جسر: متابعات
نجحت الفصائل المعارضة والإسلامية بتحقيق نوع من التوازن العسكري، في هجماتها البرية المعاكسة ضد مليشيات النظام الروسية شرقي إدلب. وتحوّلت من الدفاع إلى الهجوم، وباتت توجه ضربات موجعة ومفاجئة للمليشيات. وهددت عمليات المعارضة الهجومية أكبر تجمعات وثكنات المليشيات القريبة من نقاط المراقبة الروسية، واستهدفت نيرانها المعاقل البعيدة للمليشيات في مطاري حماة وأبو الظهور.
واستأنفت مليشيات النظام الروسية، الإثنين، هجومها البري المعاكس ضد المعارضة في خط التماس الواقع بين نقاط المراقبة الروسية، من أبو الظهور شمالاً إلى الشيخ بركة جنوباً، وفي الجبهات شرقي إدلب في ريف معرة النعمان الشرقي. وهاجمت المليشيات الروسية من ثلاثة محاور بلدات سروج ورسم الورد وفي محور اسطبلات، وفشلت في استعادت بلدة سروج التي كانت محور العمليات الرئيسي برغم تكرار الهجمات التي رافقها تمهيد بري وجوي هو الأعنف.
مصدر عسكري في “هيئة تحرير الشام” أكد لـ”المدن”، أن فصائل “غرفة عمليات الفتح المبين” تمكنت من التصدي لثلاث محاولات تقدم للمليشيات نحو بلدة سروج، وقتل في المعارك قائد الهجوم في محور سروج. وبحسب المصدر، فالمليشيات مرتبكة بسبب الخسائر الكبيرة التي منيت بها في المعارك الأخيرة، وهي تحاول استعادة ما خسرته من خلال الهجمات الانتقامية التي تستخدم فيها النيران الجوية والبرية بكثافة لتدمير وحرق محاور الهجوم.
وكانت المليشيات قد أشغلت محور الفرجة جنوباً، ليل الأحد/الاثنين، ونفذت أكثر من هجوم بري نحوها، وشهدت جبهات الفرجة معارك عنيفة استمرت إلى ساعة متأخرة بعد منتصف الليل. وتمكنت المعارضة من التصدي لكافة الهجمات الليلية وقتلت أكثر من 10 عناصر من المجموعات المقتحمة من “الفيلق الخامس” و”الحرس الجمهوري”. ودمرت المعارضة بصواريخ مضادة للدروع شحنات ذخائر وأسلحة كانت في طريقها لمواقع المليشيات المتقدمة. وحاولت المليشيات من خلال إشغال محور الفرجة التخفيف عن الجبهات العليا وتشتيت دفاعات المعارضة التي بدت أكثر تنظيماً مؤخراً.
وبدأت طائرات النظام الحربية والطائرات الروسية، الاثنين، حملة قصف انتقامية، وقصفت بأكثر من 100 غارة جوية مواقع المعارضة القريبة من خطوط التماس شرقي وجنوبي إدلب. واستهدفت الغارات بلدات ريف المعرة الشرقي وجنوبي ادلب، وقصفت الطائرات سوق الهال في سراقب، وأغارت على سوق الهال في مدينة معرة النعمان، وتسبب القصف على سوق المعرة بمجزرة تسببت بمقتل 10 مدنيين على الأقل.
من استهدف المطارين؟
استهدفت طائرات مسيرة، ليل الأحد/الاثنين، مطاري أبو الظهور وحماة العسكريين، ما تسبب بوقوع انفجارات كبيرة واحتراق مستودعات أسلحة. وتداولت المعارضة معلومات غير مؤكدة حول مقتل عدد من الضباط بينهم قائد المطار، وضباط روس، ومقتل عناصر من حامية المطارين ومسؤولين عن عمليات تذخير الطلعات الجوية لمروحيات البراميل المتفجرة. أوساط المعارضة غير الرسمية نسبت الهجوم على المطارين للفصائل واعتبرته انجازاً عسكرياً نوعياً يُهدد القواعد الروسية البعيدة بدرونات مصنوعة محلياً.
الفصائل المعارضة والإسلامية لم تتبنَ عملية استهداف مطاري حماة وأبو الظهور بالمُسيّرات، ولمح قادة في المعارضة إلى صعوبة تنفيذ مثل هذه المهمات على المعارضة لأنها تحتاج إلى تقنيات غير متوافرة لديها أصلاً. ورجّح بعض قادة المعارضة أن تكون مليشيات النظام الإيرانية هي المسؤولة عن الهجمات لامتلاكها التقنيات اللازمة لتنفيذ هكذا عمليات بالإضافة لقدراتها الاستخباراتية وعمليات الرصد، خاصة بعدما هاجمت المُسيّرات أهدافها بدقة في أبو الظهور، واستهدفت اجتماعاً لغرفة عمليات المليشيات الروسية في مطار حماة.
مصدر عسكري في “فيلق الشام” التابع لـ”الجبهة الوطنية للتحرير”، أكد لـ”المدن”، أن لمليشيات النظام الإيرانية مصلحة كبيرة في انفجار الوضع العسكري في إدلب والدفع باتجاه المزيد من التصعيد، وربما استهدافها لمطاري حماة وأبو الظهور اللذين تسيطر عليهما القوات الروسية.
الناطق باسم “الجيش الوطني” الرائد يوسف حمود، أكد لـ”المدن”، أن استهداف المطارات التي تعتبر قواعد عمليات وتذخير ونقل حربي للمليشيات في هذا التوقيت، وتقف خلفه المليشيات الإيرانية حتماً.
عمليات “ولا تهنوا”!
ما تزال المعارضة تحتفظ بعدد من المواقع التي سيطرت عليها في جبهات شرق ادلب في إطار العملية العسكرية التي أطلقتها باسم “ولا تهنوا” في 30 تشرين الثاني/نوفمبر. واستعادت المليشيات بلدة اعجاز بعدما دمرتها، ولكنها لم تفلح حتى الآن في استعادة بقية المواقع، ولم تتمكن من بسط سيطرتها الكاملة على باقي القرى التي خسرتها لحساب المعارضة، والتي تحول غالبيتها إلى منطقة اشتباك ومعارك هي الأعنف تشهدها الجبهات شرقي المعرة.
وبدت عمليات “ولا تهنوا” منظمة، واشتركت فيها كتائب نوعية من “الجبهة الوطنية” و”تحرير الشام”، بمشاركة فصائل جهادية مثل “أنصار التوحيد”. وبدا التنسيق واضحاً في العملية بين الفصائل المشتركة، وانعكس ايجاباً على عمليات التصدي للهجمات المعاكسة المستمرة من جانب المليشيات.
حققت “ولا تهنوا” مجموعة كبيرة من الأهداف للمعارضة، وأوقفت العمليات الهجومية للمليشيات في محاور الزاوية الجنوبية في ريف ادلب الشرقي، الممتدة من تل دم شمالاً وحتى أم الخلاخيل جنوباً، واستهدفت جبهات غير متوقعة في القرى التي تتبع لناحية سنجار شرقي إدلب وتتركز فيها القوة الأكبر لفروع الأجهزة الأمنية. وخسرت المليشيات أكثر من 100 عنصر، غالبيتهم من “الفيلق الخامس” و”الحرس الجمهوري” وضباط وعناصر الأجهزة الأمنية، ممن أجبروا على الاشتراك في المعارك المفاجئة، وقتل منهم عدد كبير في محاور سروج ورسم الورد.
وبدا واضحاً من خلال الكثافة النارية التي استخدمتها الفصائل المعارضة والإسلامية في عمليتها “ولا تهنوا” أنها حصلت على دعم جيد مكنها من إنجاح العملية العسكرية وتثبيت سيطرتها ولو بشكل مؤقت. إذ استخدمت المعارضة بشكل مكثف الصواريخ متوسطة المدى في العمليات الهجومية، والنيران المتوسطة والقذائف المضادة للأفراد. ويبدو أن المعارضة لديها بنك أهداف سابق في محاور الهجوم، وهي محاور كانت تلمح باستمرار إلى اشغالها، أي أن مواقع المليشيات وثكناتها وانتشارها معروفة لدى المعارضة مسبقاً.
الفصائل المعارضة والإسلامية حافظت على مستوى محدود من التصعيد في عمليتها “ولا تهنوا”، ولم تفتح محاور قتال استراتيجية بعيدة عن المنطقة جنوب شرقي إدلب. ويبدو أن المعارضة لا تريد التصعيد والتوسع على حساب المليشيات بقدر رغبتها في إيقاع الخسائر في صفوف خصومها وإعاقة تقدمها.
كبانة تحت النار
حاولت مليشيات النظام استغلال انشغال المعارضة وتركيزها في جبهات شرقي إدلب، وبدأت حملة قصف عنيفة وشنت هجمات متتالية على منطقة كبانة والمرتفعات الجبلية في ريف اللاذقية الشمالي. وتمكنت بالفعل من إحراز تقدم محدود في بعض المحاور، ولكنها أُجبِرَت على التراجع والانسحاب مرة أخرى بعدما استقدمت المعارضة تعزيزات عسكرية إضافية إلى المحاور المشتعلة.
واستأنفت الطائرات الحربية والمروحية، الاثنين، غاراتها على كبانة وجبلي التركمان والأكراد في ريف اللاذقية الشمالي، ورصدت المعارضة تحركات للمليشيات من “الفرقة الرابعة” بالقرب من خطوط التماس، وهي تحركات عادة ما تسبق الهجمات البرية للمليشيات.