جسر: متابعات
وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إنذاراً نهائياً إلى النظام السوري، يمهله فيه حتى نهاية الشهر الجاري من أجل التراجع وراء نقاط المراقبة التركية في إدلب (شمال غرب) التي حاصرتها قوات الأسد خلال الحملة العسكرية الأخيرة التي تقوم بها مع حلفائه.
وأكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أن بلاده بصدد تنفيذ خططها العسكرية في إدلب في حال لم يستجب نظام الأسد للمهلة التي منحها الرئيس أردوغان.
وصرح أكار لصحيفة “حرييت” التركية “إذا لم يلتزم النظام بالمهلة المحددة حتى نهاية الشهر الحالي، فسنطبق الخطة (ب) والخطة (ج)”.
وفي رده على سؤال حول المقصود بالخطة “ب” وضح وزير الدفاع التركي، أنهم في السابق تحدثوا مع شركائهم الأمريكيين، بشأن إبعاد الإرهابيين عن الحدود التركية، وعندما لم يتم الرد على الطلب، قام الجيش التركي بتنفيذ عمليات “درع الفرات” و”غصن الزيتون” في ريف حلب و”نبع السلام” بريفي الحسكة والرقة.
هل يأخذ الأسد إنذار أنقرة على محمل الجد ويسحب قواته خلال المهلة المحددة؟
الردود الأولى من موسكو ودمشق لا تشير إلى تغيير جدري في المواقف، حيث لا عقلية نظام الأسد ولا عقيدة الروس، تتيح لهم التفريط في المكاسب التي حققوها على الصعيد العسكري.
الحقيقة التي لا يختلف عليها أحد، هي أن نظام الأسد غير قادر على الاستمرار في الحكم دون روسيا، فضلا عن مواصلة الحرب. مما يعني أن الرد على إنذار تركيا مرتبط بشكل رئيسي ومباشر بما سيفعله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إزاء عملية عسكرية تخوضها تركيا ضد قوات نظام الأسد بمنطقة خفض التصعيد بإدلب.
أهمية إدلب الاستراتيجية
تقع إدلب، في شمال غربي سوريا مقابل ولاية هطاي جنوبي تركيا، ويحدها من الشمال الغربي ولاية هطاي، ومن الشرق محافظة حلب السورية، ومن الشمال الشرقي مدينة عفرين(تتبع ريف حلب)، ومن الجنوب محافظة حماة، ومن الجنوب الغربي محافظة اللاذقية.
وتحتل إدلب أهمية استراتيجية كبرى، تتمثل في موقعها على الطريق الدولي الواصل بين تركيا وسوريا والأردن والخليج العربي، كما تمتلك أهمية خاصة على الصعيد المحلي حيث تعتبر بمثابة بوابة الانفتاح على البحر الأبيض المتوسط.
كان عدد سكان إدلب قبل عام 2011 يبلغ حوالي مليوني نسمة، ومساحتها نحو 6 آلاف كلم مربع. يقيم فيها حاليا، بحسب أرقام مجالس الإدارة المحلية في المدينة(التابعة للمعارضة)، حوالي 3.7 مليون شخص، منهم 1.3 من المدنيين النازحين إليها من المدن السورية الأخرى، ويعيش حوالي مليون مواطن من سكان المحافظة في 200 مخيم بالقرب من الحدود التركية.
وتعتبر إدلب من أهم قلاع قوات المعارضة السورية، عقب تحريرها من النظام في مارس 2015.
وتزداد الأهمية الاستراتيجية لإدلب، من موقعها المجاور لمحافظة اللاذقية، التي تعد من أهم معاقل النظام وخزانه البشري، والتي تتضمن أيضا على القاعدة العسكرية الروسية في حميميم.
وبسبب موقعها المحاذي لتركيا، تعد المحافظة من أهم بوابات دخول المساعدات الإنسانية الى سوريا، عبر معبر باب الهوى الحدودي، إذ يدخل منه شهريا حوالي ألف و500 شاحنة من المواد الإغاثية، إلى جانب نحو 4 آلاف و500 شاحنة تجارية شهريا.
وقد تم الإعلان عن محافظة إدلب كواحدة من مناطق خفض التصعيد، بموجب جلسة اتفاق أستانا في 4-5 مايو/أيار 2017، بضمانة كل من تركيا، وروسيا، وإيران.
وأقامت تركيا بموجب اتفاقات أستانا 12 نقطة مراقبة في منطقة إدلب خلال أكتوبر 2017، حيث أصبح حوالي 4 ملايين مدني يقيمون تحت الحماية التركية كون تركيا هي الضامن لفصائل المعارضة.
تشترك إدلب مع تركيا بـ 130 كم من الحدود البرية، وتسود حالة من القلق، خشية أن تسفر حملات النظام المستمرة على إدلب، عن موجة نزوح مئات الآلاف من المدنيين، تجاه تركيا وأوروبا.
ويعد موضوع قدوم موجات نزوح جديدة باتجاه الحدود مع هطاي موضع قلق تركي كبير، حيث تستقبل تركيا بالوقت الحالي، أكثر من 3.6 مليون سوري على أراضيها، ولذلك تشدد على ضرورة حماية اتفاقية وقف إطلاق النار في إدلب.
إدلب عقدة القضية السورية
تحولت الأزمة السورية إلى مأساة إنسانية، عصية على الحل، جراء المصالح والمواقف المتناقضة للفاعلين الكثر المؤثرين فيها. فبينما تقف الولايات المتحدة، الحليف السابق لتركيا، في جبهة ضدها بسوريا وخصوصًا فيما يتعلق بتنظيم “ي ب ك” الإرهابي، تحولت روسيا، العدو السابق لتركيا، إلى شريك استراتيجي لها.
مقابل ذلك هناك خلاف تركي روسي حول كل من إدلب ومنبج وشرق الفرات، وهناك تناقض آخر بين الطرفين، حيث تدعم موسكو نظام الأسد عسكريا، في حين تعارضه أنقرة بقوة. بتعبير أوضح هناك تعارض كبير في المواقف، وتناقض بالأجندات بين الطرفين في المسألة السورية برمتها، ناهيك عن الخلاف الكبير أيضا في المسألة الليبية، المؤهلة للتصعيد هي الأخرى.
المفاوضات التركية الروسية
ثمة ماراثون من المفاوضات واللقاءات المكوكية بين مندوبي البلدين روسيا وتركيا، بهدف إيجاد صيغة جديدة للتوافق حول إدلب. لكن فرص التفاهم تبدو ضعيفة حتى الآن، فما أن ينتهي اجتماع، حتى يعقبه اجتماع آخر، وعلى أعلى المستويات. لكن لا نتائج ملموسة حتى الآن.
الوفد الروسي يقدم خارطة جديدة لـ”منطقة خفض التصعيد”، تمتد من الحدود التركية – السورية وحتى عمق 30 كيلومتراً عنها، الجانب التركي يرفض الخريطة والطرح الروسي بالمطلق.
يصر الوفد الروسي على استكمال العمليات العسكرية حتى السيطرة على كامل الطريقين الدوليين حلب – اللاذقية “4 M”، وحلب – دمشق “M5″، والإبقاء على كل المدن والبلدات التي دخلتها قوات النظام على جانبي الطريقين تحت سيطرته.
بينما يصر الوفد التركي على انسحاب قوات النظام السوري، والميليشيات التي تسانده، إلى ما وراء النقاط التركية، تطبيقاً لاتفاق سوتشي الموقّع بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، عام 2018، دون قبول التفاوض على أقل من ذلك.
سيناريوهات الصراع على إدلب
تشير مجمل المعطيات، من لقاءات ومفاوضات وتصريحات ورسائل متبادلة بين الطرفين، إلى أنه من المرجح أن ينتظر الطرف التركي، المهلة التي حددها الرئيس أردوغان، للنظام السوري حتى نهاية فبراير الحالي، مع مواصلة تقوية الوضع الميداني، وإرسال التعزيزات العسكرية إلى إدلب ومناطق الحدود، وذلك بالتوازي مع المباحثات المكثفة مع الروس.
ومن المرجح أن تؤدي المباحثات إلى لقاء قريب بين الرئيسين أردوغان وبوتين، في حال لم تسفر تلك المباحثات عن نتيجة.
وسيكون خيار الحرب من قبل تركيا وفصائل المعارضة السورية، ضد قوات النظام لإجبارها على التراجع عن المناطق التي تقدمت فيها مؤخرا، هو الخيار المرجح والأقوى.
ومن المتوقع أن تستمر روسيا بالضغط على الجانب التركي، لكي تحافظ على المناطق التي تقدم بها النظام مؤخرا، وستتبع كالعادة سياسة حافة الهاوية. لكنها في نهاية المطاف لن تعترض طريق تركيا، في حال قررت أنقرة البدء بعملية عسكرية ضد نظام الأسد لإجباره على التراجع، ولن تدعمه بسلاحها الجوي، وستكون حجتها أمامه هي تطبيق شروط اتفاقات سوتشي واستانا.
رغم تقديم روسيا الدعم الكامل حتى اليوم لسياسات الأسد، إلا أنها ستعيد تقييم الوضع من جديد في ظل الإنذار التركي، يدفعها لذلك مخاوفها من فقدان تركيا بسبب مصالحها الاستراتيجية معها.
من المتوقع تجنب بوتين مواصلة الدعم الأعمى للأسد في مسألة إدلب، والضغط عليه لاتخاذ موقف يلبي متطلبات تركيا، من أجل خفض التوتر الذي أشعله الهجومين الأخيرين على القوات التركية خلال الايام الماضية، والتي تسببت في مقتل 13 جنديا تركيا.
وعلى ذكر التصعيد واستهداف القوات التركية، يجب ألا يغيب عن الأذهان دور اللاعب الايراني، صاحب النفوذ والتأثير الكبير على قوات الأسد المحاربة على الأرض. حيث تبدو طهران التي تئن تحت وطأة الحصار الأمريكي، سعيدة بالتوتر بين أنقرة وموسكو.
في الختام يمكن القول بأن المسؤول عن التصعيد الأخير، هو روسيا وليس أحدا غيرها، وأن الكرة الآن في ملعب الرئيس بوتين، فإما أن يختار الاستمرار في دعم نظام الأسد المتهالك، أو يرجح استمرار العلاقات الاستراتيجية مع لاعب اقليمي بحجم تركيا.
المصدر: وكالة الأناضول