييد القطاع الطبي عن أي تجاذبات سياسية وعسكرية تحصل على الأرض مذكرين بأن القطاع يخدم ثلاثة ملايين ونصف مدني بدون تمميز بين العرق أو اللون أو المذهب السياسي، أو الحالة الاجتماعية والاقتصادية.
وصرح مدير صحة إدلب الحرة الدكتور منذر خليل في اتصال مع “القدس العربي” على “استقلالية مديرية الصحة وعدم تبعيتها لأي جهة سياسية وعسكرية”، وخفف من المخاوف بعد المتغيرات العسكرية في إدلب. وأشار إلى أن “تعليق المساعدات حصل سابقاً مع حصول بعض التوترات العسكرية لكن سرعان ما ألغي التعليق وأعادت الجهات الدولية دعمها”.
وفي السياق أعلن مجلسا معرة النعمان وأريحا استقلاليتهما. وأكد الأول أنه “لا يتبع لأي جهة عسكرية وأنه قائم بكل مكاتبه ومستمر في تقديم الخدمات لأهلنا المقيمين والنازحين. ويتعهد المجلس المحلي للمنظمات بالالتزام التام بمذكرات التفاهم وعدم السماح لأي جهة عسكرية بالتدخل في عمله”، فيما يبقى عمل مديرية التربية والتعليم قائما بسبب استمرار الدعم البريطاني حتى نهاية العام الدراسي والذي يشمل عشرة آلاف مدرس تقريبا.
وفضلت حكومة الإنقاذ بنسختها الأولى عدم الاقتراب من مديرتي التعليم والصحة بسبب إدراكها للكارثة التي ستحصل في حال هيمنتها وربط المديريتين بها. وكذلك يبدو أن حكومة الإنقاذ بنسختها الجديدة لن تقترب من المديريتين حسب معلومات “القدس العربي” من أوساط مقربة من “تحرير الشام”. وتبقى المسألة مرتبطة بالموقف الأمريكي بشكل مباشر فاستمرار “وكالة التنمية الأمريكية” بالعمل هو ما سيشجع باقي المجموعة الدولية لاستئناف دعمها ولكن بحذر كبير خصوصا وأن واشنطن تقدم ما نسبته 60 في المئة من الدعم الطبي وحدها.
المصدر: صحيفة القدس العربي