جسر: مقالات:
أعلنت دولة الأمارات العربية المتحدة، عزمها على عقد اتفاق سلام مع إسرائيل، وفق معاهدة سلام ستعقد بين البلدين قريباً، وكانت جمهورية مصر العربية والأردن والسلطة الفلسطينية نفسها، قد سبقت الإمارات لعقد مثل هذه المعاهدات، ناهيك عن الكثير من العلاقات السرية وكثيراً من الأحيان اللقاءات العلنية التي تظهر بين الحين والآخر بين بعض الدول العربية والإسلامية والمسؤولين الإسرائيليين حتى أصبح الكثير من المسؤولين الصهاينة يجاهرون بين الحين والآخر بأخبار لقاءاتهم مع المسؤولين العرب والمسلمين، ولعل هذه اللقاءات كانت تجري في الماضي دون ضجيج نتيجة عدم وجود وسائل إعلام كما هي الآن من انتشار أُفقي على مستوى المعمورة، لكن في ظل تطور أجهزة الاتصال والقدرة على المتعاظمة على اختراقها بات إخفاء أي لقاء بين أحد مسؤولي الدول من الدرجة الثالثة مجرد خيال، ولعل السبب الرئيسي لعقد مثل هذه الاتصالات والاتفاقات والمعاهدات هو القناعة الراسخة لدى زعماء العرب والمسلمين بأن مفتاح بقائهم في السلطة هو قربهم أو بعدهم عن إسرائيل وليس شعوبهم كما في دول الديمقراطيات الغربية، ويمكن أن نبرر كشعوب عربية وإسلامية لقائد هذه الدولة أو تلك علاقته مع إسرائيل في ظل تشرذم الدول العربية والإسلامية وتفرقها، وعدم وجود حاضنة حقيقية لتوحيد المواقف الاستراتيجية المصيرية لهذه الدول، وهذا ما سعت إليه إسرائيل وأصحاب القرار في العالم لتحقيقه للاستفراد بكل دولة على حدى ولنصل إلى ما وصلنا إليه من تفرقة في الصفوف، وانكماش أقطار الوطن العربي والدول الإسلامية على نفسها، ويمكن أن نقول بأن التمدد الإيراني المرعب في المنطقة دعا أيضاً بعض الدول للهرولة نحو فتح العلاقات مع الكيان الصهيوني لحماية نفسها من الخطر الإيراني المحدق بالمنطقة وتبقى إسرائيل من وجهة نظر هؤلاء أقل خطورة من الغزو الإيراني العسكري والأمني والثقافي والعقائدي، وقد يكون هذا مبرراً واقعياً في ظل الظروف العربية والدولية الراهنة، وليس غريب أن يفكر جميع قادة الدول في حماية أنفسهم وأنظمة حكمهم لكن الغريب أن يخفي معظم هؤلاء علاقاتهم السرية المميزة مع إسرائيل ويعيبون على دولة مثل الإمارات أو مصر أو غيرهما بعلاقاتها الرسمية والعلنية وفق معاهدات دولية مع هذا الكيان، لا بل بعض من يستضيف سفارة لإسرائيل في بلادة وعلاقاته التجارية والاقتصادية وتعاونه الأمني معها على أعلى مستوى أزعجه كثيراً إعلان الإمارات عزمها عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل، فهل العلاقة مع الكيان الصهيوني حلال علينا حرام على غيرنا؟!، ومن هنا يمكن أن نقول بأن ثورات الربيع العربي كشفت الكثير من الحقائق وفضحت أصحاب الشعارات المزيفة لمحور المقاومة والممانعة والصمود والتصدي لإسرائيل وبقاء بشار الأسد في السلطة حتى الآن رغم الكم الهائل من المجازر بكافة أنواعها واستخدامه المواد الكيماوية ضد الشعب السوري الأعزل وقتله مليون مواطن سوريا وتهجير ثلثي الشعب السوري دليل على الخدمات العظيمة التي قدمها ويقدمها هو ونظامه لأسياده في تل أبيب، ولهذا لم يتم محاسبته بل يحاول المجتمع الدولي إعادة إنتاج نظامه الوظيفي من جديد النظام العصابة الذي ثبت أنه وحلفائه الإيرانيين وحزب الله اللبناني هم حماة دولة إسرائيل طوال أربعين سنة مضت ولهذا لم ولن تتخلى إسرائيل عن هذه الأنظمة الوظيفية حتى ينتهي دورها.
خلاصة القول أن بناء العلاقات بين دول الشرق الأوسط في العصر الحالي بات يعتمد وبشكل أساسي على مصلحة البلد نفسه وليس على مصالح الأمة العربية والإسلامية، ولعل الكثير ممن لم يحضوا بمباركة إسرائيل على الرغم من سعيهم الحثيث في الكواليس لاسترضاء الدولة العبرية وبكل الوسائل، هم أكثر القلقين والخاسرين من معاهدات السلام التي تعقدها هذه الدولة أو تلك مع الدولة العبرية، ولعل تنظيمات الإسلام السياسي هم أول المهرولين نحو إسرائيل وغيرها لكسب ودهم، لكن ضعف أدائهم وفشلهم في قيادة أي حراك حتى على نطاق ضيق جعلهم غير مرغوب فيهم ليحكموا دولة أو أي كيان مستقل، وتجربة المجتمع الدولي في الماضي القريب ماثلة أمام أعيننا من خلال فشل الإخوان المسلمين فشلاً ذريعاً في حكم مصر وقيادة شعبها إلى بر الأمان، هذه التجربة باعتقادي لن تتكرر في أي دولة عربية أخرى وسيبقى هؤلاء عبارة عن أدوات تُستخدم لإفشال أي تحرك ممكن أن يهدد الأنظمة الشمولية والديكتاتوريات الوظيفية خاصة في الوطن العربي وإخوان سوريا خير مثال على ذلك.