جسر: متابعات:
غابت الدورية الروسية التركية المشتركة، للأسبوع الثاني على التوالي عن طريق الترانزيت الواصل بين حلب واللاذقية/M منذ تسيير آخر دورية (رقم 22) على الطريق في 22 تموز (يوليو) الفائت.
وفي ظل توقف الدوريات المشتركة، اشتعلت جبهة اللاذقية إلى جانب جبهات ريف إدلب الجنوبي وجبل الزاوية. فحاولت قوات النظام خرق تحصينات المعارضة السورية أقصى غرب منطقة خفض التصعيد الرابعة، ضمن الحدود الإدارية لمحافظة اللاذقية. وهاجمت محور الحدادة وتل الراقم والتفاحية في جبل الأكراد محاولة إحراز تقدم على الجبهة النائمة منذ سنوات هناك، مقارنة بتلة الكبانة الاستراتيجية التي تعرضت إلى مئات محاولات التقدم وقصفتها القاذفات الروسية بكل صنوف القنابل الفراغية، دون جدوى. حيث تحولت الكبانة إلى عقدة لمحور النظام وحلفائه، ابتعلت مئات الجنود له خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة. وتعتبر التلة أهم موقع استراتيجي للمعارضة في عموم مناطق شمال غرب سوريا الحالية، فهي تشرف على سهل الغاب وترصد طريق M4 وصولا إلى محمبل وتشرف على طريق جورين-جسر الشغور، وتعتبر منطقة جسر الشغور ساقطة ناريا في حال سيطرت قوات النظام على التلة.
ورصدت “القدس العربي” سقوط أكثر من 20 قتيلا من قوات النظام على محاور القتال في مناطق التوتر في شمال غربي سوريا. وأكدت وكالة “إباء” الإخبارية المقربة من هيئة تحرير الشام، نقلا عن مصدر عسكري في المعارضة “مقتل ضابط روسي إلى جانب عدة عناصر من قوات النظام خلال محاولتهم التقدم على محوري الحدادة وتل الراقم بريف اللاذقية الشمالي الشرقي”.
ويسعى النظام من خلال هجومه على المحور الجديد في جبل الأكراد غربي سوريا، إلى اختبار جاهزية فصائل المعارضة بعد فشله المتواصل في تل الكبانة، كما أن لمحور قرية الحدادة وتل الراقم أهمية كبيرة كونه يعتبر طريق التغذية والإمداد الرئيسي لجميع محاور جبال اللاذقية، إضافة إلى أنه يشرف على طريق حلب-اللاذقية M4 في الجزء بين عين حور وجسر الشغور ويرصده ناريا في عدة مناطق.
شرقا، حاولت قوات النظام التقدم في محور دير سنبل غربي معرة النعمان، الخميس، لكن فصائل المعارضة صدتها وأوقعت عددا من جنود النظام بين قتيل وجريح، بعد أن نصبت كميناً للجنود المتسللين. وسجلت مراصد المعارضة عشرات الاقلاعات لطيران النظام المروحي والتدريبي الذي توجه إلى السعن في ريف حماة الشرقي حيث تنشط خلايا “داعش” وتشن هجمات متفرقة على نقاط النظام. وقصف الطيران الحربي عدة نقاط في محيط السخنة.
وبدأت قوات النظام قصفها المدفعي على كامل محاور إدلب منذ تأجيل الدورية المشتركة يوم الثلاثاء 28 تموز (يوليو) وفي الثالث من آب (أغسطس) كثفت القصف المدفعي وبدأت محاولات النظام في التقدم البري، ودخل اتفاق وقف إطلاق النار واتفاق موسكو (البروتوكول الإضافي لاتفاق سوتشي 2018) في مرحلة جديدة تنذر بانهياره، بسبب القصف المدفعي والصاروخي اليومي.
ومن ناحية أخرى، استقدمت القوات التركية في إدلب، تعزيزات جديدة، الجمعة، عبر معبر كفرلوسين العسكري الحدودي والذي تستخدمه القوات التركية معبرا وحيدا لها من أجل إخراج وإدخال جنودها وعتادها وتحصيناتها الهندسية إلى الأراضي السورية. وأدخلت القوات التركية 11 رتلا جديدا، خلال الشهر الجاري، إلى الأراضي السورية، أربعة منها فجر الجمعة.
ومع تفاوت أعداد القوات التركية، يُذكر أن الجيش التركي أنشأ تسع نقاط عسكرية جديدة، في شهر حزيران (يونيو) الماضي، ليصل عدد النقاط والقواعد العسكرية التركية في منطقة إدلب إلى 65 نقطة، حسب ما ذكرت وكالة أنباء تركيا، الثلاثاء. وأشارت إلى أن تركيا دفعت 80 رتلاً عسكريا خلال الأشهر الأربعة الماضية.
وأضافت الوكالة، أن القوات التركية نشرت منظومات مضادة للطائرات متوسطة المدى من طراز MIM23-HAWK في معسكر المسطومة ومطار تفتناز وتل النبي أيوب، أعلى قمة في جبل الزاوية.
وتزج تركيا بعدد هائل من جنودها في منطقة جبل الزاوية في محاولة إعاقة القرار الروسي بشأن عملية عسكرية، تتمثل بمنع قوات النظام من التقدم البري جنوب طريق M4.
إلى ذلك أحصت منظمة “منسقو استجابة سوريا” 2036 خرقاً، حتى يوم الأربعاء، وقالت المنظمة في بيان لها، بلغ عدد الضحايا منذ وقف إطلاق النار 24 مدنيا بينهم سبعة أطفال، واستهدفت قوات النظام “مركزين لإيواء النازحين وستة مراكز تعليمة وخمسة مساجد، ونقطة طبية، ومركزا خدميا”. ولفتت المنظمة إلى أن حركة النزوح خلال شهر حزيران (يونيو) بلغت 10.145 نازح، وفي شهر تموز (يوليو) 4.766 نازح، ليبلغ إجمالي عدد النازحين 14.911 توجه أغلبهم إلى مناطق قريبة من الحدود السورية.
وتشير المعطيات إلى بدء عملية قضم عسكرية في وقت ليس ببعيد، خصوصا مع الانتقادات الروسية لما اسمته استفزازات المسلحين، كما أن عدم عودة الروس إلى تسيير الدوريات المشتركة، هو بمثابة إعلان وفاة اتفاق موسكو من جهتهم، رغم التصريحات الدبلوماسية المتكررة في موسكو على لسان وزير الخارجية، سيرغي لافروف والناطقة باسم الخارجية، ماريا زاخاروفا إلى ارتياحهم من تسيير الدوريات المشتركة وأملهم بتطبيق كامل الاتفاق قريبا.
واقع الحال أن العمليات العسكرية في منطقة خفض التصعيد الرابعة (إدلب وماحولها) لم تتوقف منذ انطلاق معركة استعادة السيطرة على ريف حماة الشمالي في 26 نيسان (أبريل) 2019 التي شنتها قوات النظام وحليفها الروسي بداية، ثم تدخلت إيران وميلشياتها بقوة لحسم المعركة انطلاقا من محور شرقي طريق حلب-دمشق M5 بل استمرت العمليات حتى عشية السيطرة على مدينة خان شيخون في 22 أب (أغسطس) 2020. ثم هدأت شهور قليلة، كان النظام يعد عدته، ويزيت سبطانات مدافعه، باشر بعدها معركة قضم واسعة خسرت على إثرها المعارضة مساحات واسعة اثر انهيار صفوفها. ولو أراد النظام الاستمرار في تقدمه لكان بسط سيطرته على كامل إدلب، إلا أن الروس فضلوا استيعاب حليفهم التركي، وإعطاء فرصة أخرى له وللمعارضة.
وبطبيعة الحال إن وجهة النظر الروسية في سوريا تشير إلى رغبتها وإعلانها سابقا عن استعادة “سيطرة الحكومة السورية” على كامل الأراضي السورية. وهذا غير مفاجئ إطلاقا، لكن التكتيك الروسي في إدلب يعتمد على إعطاء فرصة لأنقرة لحلحة الملف الإنساني من خلال استيعاب النازحين الجدد إلى الشمال في منطقتي عفرين وريف حلب الشمالي والذين عملياً تمكنا من استيعاب موجة مهجري شهري كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) الماضيين.
وفي حال وجدت روسيا أنه من الخطورة البدء بعملية القضم انطلاقا من جبل الزاوية، فيمكنها فتح محور هجوم جديد، لا تتواجد فيه القوات التركية بكثافة، مثل سهل الغاب أو جبل الأكراد، وتجنب حصول أي خطأ كما حصل في معسكر بيلون نهاية شهر شباط (فبراير) الماضي.
وتمكن قوات النظام من خرق أي محور من محاور المعارضة هناك، يعني انهيار كبير لكامل المنطقة، وهذا ما حصل بالفعل مع تعزيزات المعارضة في كل منطقة شرق طريق M4. وتعتمد فصائل المعارضة ضمنياً على الدور التركي وترى فيه أن سيشكل حائط صد في وجه قوات النظام ويمنعها من التقدم.
في حقيقة الأمر إن فصائل المعارضة قد انهارت بشكل كامل، وهذا ما بدا جليا في هجوم شباط (فبراير) الماضي. وكل محاولات إعادة تنظيمها من قبل تركيا فشلت ولم تفض إلى نتيجة، خصوص وانها فقدت الخصوصية المحلية والتي شكلت أبرز دوافع القتال كما كان لدى جيش العزة بشكل رئيسي أو حركة أحرار الشام في سهل الغاب وجيش النصر والجيش الثاني.
وشكلت هزيمة الفصائل بعد خسارة جيب اللطامنة عالي التحصين، علامة تحول فارقة في مقدرتها أساسا على الصمود في وجه الطيران الروسي. فالفصائل اليوم تحتاج إلى شرطين موضوعيين لصد هجوم قوي مدعوم من روسيا، أولها أن تكون كامل المنطقة محصنة هندسيا على غرار منطقة اللطامنة، أو حتى تل الكبانة، والشرط الثاني أن تمتلك قرارا موحدا في إدارة المعركة. وهذان الشرطان غير متوفرين ، فمقاتلو جيش العزة استمروا بحفر أنفاقهم وكهوفهم سنوات دون توقف، بملاعق الطعام كما يقول المثل. فيما الفصائل تسابق الزمن وتنتظر ساعة الصفر من قبل النظام لبدء المعركة. أما عن القيادة الموحدة، فهو حلم بعيد المنال، ومن الصعوبة بمكان توحيد الفصائل التي تختلف ايديولوجياتها، بين إسلامي عابر للحدود يرى مرجعيته في جبال تورا بورا، وفصائل أخرى تنتظر ذبحها من قبل “تحرير الشام” أو تشغيلها كمرتزقة في الصراع الإقليمي الكبير.
المصدر: القدس العربي 8 آب 2020