جسر:متابعات:
لايوفر النظام باباً من أبواب جباية الأموال التي تزيد في إفقار السوريين إلا وطرَقها ولعل أهمها فرض ضريبة إعادة الإعمار على إنفاق السوريين الاستهلاكي الذي وصل عام 2018 إلى 9 تريليون ليرة سورية، حيث بدأت رحلة ضريبة إعادة الإعمار البالغة خمسة بالمئة مع المادة /1/ من القانون رقم /13/ تاريخ 2/7/2013 ثم تم تمديده بالمرسوم التشريعي رقم /3/ تاريخ 18/1/2016 ، ثم صدر قانون 46 في 7/12/2017 لتصبح (10%) فقط عشرة بالمئة بدل 5 بالمئة، وتشمل النسبة المضافة العديد من الضرائب والرسوم المباشرة، كضريبة ريع العقارات، ضريبة دخل المهن والحرف الصناعية والتجارية وغير التجارية، ضريبة ريع رؤوس الأموال المتداولة، ضريبة العرصات ورسم الفراغ والانتقال والتسجيل العقاري، رسم رخص حيازة السلاح، رسم الري ورسم الخروج، رسوم السيارات، وغيرها من الرسوم المباشرة.
أما بالنسبة لغير المباشرة، فتشمل العديد من الرسوم كرسم كتّاب العدل والرسوم القضائية، رسم الإنفاق الاستهلاكي ورسم الطابع، رسم الصيد البري والبحري، رسم حصر التبغ، رسوم التجارة الخارجية، حصيلة حماية الملكية التجارية والصناعية، ضريبة المواد المشتعلة، رسوم جمركية، رسوم الإحصاء، رسوم المعادن والمقالع، والرسوم القنصلية وغيرها.
حجم المبالغ التي خصصها النظام من الموازنة لأجل إعادة الإعمار والبالغة تقريباً 50 مليار ليرة سورية سنويا منذ إصدار القانون 13 لعام 2013 وعلى مدى ثماني سنوات تقدر بحوالي 400 مليار ليرة سورية، إضافة لرسوم 5 بالمئة على الاتفاق الاستهلاكي والدخل المتاح للمواطن السوري حسب الأرقام الرسمية لمدة أربع سنوات.
بمعنى لو أنه فعلا حصّل 5 بالمئة من صافي الإنفاق الاستهلاكي البالغ 2.8 تريليون ليرة سورية عام 2013، واستمر بذلك حتى 2017، ثم رفع النسبة إلى 10 بالمئة منذ 2017 عند ذلك يقدر مجموع ماحصّله النظام على مدى ستة سنوات من ضريبة إعادة الإعمار 2.7 تريليون ليرة سورية مابين عامي 2013 و 2018، ولو أخذنا بعين الاعتبار سعر الدولار الذي تراوح مابين 300 ليرة إلى 1000 ليرة خلال تلك الإعوام فإن النظام جمع مايقارب 5 مليار دولار خلال ستة سنوات فقط من أجل إعادة الإعمار دون أن يكلف نفسه إعطاءها للاجئين والنازحين كي يعيدوا إعمار بيوتهم رغم أنها من جيوبهم!
لا توجد مشاريع حقيقية لإعادة إعمار المناطق التي قُصفت، والتي تم تهجير أهلها قسرياً، ونظراً لانعدام الشفافية واستشراء الفساد في الحكومات السورية المتعاقبة منذ خمسة عقود فإنه يصعب معرفة مصير هذه الأموال الطائلة التي حصّلها النظام من السوريين باسم إعادة الإعمار.
كل تلك الأموال جمعها من السوريين والتي خصصها من الموازنات بينما ما زال أكثر من عشرة ملايين سوري خارج منازلهم، وما زالت كل البنى التحتية تعاني مشكلات بنيوية حيث ما زالت الكهرباء والمياه تقطع بشكل كبير جداً فضلا عن الخدمات الأخرى وشحّ الوقود! فضلاً عن عدم توفر السلع الرئيسية بشكل جيد إضافة للخدمات السيئة المقدمة لمن تبقى من مواطنين سوريين يعيش 90 بالمئة منهم تحت خط الفقر وأكثر من 80 بالمئة منهم عاطلين عن العمل رغم سيطرة النظام بدعم من حلفائه بالسيطرة على أكثر من 60 بالمئة من الأرض السورية منذ 2015.
الأنكى من ذلك أنه تم رصد 31 مليار ليرة كمخصصات لإعادة توطين اللاجئين السوريين في موازنة 2020 ولم يعد إلى بيته من السوريين إلا بضعة آلاف، وعلى الأغلب لم يصل إلى واحد منهم مبلغ 1000 ليرة سورية من وزارة المالية من الأموال المخصصة لإعادته لبيته، لأن مصير مليارات الدولارات توضع في خدمة الآلة العسكرية وما تبقى منها تذهب في قنوات الفساد والنزر اليسير منها يبقى لبضعة مشاريع صغيرة لذر الرماد في العيون للاستهلاك الإعلامي.
سياسات “إعادة الإعمار” تجلّت في المرسوم التشريعي رقم 66 الذي دخل حيّز التنفيذ في أيلول/سبتمبر من العام 2012 حيث يسمح لمحافظة دمشق بطرد السكان من منطقتين كبريين في العاصمة هما بساتين الرازي في المزة وكفرسوسة، من أجل تطوير مشروع عقاري فخم يُدعى ماروتا سيتي، ولم يكتف النظام بهاتين المنطقتين.
بدأت سياسة الاستيلاء على أملاك السوريين بكل وقاحة منذ عام 2012 مع القانون الرقم 63 الذي يُمكّن وزارة المالية من حجز أصول وأملاك من يخضعون إلى القانون الرقم 19، وهو قانون لمكافحة الإرهاب تمّ إقراره في العام نفسه، وقامت وزارة المالية بحجز أكثر من 30 ألف عقار في العام 2016، وتقريباً 40 ألف عملية حجز احتياطي في العام 2017.
لم يكتف النظام بذلك، بل منح القانون الرقم 3 من العام 2018 الحكومة مجالاً لتحديد ما اعتُبر أملاكاً متضرّرة، والقانون رقم 10 الذي صدر في 2 من نيسان/إبريل 2018 والذي بمقتضاه بإمكان الحكومة إنشاء مناطق تنظيمية في جميع أنحاء سوريا، مخصصة “لإعادة الإعمار”، حيث تقوم السلطات المحلية طلب قائمة بأصحاب العقارات من الهيئات العقارية الحكومية العاملة في تلك المنطقة وخلال 45 يوما على الهيئات تقديم القوائم وفي حال عدم ظهور ممتلكات مالكي المنطقة في القائمة – وهذا ماسيكون على الأرجح ضمن ظرف وجود نصف سكان سوريا خارج بيوتهم المهدمة والمنهوبة- بعد 30 يوما لن يتم تعويضهم وستعود ملكية العقار إلى الحكومة، مما يتيح للنظام السوري هدم وإزالة أحياء بكاملها وبشكل “قانوني”، والذي سيكون معه مستحيل عودة النازحين واللاجئين لبيوتهم.
إن تريليونات الليرات السورية التي جمعها النظام من السوريين من أجل إعادة الإعمار تُسخَّر من أجل إزالة مناطق والاستيلاء على أملاك السوريين ومنعهم من العودة، بل إضافة رسم 100 دولار لدخولهم وطنهم فضلاً عن فحوصات “كورونا” وإقامات حيث ترتفع التكاليف لحوالي 400 دولار، إضافة لقوننة عملية السرقة عن طريق أكثر من خمسين قانوناً في مسائل الإسكان والأراضي والأملاك منذ عام 2011.
ما لم يتضمن الحل السياسي مراجعة أو إبطال القوانين والمراسيم التي سنّها النظام منذ مارس عام 2011 فإن السوريين سيجدون أنفسهم ملزَمين بحلّ سياسي سَلَبهم ثرواتهم الوطنية، وفوقها أملاكهم وثرواتهم وتاريخهم ومستقبلهم ومستقبل أطفالهم، وبذلك يعودوا لدولة مفلسة تُطبَق فيها قوانين ظالمة يصعب إزالتها إلتزاماً ب”حل سياسي” ظالم، لايعنيه استمرار عذاباتهم وعذابات أطفالهم.
المصدر:موقع تلفزيون سوريا