جسر: صحافة:
عقدت قبيلة البكارة العربية مؤتمرها الأول في إدلب الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام شمال غربي سوريا، وأعلنت عن تأسيس مجلس شورى يمثل القبيلة ويجمع شتات عشائرها.
ويُعتبر المجلس المعلن عن تأسيسه في إدلب، انقساماً جديداً لقبيلة البكارة صاحبة الولاءات المتعددة بحكم الانتشار الواسع لعشائرها على كامل الجغرافية السورية، ويمثل الإعلان دخولاً أكثر جدية لتحرير الشام في التنافس على استقطاب القبائل والعشائر العربية التي أولتها مختلف القوى في سوريا أهمية كبيرة خلال السنوات الماضية لدعم سلطتها والاستفادة منها في عمليات التجنيد.
وقال مصدر من قبيلة البكارة في إدلب ل”المدن”، إن “تحرير الشام هي من رعت مؤتمر قبيلة البكارة، وحضره ممثلون عن تحرير الشام ومجلس الصلح وحكومة الإنقاذ وعدد من المشايخ والوجهاء في مجلس القبائل والعشائر العربية، وقد انتخب مؤتمر القبيلة الشيخ يوسف عربش لزعامة مجلس الشورى إلى جانب نائبين له، هما أسعد عيسى الشيخ وأسعد العلي”.
وتضم صفوف تحرير الشام عدداً كبيراً من العناصر المنحدرين من عشائر قبيلة البكارة المنتشرة بشكل أكبر في حلب وإدلب وحماة، ويبرز من بينهم اسم جهاد عيسى الشيخ المقرب من زعيم تحرير الشام أبو محمد الجولاني، وهو عضو في مكتب العلاقات التابع لتحرير الشام ويمسك ملف التواصل بين فصائل المعارضة وتحرير الشام.
تضم قبيلة البكارة في سوريا 29 عشيرة منتشرة في محافظات حلب وإدلب وحماة وحمص والرقة ودير الزور والحسكة وبشكل أقل في محافظات أخرى.
واستمال النظام السوري في وقت مبكر من عمر الثورة السورية قسماً كبيراً من أبناء قبيلة البكارة، وأيدت عشائر أخرى في القبيلة فصائل المعارضة السورية، وفي ما بعد تحالفَ بعض عشائرها مع قوات سوريا الديموقراطية شمال شرقي سوريا، ومؤخراً حازت تحرير الشام على ولاء قسم من عشائر القبيلة.
وبرغم انقسام القبيلة في ولائها لقوى متعددة إلا أن البكارة الموالين للنظام بقوا الجناح الأكثر فعالية من ناحية الانخراط الفعلي في المعارك الى جانب قوات النظام، فقد شهدت حلب نهاية 2012 تأسيس لواء الباقر، وهو أول مليشيا عشائرية كامل عناصرها من البكارة وبزعامة خالد المرعي، ومع بداية العام 2013 حظي اللواء بدعم إيراني ما سهّل توسعه نحو مناطق ريف الرقة ودير الزور، وزاد نفوذ البكارة الموالين للنظام بعد عودة الشيخ نواف البشير منشقاً عن المعارضة في العام 2017.
ويبدو أن إيران تعول كثيراً على دعم المليشيات العشائرية في سوريا لتعزيز نفوذها العسكري والثقافي والديني، ويتصدر لواء الباقر قائمة المليشيات الأكثر دعماً، وبدا ذلك واضحاً من زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف بداية شهر آب/أغسطس إلى حلب، والتي التقى خلالها بزعيم لواء الباقر خالد المرعي، ويبدو أن اللقاء انعكس بشكل واضح على أداء المليشيا من ناحية الرعاية غير المسبوقة لشعائر عاشوراء في حلب، والتي تدل على أن المليشيا حصلت على دعم كبير بالإضافة إلى المزيد من التعليمات الإيرانية وخطة عمل مفترضة لتوسيع النفوذ الإيراني في مختلف القطاعات.
ويرى الباحث في مركز جسور للدراسات أنس شواخ أن “واقع الانقسام وتعدد الولاءات ضمن قبيلة البكارة ليس حالة خاصة بهذه القبيلة فقط، بل هي حالة عامة لدى معظم القبائل والعشائر، لكن يعود سبب ظهورها بشكل واضح في هذه القبيلة بسبب عدد أبنائها الكبير وانتشارها الواسع”.
ويضيف ل”المدن”، أن “الظهور المبكر للانقسام في صفوف قبيلة البكارة يرجع أيضاً إلى متغيرات عديدة، مثالها عودة نواف راغب البشير إلى حضن النظام، وعمله الدؤوب والمتواصل منذ ذلك الوقت لزيادة الاستقطاب في القبيلة والاستثمار فيها لتحقيق مكاسب شخصية له ومكاسب لداعمه الإيراني، عن طريق مساهمته الكبيرة في تجنيد أبناء قبيلته ضمن صفوف الميليشيات الإيرانية ونشر التشيع بينهم وخاصة في مدينة حلب وريف دير الزور الشرقي في البو كمال ومناطق أخرى”.
ويشير شواخ إلى أن “العوامل التي أدت إلى الانقسام داخل القبائل السورية بشكل عام، وقبيلة البكارة تحديداً، هو أن هذه القبائل أو العشائر وخاصة الكبيرة منها هي كيانات سياسية واجتماعية قائمة بحد ذاتها”. وأوضح أنه “خلال فترة الحرب السورية وجدت القبيلة نفسها مضطرة للعمل بشيء من البراغماتية لضمان وجودها ومصالح أبنائها في كل منطقة من مناطق السيطرة، فانقسمت هذه القبائل على نفسها وأصبح نظام الحكم والإدارة فيها لامركزياً أكثر من ذي قبل، وأصبح للقبيلة نفسها ثلاثة أو أربعة شيوخ”.
ويضيف “لا ننسى أيضاً العمل المستمر والحثيث من جميع القوى المسيطرة على الاستثمار في ملف العشائر والاستفادة منها لتكوين حوامل اجتماعية وخزانات بشرية للتجنيد من خلال طرق عدة”.
المصدر: المدن