عقيل حسين-جسر:
أعرف مدى الإرهاق واليأس الذين ينتابان السوريين في كل مكان، في المنافي ودول اللجوء بقدر ما هو عليه الأمر في الداخل، بعد كل هذه السنوات من التظاهر والتضحيات والنضال والفعاليات والمناشدات المطالبة بفعل شيئ حقيقي لوضع حد للمأساة السورية.
كما أدرك تماماً حالة التشظي والانقسام وعدم الثقة بين السوريين أنفسهم، في الداخل كما هو في الخارج، وتجذر التشكيك بينهم، وسيطرة لغة الاتهام والتخوين تجاه أي فعل أو مبادرة يقوم به أحد أو جماعة من السوريين، ما أدى إلى امتناع الكثيرين عن المبادرة.
لكن كل هذا لا يزيد من حالة السوريين إلا تعاسة، وخاصة اللاجئين منهم، ويخطأ من يعتقد من اللاجئين السوريين المقيمين في أوربا أنهم أصبحوا بأمان، ولذا فإن عليهم جميعاً التحرك لإنقاذ أنفسهم قبل غيرهم من مأساة أخرى.
بالأمس فقط كنا أمام ثلاثة تصريحات خطيرة تستهدف اللاجئين السوريين وتحرض من أجل عودتهم أو إجبارهم على العودة إلى سورية، بحجة انتفاء أسباب لجوئهم، وهو مؤشر خطير لا يجب التقليل منه.
وزير خارجية لبنان جبران باسيل جدد، ومن ألمانيا هذه المرة، التحريض على اللاجئين السوريين، فأكد خلال لقائه نظيره الألماني أن على ألمانيا المساعدة في عودة السوريين إلى بلادهم، وأدعى أن الكثير منهم يريد بالفعل ذلك إلا أن هناك من يخوفهم وربما يمنعهم !
يأتي ذلك في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه ألمانيا استعدادها لاستقبال نصف اللاجئين الجدد الذين وصلوا إلى اليونان خلال الأيام الأخيرة الماضية.
أي أن باسيل باختصار يريد أن يحرض على الحكومة الألمانية في ألمانيا ذاتها، وقد تلقفت تصريحاته بالفعل وسائل إعلام اليمين الألماني المتطرف، وتداولها بكثافة أنصار هذا التيار على وسائل التواصل الاجتماعي.
لم يكتف باسيل بالتحريض على اللاجئين السوريين في لبنان، والمطالبة بإعادتهم إلى (سوريا الأسد) بعد أن ادعى أنه لم يتم تسجيل أي حالة انتهاك بحق العائدين إلى سوريا، بل يريد باختصار انهاء ملف اللجوء السوري برمته.
في اليوم نفسه خرج رئيس وزراء التشيك، المعروف على كل حال بعدائه للاجئين، وخاصة المسلمين منهم، خرج ليؤكد مجدداً على أن التشيك لن تستقبل المزيد من اللاجئين (!!) علماً ان هذه الدولة تعتبر من المصدرين لللاجئين الاقتصاديين أصلاً، وشخصياً أعرف في المدينة التي أعيش بها في فرنسا حالياً العديد من التشكيين الحاصلين على اللجوء هنا لأسباب اقتصادية !
من يمكن أن يرغب بأن يكون لاجئاً في التشيك ؟!
بالتأكيد لا أحد، وبالتأكيد فإن رئيس وزراء هذا البلد يعرف ذلك، إلا أنه، وباعتباره من الداعمين لروسيا، وبالتالي للنظام، فإنه يؤدي دوراً مرسوماً على ما يبدو، ضمن خطة إنهاء ملف اللاجئين السوريين.
وعلى ذكر روسيا، فقد صرح اثنان من مسؤوليها بالأمس أيضاً عن أن الأمم المتحدة، وبالتعاون مع موسكو، وضعت خطة لإغلاق مخيم الركبان جنوب سوريا نهاية الشهر الحالي.
لم يقل الروس أين سيذهب آلاف النازحين المقيمين في هذا المخيم البائس هرباً من بطش نظام الأسد، فهذا لا يعنيهم، وما يعنيهم فقط أن ينتهي هذا الملف بأسرع وقت ممكن، للتأكيد على الرواية الروسية التي تقول إن الحرب في سوريا انتهت !
مما سبق يتبين أن هناك خطة روسية مدعومة من حلفائها داخل وخارج أوربا للضغط على الحكومات الغربية ودول جوار سوريا من أجل إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بالإكراه!.
يعتقد الكثير من السوريين في أوربا، إن لم يكن كلهم، أنه بحصولهم على الأوراق الرسمية فإنهم بذلك أصبحوا بمأمن كامل، وهو اعتقاد صحيح من حيث المبدأ، إلا أنه عملياً، وفي ظل صعود اليمين المتطرف والضغط الروسي وغير الروسي، فإن احتمالية الدفع نحو إعادة النظر بوضعهم في دول اللجوء تبقى واردة.
يتطلب هذا تحركاً من قبل اللاجئين السوريين ذاتهم، والبدأ بتنظيم أنفسهم في مؤسسات تتولى مهمة الدفاع عن قضيتهم ومواجهة التحريض عليهم، وشرح حقيقة الأوضاع في بلادهم، وتعرية الإداعاءات الروسية وغير الروسية التي تستهدفهم.
على السوريين في كل مكان التعالي عن الحساسيات الشخصية والخلافات البينية والسياسية والفكرية، والعمل بجد هذه المرة من أجل مستقبلهم ومستقبل أولادهم في مواطنهم الجديدة، إذا ما كانوا قد يأسوا من العودة إلى وطنهم الأول، أو من أجل عودة آمنة لهم إلى سوريا يوماً ما، إذا أرادوا ذلك، وألا يتركوا هذا المصير معلقاً بيد غيرهم.
يمتلك السوريون، وخاصة في أوربا، العديد من الخيارات بهذا الخصوص، أولها وأهمها التحرك في مظاهرات وتنفيذ أنشطة تؤكد على أنهم يريدون العودة إلى بلادهم بالفعل، إلا أن ما يمنعهم من ذلك هو بقاء نظام الأسد الذي كان وما يزال السبب الأول والرئيس في تدمير منازلهم وتهجيرهم، والتأكيد على المخاطر التي تنتظرهم في حال عودتهم مع بقاء هذا النظام .. والأهم من كل ذلك، أن يفهم الجميع أنه طالما بقي هذا النظام فلا عودة للاجئين إلى سوريا.