جسر: متابعات
صدم اتفاق موسكو المتابعين السوريين من جمهور المعارضة والأطراف المحسوبة والمقربة على تركيا، لحظة سماعهم المؤتمر الصحافي ونص الملحق الإضافي لاتفاق سوتشي لعام 2018 الذي وقعه الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان لوقف العمليات العدائية في منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب.
واتفق الرئيسان على البرتوكول الإضافي بعد اجتماع مغلق بينهما “وجها لوجه” استمر قرابة الساعتين والنصف، قبل أن يلتحق بهما الوفدان العسكريان والسياسيان، ليستمر الاجتماع التقني ثلاث ساعات ونصف أخرى. وشدد البروتوكول الذي وقع بثلاث لغات، روسية وتركية وإنكليزية (ليس بينها العربية) على ثلاث نقاط: “وقف جميع الأعمال العسكرية على طول خط التماس في منطقة خفض التصعيد في إدلب اعتباراً من الساعة 00.01 من يوم 6 آذار (مارس) 2020” و “إنشاء ممر بعمق 6 م من الشمال و6 كم على جانبي الطريق السريع (M4) والاتفاق على معايير محددة لعمل الممر الأمني بين وزارتي الدفاع في الجمهورية التركية وروسيا الاتحادية في غضون سبعة أيام”. و”في 15 آذار (مارس) ستبدأ الدوريات الروسية التركية المشتركة على طول الطريق السريع من الترنبة غرب سراقب إلى عين حور في ريف اللاذقية الشرقي”.
ورغم الصوت التركي الرسمي العالي، وحدة التصريحات قبل أيام من توقيع الاتفاق والوعد القاطع وإعلان الرئيس اردوغان أن بلاده ستعيد النظام إلى حدود اتفاق سوتشي ونقاط المراقبة التركية الثمان التي حاصرتها قوات النظام في شير مغار ومورك والصرمان وتل الطوقان والعيس والراشدين وعندان والشيخ عقيل، إضافة لحصار خمس نقاط جديدة نشرتها الدفاع التركية في معر حطاط جنوبي معرة النعمان، وثلاث في سراقب هي نقطة مركز حبوب سراقب، جنوبي البلدة ونقطة مفرق كفر عميميم (نهاية المنطقة الصناعية) شرق سراقب، ومعمل الأدوية شمالها على نقطة اتصال طريقي الترانزيت (M4) و (M5) ونقطة على الطريق في بلدة الزربة.
وتشير التعبئة التي انتهجتها تركيا سياسيا وإعلاميا وشعبيا بعد مقتل 34 من جنودها في قصف لتجمع قواتها بالقرب من قرية بليون في ريف منطقة جبل الزاوية، تشير إلى أن أنقرة كانت تعد لمواجهة طويلة، أو على الأقل لا يمكن أن تنتهي كما انتهى الحال عشية يوم الخميس في الكرملين.
في السياق، فإن اردوغان ذهب إلى موسكو مسلحا بورقة عسكرية قوية ميدانيا، فطائراته المسيرة الجوية “بيرقدار” قصفت مئات الأهداف وأحدثت عجزا واضحا على الأرض لدى قوات النظام نتجت عنه استعادة عدة قرى وبلدات في ريف إدلب الغربي وجبل الزاوية، إضافة إلى تدمير قاذفتين استراتيجيتين للنظام من طراز سو-24 وطائرة L-39 التدريبية، وأكثر من 150 دبابة وعشرات الآليات وراجمات الصواريخ والمدافع وثلاث منظومات دفاع جوي وما يزيد عن ألفي جندي ومقاتل في صفوف قوات النظام وقواته “الرديفة”.
وترافق ذلك، مع دعم سياسي أمريكي من خلال زيارة وفد دبلوماسي رفيع إلى داخل الحدود السورية في إدلب، ضم المبعوث الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، ومندوبة أمريكا في الأمم المتحدة، كيلي كرافت، حيث التقوا مع ممثلين عن المنظمات المدنية والإنسانية وعناصر من الدفاع المدني في إدلب. وعبر جيفري عن دعم بلاده، لتركيا وأنها “عرضت بالفعل مساعدة إنسانية، وتتقاسم المعلومات مع تركيا، وتضغط على الحلفاء الأوروبيين لتقديم مساهمة كبيرة”.
ووصف المبعوث الأمريكي التدخل العسكري التركي في سوريا أنه “أمر شرعي، خصوصا عندما تكون هناك حدود، وهو من أجل أمنها القومي”.
وأعرب عن استعداد بلاده تزويد تركيا بـ”الذخيرة والمساعدات الإنسانية في إدلب” مضيفاً “نتعاون مع تركيا وحلف الناتو في موضوع حظر الطيران فوق إدلب، وطبقنا ذلك في بعض المناطق سابقا في العراق، ويجب أن يحظى التحرك بدعم من القرار الدولي”.
ورغم دعم جيفري الكبير لسياسات أنقرة في سوريا، والذي يوصف “حليف أنقرة في واشنطن” لفت إلى أن “شراء تركيا أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية إس-400 هو أمر خطير جدا ويشكل مصدر قلق كبير، ويأتي في الوقت الذي نبحث فيه سبل الدعم الذي يمكن تقديمه بخصوص إدلب السورية”.
مستقبل الاتفاق
تراجع الرئيس التركي عن تصريحاته من خلال موافقته على تثبيت التغيرات العسكرية الحاصلة على الأرض، والاعتراف بخطوط “التماس” الجديدة، يعني أن أنقرة قبلت بحصار نقاط مراقبتها الثماني الرئيسية، وخمس نقاط فرعية نشرتها على طريق M5.
وألغى الملحق تشريع وجود أي دور للقوات التركية على طريقM5 ما يعني أن أنقرة خسرت دورها المرتجى عسكريا وسياسيا وأقل منه اقتصاديا كونها أخرجت من وضع قدم ثقيلة على طريق حلب-دمشق –عمان، بينما ظلت محتفظة بالتحكم بجزء صغير يربط حلب بغازي عنتاب التركية في منطقة اعزاز.
وترك الاتفاق منطقة جبل الزاوية بين الممر الأمني ومناطق سيطرة النظام معلقاً ولم يوضح مستقبلها، أو يدلل على امتناع النظام مهاجمتها، ما يعطي ذريعة استمرار العملية العسكرية فيها وصولا إلى الممر الأمني جنوب طريق M4.
ان اعتبار طريقM4 ممرا أمنياً سيفرض وجود النظام حسب التفسير الروسي لنص الفقرة الثامنة من اتفاق سوتشي لعام 2018 الذي يقول بـ”استعادة حركة الترانزيت” ومن المرجح أن يتواجد النظام في كامل منطقة الممر الأمني مع بقاء الدوريات الروسية التركية المشتركة، ولكن الدوريات لن تمنع النظام من السيطرة الكاملة وسيكون الدور التركي في الممر شكليا وليست له صلاحيات حقيقية أو مقدرة فعلية على منع تجاوزات النظام. وفي طبيعة الحال فإن التجارب السابقة لروسيا لم تشر إلى قبولها في سوريا بسيناريوهات السيطرة المشتركة أو الهجينة.
وفي هذا السياق، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا- بعد أقل من يوم على توقيع الاتفاق- إن عملية “القضاء على المسلحين في سوريا هي مهمة السوريين والقوات المسلحة السورية وتلك القوات والبلدان المتواجدة على أساس شرعي وتتعاون مع السلطات السورية. وهذا موقف مبدئي لم يتغير” في تجاهل واضح لأي دور تركي أو تعويل عليه.
وسيفضي انتشار النظام في حال حصوله إلى تفريغ عدة بلدات على جانبي الطريق في عمق 6 كم التي نص عليها الاتفاق، وهي سرمين والنيرب وقميناس والمسطومة ومجدليا وكفرلاتة ومدينة اريحا والرامي ومحمبل وفريكة وأجزاء واسعة من سهل الروج وسهل الغاب الشمالي ومدينة جسر وبداما والناجية والأجزاء الجنوبية من جبل التركمان.
ربما من المبكر إطلاق أحكام قطعية حول مصير “البرتوكول” خصوصا وأنه سيمنح الهاربين من القصف الروسي فرصة لالتقاط أنفاسهم، وبناء خيام تهجيرهم على مهل، لكنه في نهاية الأمر لن يمنع قضم المزيد من الأراضي أو يوفر لهم عودة آمنة وطوعية إلى بيوتهم.
المصدر: القدس العربي