جسر: تقارير:
تباينت القراءات للتطورات الميدانية في منطقة خفض التصعيد الرابعة، شمال غرب سوريا مؤخراً، مع بروز معطيات متناقضة يشير بعضها إلى حرب جديدة قادمة تنهي اتفاق الهدنة المطبق هناك، بينما تشير مؤشراتها الآخرى إلى أنها مجرد ضغوط يمارسها النظام وحلفاؤه ضد المعارضة على أبواب استحقاقين سياسيين قادمين، هما اجتماع اللجنة الدستورية الثالث، ولقاء قمة الدول الراعية لمسار أستانة، تركيا وروسيا وإيران.
وشهدت الساعات الثماني والأربعين الماضية تطورات عسكرية لافتة، تمثلت باسقاط قوات المعارضة أربع طائرات روسية مسيّرة، الأمر الذي يزعج موسكو بطبيعة الحال، خاصة وأن قواتها كانت قد عادت للتو إلى المشاركة في الدوريات العسكرية المشتركة مع الجانب التركي على الطرق الدولية في ريف إدلب، بعد انقطاع احتجاجي قالت إنه “بسبب عدم معالجة تركيا ملف الجماعات الارهابية في إدلب، واستمرار الخروق من طرف هذه الجماعات لاتفاق وقف النار المطبق هناك”.
طبول الحرب
لكن تعرض الدورية الأخيرة لهجوم بعبوة ناسفة أدى لأضرار في إحدى العربات التركية، شكل تطوراً يصب في مصلحة الروس، الذين باتوا أكثر ميلاً إلى إطلاق معركة جديدة في إدلب، وهو ما يتفق ورغبة كل من النظام وإيران التي كانت تقاومها موسكو طيلة الأشهر الخمسة الماضية، للحفاظ على اتفاقها مع أنقرة.
لكن مع الإحراج المستمر الذي تتعرض له موسكو على الصعيد السياسي من قبل كل من المعارضة وتركيا، بعد الخطوات الناجحة التي قطعتها أنقرة في ما يخص ملف “جبهة النصرة” والتزام المعارضة ببرنامج عمل اللجنة الدستورية المقرر من قبل المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسن، مقابل استمرار النظام بالمماطلة وتعاطيه السلبي مع هذا الملف، تجد روسيا نفسها مضطرة ربما لاتخاذ أي ذريعة من أجل تفجير الأوضاع في إدلب.
واقع يرى فيه المحلل السياسي وعضو الائتلاف الوطني السوري المعارض زكريا ملاحفجي في حديث ل”المدن”، مؤشرات حرب واضحة يتم التحضير لها في إدلب، متوقعاً أن تكون المعركة هذه المرة حاسمة هناك.
ويضيف أنه “على الرغم من أن الجانب التركي وضع اللمسات الأخيرة على إعادة هيكلة جبه النصرة،”هيئة تحرير الشام”، بما ينسجم واتفاق وقف النار المطبق في إدلب، وما سبقه من تفاهمات في سوتشي وأستانة، إلا أن الحشود الكبيرة التي استقدمها النظام إلى ريف إدلب، والتصريحات والمواقف الروسية الأخيرة حول التطورات هناك، تشير وبقوة إلى أن النظام وحلفاءه قد حسموا خيارهم باتجاه الحرب.
وكانت فصائل “الجبهة الوطنية للتحرير” قد أنهت مع الهيئة الترتيبات التي بدأت العمل عليها منذ أربعة أشهر، من أجل إعادة هيكلة القوى العسكرية للجانبين، لكن ما سبق لم يكن كافياً من وجهة نظر ملاحفجي لسحب الذريعة من الروس “الذين يبدون أكثر إصراراً في الوقت الحالي على إشعال معركة جديدة لن تقتصر على إدلب” كما يرى، “بل ستمتد لتشمل ريف حلب الشرقي، الذي بدأ النظام كذلك بإرسال تعزيزات وحشود عسكرية إليه، وخاصة على حدود مدينة الباب”.
معركة معقدة
بالمقابل يرى آخرون أن كل المعطيات السابقة التي تشير وبقوة إلى التوجه نحو الحرب ليست كافية للجزم بذلك، مع وجود معطيات مقابلة ترجح خيار الحفاظ على التهدئة في منطقة إدلب، أو على الأقل تفرض على النظام وحلفائه تجنب إطلاق معركة جديدة هناك.
ويستند أصحاب هذا الرأي إلى التعزيزات العسكرية المكثفة التي زجّت بها تركيا مؤخراً في إدلب، والتي كان آخرها دخول ستة أرتال عسكرية الثلاثاء، وهي تعزيزات وصفت بالأكبر التي تدخل في يوم واحد، الأمر الذي قد يشكل عامل ردع قوي لخطط الطرف الآخر وتوجهاته.
التعزيزات هذه تجعل من أي معركة قادمة يفكر النظام وحلفاؤه بشنها ضد المعارضة معركة ضد الجيش التركي نفسه، الذي بات عدد أفراده المتواجدين حالياً في سوريا يناهز الثلاثين ألفاً، منتشرين على 66 قاعدة ونقطة مراقبة في إدلب وريفي حماة واللاذقية.
كما عملت أنقرة خلال الأشهر الماضية على نشر مضادات دفاع جوي قصيرة ومتوسطة المدى، بالإضافة إلى تزويد فصائل المعارضة بالأسلحة والعتاد، وخاصة مضادات الدبابات والدروع، بهدف التصدي لأي هجوم بري يمكن أن تشنه قوات النظام والميليشيات الداعمة لها، مستفيدة من المعركة الأخيرة في إدلب التي جرت في شباط/فبراير الماضي، ومنيت خلالها فصائل المعارضة بخسائر كبيرة نتيجة فوارق التسليح مع قوات النظام، قبل تدخل الجيش التركي المباشر في المعركة، وهو الخلل الذي تعمل أنقرة على معالجته.
وبغض النظر عن النوايا والتوجهات، فإن “الجيش الوطني” و”الجبهة الوطنية للتحرير” يستعدان بشكل متواصل لمواجهة أي هجوم جديد يمكن أن تشنه قوات النظام وحلفاؤها في منطقة إدلب، كما يقول المتحدث باسم “الجبهة” النقيب ناجي مصطفى.
ورداً على سؤال ل”المدن” حول تقديراتهم للأوضاع الحالية ومؤشراتها يقول مصطفى: “نفّذ النظام في الفترة الأخيرة محاولات تسلل فاشلة على عدد من المحاور والجبهات، كما استمر باستقدام تعزيزات لقواته في المتطقة، وإذا ما أضفنا إليها الخروق المتكررة من قبل قواته والقصف المستمر الذي ينفذه، فإننا أمام معطيات تثير الشك، خاصة مع محاولات التنصل الواضحة للروس من اتفاق وقف النار، والذرائع المتكررة التي يركزون عليها مؤخراً، لكننا مستعدون من ناحيتنا لكل السيناريهوات وقواتنا جاهزة للتصدي لأي هجوم”.
مع اختلاط المعطيات وتشابكها، إلا أن الواضح بين كل الخيوط أن كلا الطرفين يحاول تحسين شروط التفاوض السياسي من خلال تحسين موقعه الميداني، قبل التوجه إلى اجتماعات اللجنة الدستورية والقمة الثلاثية لرعاة مسار أستانة.
رغم أن مؤشرات الحرب تبقى أقوى في إدلب بناء على المعطيات الميدانية اليوم، إلا أن عامل الردع الذي توفرها التعزيزات العسكرية التركية لقواتها وقوات المعارضة، يمكن أن يكون عاملاً حاسماً في الحفاظ على الهدنة المطبقة هناك، إلا أنه وبكل الأحوال فإن تطورات العلاقة بين الدول المؤثرة في الصراع السوري وتوجهات هذه الدول تبقى العامل الأقوى في تحديد خيارات الحرب والسلام شمال غرب سوريا.
المدن ٢٠ آب/ اغسطس ٢٠٢٠