انجلى غبار المعارك ضد “الدولة الإسلامية” بسقوط الباغوز ومخيمها، لكن سر المعتقلين والمختطفين لديها لم ينجل بعد، بل لا توجد معلومات بخصوص هذه القضية الإنسانية التي تؤرق آلاف العائلات في العالم. الأسرى الذين اختطفهم التنظيم، منذ تأسيسه في العام 2014، ينتمون لشتى بقاع العالم. من شاب أميركي هزته المأساة السورية فجاء لتقديم العون، إلى فتاة سويسرية دخلت البلاد لتوزيع الادوية والمعونات في إطار عملها في الصليب الأحمر، أو مجرد ناشط محلي عمل ذات يوم في حشد وتنظيم المظاهرات المطالبة بالحرية في سوريا.
وفي إطار بحثها في القضية، تتبعت “المدن” ثلاث إشارات صدرت عن جهات حقوقية، عسكرية وأمنية، في اليومين اللذين أعقبا سقوط آخر معاقل التنظيم، بيد “قوات سوريا الديموقراطية” و”التحالف الدولي”.
شاهدوا أبناءهم على الشاشات.. ثم اختفوا
يوثق الناشط الحقوقي أ.ع، أسماء المعتقلين لدى “داعش”، ويحرص على التواجد في مناطق العمليات، طيلة الوقت للوصول إلى أي معلومة عنهم، خاصة أن أحد اشقائه مخطوف منذ العام 2014، ويتبادل يومياً رسائل في “فيسبوك” مع ذوي المعتقلين لجمع المعلومات. أ.ع أطلع “المدن” على رسائل مكتوبة وأخرى صوتية لعائلات تناشده البحث عن معتقلين بعينهم، بعدما شوهدوا في القنوات التلفزيونية، من بين الخارجين من الباغوز، لكن لم يُعثر على أثر لهم حتى الآن.
عائلة السجين السابق لدى “داعش” أحمد سهو الزبن، من بلدة غرانيج بريف ديرالزور، شاهدت صوره المنشورة في وكالات الانباء، وعرفت من عناصر في “قسد” أنه يقبع في سجن الهول في الحسكة. العائلة فشلت في الوصول إلى أحمد، حتى الآن، أو الحصول من تأكيدات من “قسد” على وجوده هناك، رغم كل مناشداتهم.
الأمر عينه ينطبق على ماهر نبو بركل، من حلب، مواليد العام 1990، الذي اعتقلته “داعش” في منبج في العام 2014. فقد شاهده ذووه في إحدى شاشات التلفزيون مع الخارجين من الباغوز، وأرسلوا صورته وهو يخضع للتفتيش من قبل عنصر في “قسد”، لكنه اختفى بعدها. فلم تعثر العائلة على أثر له حتى اليوم، رغم كل مساعيهم لدى الجهات التي استطاعوا الوصول إليها في صفوف “قسد”.
وقد أرسل الناشط الحقوقي أ.ع، هذه المعلومات مع الصور إلى قيادات محلية في “قسد”، فوعدت بمتابعة الأمر، لكنه لم يتلق أي إجابة حتى اليوم.
نعلم أن أولادنا في معتقلات “قسد”
“المدن” اطلعت على تسجيل صوتي لأم عبدالله هشام الخضر، من محافظة الرقة مواليد عام 1988، تكرر أكثر من مرة اسمه الثلاثي وتاريخ ولادته، وقد اعتقله “داعش” في العام 2015، عندما كان في طريقه لشراء الخبز. وتقول الأم إنها دفعت أموالاً لعناصر من استخبارات “قسد” وعلمت منهم أن أبنها وبعد إخراجه من سجن “داعش” نُقِلَ لسجون تابعة لـ”قسد”. رحلة الأم للبحث عن عبدالله، انتهت إلى سجن خاص لا يمكن الاقتراب منه؛ “سجن كرزيدو” بين رميلان والقامشلي، والذي تُشرف عليه القوات الاميركية، ولا يمكن السؤال عمن في داخله، في الوقت الحالي.
ووصلت لـ”المدن” رسائل صوتية ومناشدات من امرأة تبحث عن زوجها محمد هائل اليوسف مواليد 1982، الذي اختطفته “داعش” في ديرالزور العام 2016. وتقول الزوجة إن لديها معلومات مؤكدة أن زوجها يقبع اليوم في سجن المالكية، وتناشد للمطالبة بإطلاق سراحه، واثارة قضيته مع الجهات المعنية.
مصدر أمني: نتحقق من هوياتهم
مصدر في استخبارات “قسد”، رفض ذكر اسمه، قال لـ”المدن”، إن كافة المعتقلين الأحياء لدى “داعش” قد تم إطلاق سراحهم، وقد حدث ذلك على دفعات، تترواح بين بضعة أشخاص إلى أربعين شخصاً في كل مرة. وكانت تتم مقايضة شاحنات الطعام والدواء لعناصر “داعش” المُحاصرين بالإفراج عن الأسرى لديهم. وقد تم تسليم الدفعة الأخيرة، السبت 16 آذار، وتضمنت نحو مائة معتقل.
المصدر أكد لـ”المدن”، المعلومات التي تقول بأن المفرج عنهم لم يطلق سراحهم فورا، وعزا ذلك إلى ضرورة التحقق من شخصياتهم، فمعظمهم لا يحمل وثائق شخصية، وقد يكون “داعش” قد دسّ بينهم بعض أعضائه وقياداته لتهريبهم تحت عنوان معتقل. المصدر أضاف أنه مع انتهاء العمليات العسكرية، ستتم دراسة الملفات الأمنية الكبيرة المتراكمة، وحلّ جميع الإشكاليات المتعلقة بها.
الأميركيون ينقبون!
مصدر ميداني متابع للحدث عن كثب في الباغوز، قال لـ”المدن”، إن منطقة مخيم الباغوز أصبحت مخيماً أميركياً منذ الساعات الأولى لتحريره. وقد دخلت قوات أميركية، مع شاحنات كبيرة، وضربت طوقاً عسكرياً حول المكان. وبدأت عمليات حفر وتنقيب مجهولة الهدف.
مصدر “المدن” رجّح أن يكون من بين تلك الأعمال، اجراء اختبارات DNA على بعض الجثث، في مختبرات ميدانية، أو جمع عينات من الجثث. والهدف من ذلك الوصول لعدد من الاسرى الغربيين، الذين رفض “داعش” تسليمهم حتى اللحظة الأخيرة، واصر على ربط نجاتهم بنقل ما تبقى من عناصره إلى منطقة أخرى، وهذا لم تقبل به القيادة الاميركية.
ويعتقد المصدر أن عدداً كبيراً من المعتقلين قد قتلوا بالفعل في العمليات الأخيرة، خاصة ممن لهم وضع خاص؛ من جنسيات غربية، أو مشهورين. المصدر أشار أيضاً إلى أن التنظيم ربما استخدم بعض السجناء في القتال، فهؤلاء معزولون عن العالم منذ سنوات، وهم مجبرون على التظاهر بالولاء لـ”الدولة الإسلامية” و”الخليفة” المزعزم، واذا ما دعاهم إلى القتال فلن يكون بإمكانهم الرفض. وهذا ما يدعو للاعتقاد أيضاً بأن جزءاً منهم ربما يكون قد قتل اثناء قتالهم على جبهات لا يعلمون شيئاً عن الطرف الآخر فيها سوى أنهم “الكفار”، كما يفهم أعضاء تنظيم “داعش”.
إخفاء المعلومات للتنصل من المسؤولية؟
بعض المُفرج عنهم أكدوا وجود مئات المعتقلين، منهم عاني الموسى من ريف ديرالزور، الذي نشرت صحيفة التايمز البريطانية مقابلة مطولة معه، حول ظروف اعتقاله ومشاهداته. الموسى، قال لـ”المدن”، إنه التقى في المهاجع التي سجن فيها نحو 50 شخصاً، اعطى أسماء معظمهم، لكن لم يكن أي منهم من بين المطلق سراحهم.
المعلومة الأخطر، قالها لـ”المدن”، شخص هرب من سجن في الباغوز، بمساعدة عنصر في “داعش” من قبيلته، ألقاه خارجاً بذريعة أنه ميت. وتابع الرجل الهارب طريقه في الظلام إلى خارج منطقة سيطرة “داعش”، وقد رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية، وقال لـ”المدن”: “في المراحل الأخيرة من عمر التنظيم، كنا نساق كقطعان الأغنام، مكبلي الأيدي، ومشياً على الاقدام، من قرية إلى أخرى في وضح النهار”، وتابع: “في احدى المرات شاهدنا طائرة من دون طيار (درونز) تحوم حولنا، ولم يمنعنا عناصر التنظيم الذين يسوقوننا من النظر إليها، وفهمنا من كلامهم أنها طائرة أميركية، وأنهم لا يمانعون في ان يعرف الأميركيون أننا معتقلون، بما في ذلك عددنا وهوياتنا”. فالتنظيم كان يستخدم الأسرى لديه “كدروع بشرية”.
وأضاف المصدر: “لا بد أن الاستخبارات الدولية لديها معلومات وصور كافية لنا جميعاً، لكنهم لم يعلنوا، ولن يعلنوا ما لديهم، للتنصل من أي مسؤولية مستقبلية محتملة عليهم”، في حال قتل العدد الأكبر منا أثناء المعارك.