يوم الجمعة 17 نيسان/أبريل 2020 أعلن السيد إدوار حشوة انسحابه من اللجنة الدستورية، مبينا أن السبب الذي يقف وراء ذلك اعتماد المحاصصة في تشكل اللجنة المصغرة وعدم الأخذ بعين الاعتبار رفد اللجنة المصغرة بعلماء القانون والخبراء والمختصين به، وللوقوف على حيثيات قراره وتداعياته توجهت صحيفة “جسر” إلى الأستاذ إدوار حشوة وكان لنا معه الحوار الذي بيّن فيه:
– أن الخلاف يعود إلى اجتماع هيئة التفاوض في الرياض بحضور المبعوث الدولي إلى سورية.
– تأثير الانسحاب قد ينعكس على منتجات الحوارات حول مقدمة الدستور ومضمون مواده وأسلوب الصياغة.
– ما هو إيجابي في اللجنة الدستورية هو اعتراف النظام بالمعارضة التي كان يعتبرها إرهابا والدخول في حوار معها، وبضغط روسي.
– تبين لـ”لروس والنظام” من كلمات جميع الزملاء أن لا إمكانية لتدوير بقاء الأسد بل الدعوة إلى تجريمه.
– قد يُعزز فشل اللجنة الدستورية رأي الأميركيين بأن رحيل الأسد يأتي قبل الانتخابات.
1- أعلنتم عن استقالتكم من اللجنة الدستورية. بالتفصيل، ما هي الأسباب التي تقف وراء ذلك؟ هل كانت هناك محاولات لعودتكم إلى اللجنة؟
يعود الخلاف إلى يوم عَقدت هيئة التفاوض اجتماعها في الرياض قبل أيام من اجتماع اللجنة الدستورية في جنيف بحضور المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا وكانت لي كلمة بحضوره أيضا، وذلك في أيلول/سبتمبر 2019؛ لاختيار ممثليها في اللجنة المصغرة وعددهم 15، وقد اتُبعت في الاختيار طريقة المحاصصة؛ فخلت المجموعة المصغرة من الاختصاصيين، ودخلتُ في خلاف مع الدكتور نصر الحريري منوها أن المحاصصة المُلزمة تمت في اللجنة الموسعة، أما اختيار اللجنة المصغرة فلا يجب أن تخلوا من أكثرية من علماء القانون والدستور، وكنت قد أزمعت المغادرة لولا أن رئيس اللجنة الدستورية الأستاذ هادي البحرة وجد حلا يحفظ كرامة علماء القانون والدستور الذين صاروا خارج اللجنة المصغرة بفعل المحاصة، فاقترح مناصب فخرية ملحقة باللجنة هي 4 مستشارين لا دور لهم في اجتماعاتها، ولا يناقشون في الحوارات؛ على أن يحضر واحد منهم كل جلسة.
لم يكن الأمر مريحا ولا قانونيا، وانتظرت وقتا مناسبا لا يعطل عمل اللجنة في جنيف لكي أنسحب؛ وطبعا كانت هناك محاولات لوقف الانسحاب قام بها الدكتور نصر الحريري والأستاذ حسن عبد العظيم والدكتور هيثم رحمة والأستاذ طارق الكردي والقاضي حسن عبيد والأستاذ نبراس الفاضل والأستاذ فراس الخالدي، كما أن جميع مكونات هيئة التفاوض ومنصاتها رفضت الانسحاب.
2- ما هو تأثير السبب الذي ذكرتموه في الاستقالة على عمل اللجنة؟
لا اعتقد سيكون هناك تأثير على عمل اللجنة واجتماعاتها؛ ولكن قد يكون هناك تأثير على منتجات ومخرجات الحوارات حول مقدمة الدستور ومضمون مواده وأسلوب الصياغة.
3- المعروف لدى السوريين أن اللجنة الدستورية هي منتج روسي، وكانت على حساب القرار 2254، ما هي حدود اللجنة الدستورية من وجهة نظركم للوصول إلى التغيير المطلوب؟
اللجنة الدستورية ليست منتج روسي ولكن موافقة الروس عليها جاءت بعد توافق دولي.
الأصل أن القرار 2254 حدد طريقة الحل، وهي سلطة حكم انتقالي ثم انتخابات لجمعية تأسيسية تضع دستورا جديدا؛ ما حدث، بسبب رفض الروس وفقدان التوازن على الأرض، أن المجتمع الدولي، بما فيه حلفاء الثورة، عكسوا الطريقة بحيث يكون البدء في الاتفاق على دستور وانتخابات وبعدها السلطة.
شخصيا عارضت في عدة مقالات ومذكرات هذا الخروج عن القرار، ولكن تم تعديل القرار من الأمم المتحدة، وقالوا من يملك وضع القرار يملك تعديله، فأذعَنَت هيئة التفاوض، وذهبنا إلى جنيف مكرهين، في حين كان الروس فرحين، وخصصوا طائرتين روسيتين لنقل المشاركين من الداخل؛ من النظام ومن لجنة الامم المتحدة، ظلتا قابعتين حتى نهاية الاجتماعات!
في الشكل، اﻹيجابي في تشكيل اللجنة الدستورية؛ هو اعتراف النظام بالمعارضة التي كان يعتبرها إرهابا، والدخول في حوار معها وتم ذلك بضغط روسي، لأنهم يريدون حلا عبر عملية دستورية يرحل في نهايتها الأسد بطريقةً الانتخابات والمحافظة على شكل الجيش والأجهزة.
الهدف الروسي اصطدم بنا منذ اللحظات الأولى، وعبرَ كلمات المشاركين في اليوم الأول، الذي تحدث فيه 83 شخصا من طرفي النظام والمعارضة واللجنة الأممية الثالثة.
4- أيضا شاع بين السوريين أن اللجنة بإمكانها العمل على تدوير شخصية الأسد من خلال آلية التصويت المقترحة فيها، إلى أي حد ترون صحة هذا الكلام؟
إن تدوير الاسد والحرص على بقائه، إلى أن يُوضع مشروع الدستور ويجري التصويت عليه ثم انبثاق السلطة الانتقالية منه، هو هدف روسيا الذي تريد ترحيله أو بقاءه “بشار الأسد” عبر الانتخابات.
وكانت الصدمة كبيرة على الروس في كلمتي الاولى في اجتماع جنيف المشترك حيث قلت: كفاكم وهما بالانتصار واستخدامه، لا يوجد في سورية منتصر ويوجد خاسرون؛ بعضهم خاسرون أكثر، وبعضهم خاسرون أقل، وأننا نريد جيشا محترفا ومدربا، وتمنع السياسة فيه، وآن الأوان أن يفهم الجيش السوري وضباطه أن الجيش ملك لسورية، وليست سوريا ملكا لضباطه وطموحاتهم وانقلاباتهم، وأننا نريد دستورا ديمقراطيا تنبع فيه السلطة من صناديق الاقتراع لا من فوهات البنادق، نريد دستورا برلمانيا يحفظ حقوق الجميع بالتساوي في إطار مجتمع حر، وكفانا؛ وهما وخرابا وقتلا وتهجيرا وطائفيات ووجودا غريبا على أرضنا.
في المحصلة، ومن كلمات جميع الزملاء؛ تبين للروس وللنظام أن لا إمكانية لتدوير بقاء الاسد، بل الدعوة إلى تجريمه، لذلك في اليوم الأول لاجتماع اللجنة المصغرة للبحث في الدستور اخترعوا جدول أعمال لا لبحث الدستور بل لبحث المبادئ الوطنية، وهي عندهم بقاء الأسد وبقاء الجيش تحت سيطرته، فتم انسحابهم وتوقفت أعمال اللجنة.
اعتقد أن فشل اللجنة الدستورية سيعزز رأي الأمريكيين بأن رحيل الاسد يأتي قبل الانتخابات، أو يمكن أن يدفع المجتمع الدولي إلى اختراع حل آخر عبر مجلس عسكري وسياسي على الطريقة السودانية تنتقل به السلطة، والله اعلم!
وختم المحامي إدوار حشوة حديثه لنا بالقول:
بالأمس جرى اتصال مطول بيني وبين الاستاذ هادي البحرة حول الانسحاب وأسبابه، مبديا وجود ضرورة وفرصة لاعادة النظر في تشكيل اللجنة المصغرة، مؤكدا على إجماع الزملاء على الاستفادة من خبرتي، وعبر ذلك تم وقف الانسحاب تقديرا لمناشدة الاستاذ البحرة وباقي الشخصيات، لعل المستقبل أفضل ونأمل خيرا.