إياد الجعفري
كحال المحروقات، التي ارتفعت أسعارها الرسمية، بنسبة 80%، رغم دخول 23 صهريج وقود كإغاثة من العراق لدعم المتضررين من الزلزال، وكحال أسعار المواد الغذائية التي ارتفعت بنسبة 20% على الأقل، رغم وصول 150 طائرة إغاثة إلى مطارات دمشق وحلب واللاذقية، كذلك اختفى أثر الحوالات الخارجية الاستثنائية التي هرع السوريون في الخارج لتمريرها إلى أهاليهم في الداخل، ولم يستمر ذاك الأثر أكثر من ثلاثة أيام، رغم تعليق جانبٍ من العقوبات الأمريكية الذي يطاول الحوالات تحديداً، ليعود سعر صرف الليرة السورية إلى مستوياته التي كان عندها، قبل الزلزال.
وإذا كان من المتاح تفهّم امتصاص السوق السورية العطشى للـ 720 ألف ليتر وقود، التي أدخلها العراق، نظراً لأنها لا تغطي حاجة البلاد، لأكثر من أربعة أيام –(الحاجة اليومية تتجاوز 180 ألف برميل في مناطق سيطرة النظام)، إلا أنه من غير المفهوم، لماذا اختارت حكومة النظام هذا التوقيت بالذات، كي تقرر توحيد أسعار بيع المشتقات النفطية باختلاف مصادرها، بما أدى إلى رفعها، فيما تُلمّ الفاجعة بشريحة واسعة من السوريين. التبرير الرسمي كان منع الإتجار بالمادة في السوق المحلية، نتيجة اختلاف الأسعار. لكن المصادر الرسمية لم تُفسّر سرّ التوقيت الذي اختارته لتنفيذ إجرائها هذا، رغم أن ظاهرة الإتجار بالمادة نتيجة اختلاف الأسعار، تعود لأشهر سابقة.
أما في حالة ارتفاع أسعار السلع الغذائية، فاتسع “الفتق” على قدرة الترقيع الرسمي، الذي أنكر الارتفاع من أصله. وفيما استلمت سلطات النظام أطناناً من المساعدات، يغلب عليها المكوّن الغذائي، ارتفعت الأسعار بصورة غير مفهومة في الأسواق. وفيما ألقى بعض المحللين الموالين المسؤولية على كاهل التجار “الجشعين”، ألقاها آخرون على زيادة الطلب على الغذائيات نتيجة لجهود الإغاثة وإعانة المتضررين، من دون أن يأخذ هؤلاء أطنان الغذائيات القادمة من الخارج، بعين الاعتبار.
وانسحب الحال نفسه على سعر الصرف، الذي شكّل لغزاً أكثر تعقيداً بالنسبة للكثيرين. فبعد أن هوى الدولار أكثر من 650 ليرة، إثر رفع جانب من العقوبات الأمريكية، عاد ليرتفع بصورة دراماتيكية. وأرجع أحد التفسيرات ذلك، إلى أن الإعفاء من العقوبات الأمريكية لم ينعكس على إجراءات البنوك وشركات تحويل الأموال العالمية، التي بقيت تتحوط من العقوبات، نظراً لأن الإعفاء قصير الأمد، وغير واضح بشكل كافٍ، كي تطمئن تلك المؤسسات الى أنها لن تتعرض للمساءلة لاحقاً بتهمة استغلال الإعفاء لدعم كيانات مُعاقبة.
لكن هذا التفسير تجاهل تماماً، أن قنوات التحويل إلى سوريا، قبل الإعفاء الأخير، وحتى قبل الزلزال، كانت قادرة على رفع حجم الحوالات الداخلة إلى البلاد، في مناسبات، مثل رمضان وعيدَي الفطر والأضحى، إذ كانت الحوالات الداخلية تتضاعف، ولم يكن هناك أي عوائق تمنع زيادة حجم تلك الحوالات. وكان ذلك ينعكس على سعر الصرف، بصورة أطول زمنياً، من تلك التي حدثت بعيد كارثة الزلزال، مما يطرح تساؤلات حول مصير الحوالات الاستثنائية المُضاعفة التي أرسلها السوريون في الأيام القليلة الفائتة.
أحد أبرز التفسيرات التي يمكن الحصول عليها من عاملين في قطاع الصرافة السوري، أن سوق العملة امتصت دفق القطع الأجنبي الذي حصل، نظراً للحاجة الماسة التي كانت تعانيها هذه السوق، سابقاً. لذا كان أثر الزيادة في حجم الحوالات محدوداً للغاية. ويمكن أن يقول لك أحد الصرّافين، عن سرّ ما حدث من انهيار كبير للدولار، قبل أسبوع، أنه كان لعبة لجني الأرباح، إذ تم تخفيض الدولار من جانب الصرّافين لشراء دولار الحوالات من مُستلميها، بسعر منخفض، قبل رفع الدولار مجدداً. وقد يخبرك صرّاف آخر، أن شركات ومكاتب الصرافة المقرّبة من النظام، من أبرز المساهمين في تلك اللعبة. ويصعب إيجاد دلائل تدعم دقة هذا التفسير.
تفسير آخر، ربط ما حدث بارتفاع الدولار الكبير في لبنان. وتحدث محللون عن التوجه نحو الأسواق السورية لتلبية الطلب على الدولار في لبنان.
لكن مصادر الإعلام الموالي ذاتها، تقدم رواية مختلفة، على لسان التجار. إذ لم ينعكس ازدياد حجم القطع الأجنبي الداخل إلى البلاد، على دولار “تمويل المستوردات”. بل ارتفع الأخير، حسب عضو في مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، ليصبح ما بين 7200 و7350 ليرة سورية.
ولتوضيح معنى ذلك، تجب الإشارة إلى أن مصرف سورية المركزي التابع للنظام، يستفيد من الدولار المتأتي من الحوالات في تمويل المستوردين، من خلال شركات ومكاتب الصرافة التي تُسلّم الحوالات لأصحابها بالليرة، وتعطي الدولار للمستوردين، بموجب آلية مقررة من المركزي. وحينما لا تعطي شركات الصرافة المستوردين ما يكفي من قطع أجنبي لتمويل صفقاتهم الخارجية، يضطرون للجوء إلى السوق السوداء، مما يخلق طلباً على الدولار، يؤدي إلى ارتفاعه.
هذه المعادلة، تكررت حتى بعيد الزلزال، ومع حجم حوالات أكبر بكثير من المعتاد. وفي ظروف، في أقل التقديرات، تشابه مواسم رمضان والأعياد. أي كان من المفترض أن ينعكس الدولار القادم من الخارج، على تمويل المستوردات، وهو ما لم يحدث. مما يدفع للتساؤل: هل رمّم المركزي خزينته من القطع الأجنبي على حساب المتضررين من الزلزال في سوريا؟
المصدر: المدن