جسر: رأي:
بثّ ما يعرف بولاية الخير في تنظيم داعش (منطقة دير الزور وريفها) اصداراً جديداً تحت مسمى ملحمة الاستنزاف ٤، مدته ١٣ دقيقة، تبنى فيه مجموعة من العمليات الأمنية، انحصرت جميعها تقريباً في ريف دير الزور الشرقي، واستهدفت الغالبية العظمى منها عناصر من السكان المحليين (العرب) ممن قال التنظيم أنهم يعملون لصالح قوات سوريا الديمقراطية.
منطقة جغرافية محدودة :
لم يكن غنياً بمشاهد حصرية على عادة اصدارات التنظيم، واكتفى ببعض المشاهد المصورة بكاميرات الموبايلات لعمليات القتل وبشكل مقتضب، فيما شغل معظم الاصدار بصور مأخوذة من وكالات أنباء ومواقع اعلامية مختلفة. وأستهل الاصدار بالحديث مطولاً عن معاناة العالم من فيروس كورونا الذي قال عنه الاصدار إنه عذاب من الله لدول الغرب بسبب عدوانهم على المسلمين، وتأتي هذه الاشارة المختلفة كلياً عن سياق ما تبقى من الفيديو للحفاظ على الطابع “العالمي” الذي دأب على ادراجها في رؤيته عند بث الاصدارات. لينتقل بعد ذلك إلى سرد مجموعة من عمليات القتل والتفجير والقصف، بشكل مختصر جداً، وهذه العمليات هي: استهداف مقر لقسد في بلدة ذيبان بريف دير الزور الشرقي، تفجير عبوة ناسفة بدورية في بلدة الكبر بريف دير الزور الغربي، استهداف حقل العمر النفطي بصواريخ الكاتيوشا، استهداف عربة أميركية بعبوة ناسفة في بلدة ذيبان، تفجير آلية مفخخة في بلدة حوايج ذيبان، تفجير مقر لقسد بالعبوات الناسفة في بلدة حوايج ذيبان، تفجير مقر ثان في حوايج ذيبان، استهداف رتل لقسد في بلدة خشام، قتل عنصر من استخبارات قسد في ذيبان يدعى محمد العيدان، قتل عنصر من استخبارات قسد وحرق سيارته في حوايج ذيبان، تفجير عبوات ناسفة في رتل لقسد بالقرب من دوار العتال، قتل “كومين” في بلدة الشحيل، اعدام ما قالت أنه عنصر استخبارات لقسد في بلدة الطكيحي قرب البصيرة. تبنى عملية قتل رجلي دين مسيحيين في بلدة الزر، قتل صفوان صقر الحاج محمد في بلدة الحوايج بتهمة التعامل مع نظام الأسد، قتل الشاب هيثم الأحمد الاسماعيل قتل في بلدة الحوايج، قتل شخص في بلدة السجر بتهمة العمل مع استخبارات قسد، قتل عنصر في قوات النظام يدعى أحمد الشلال في بلدة درنج، تصفية عنصر في استخبارات قسد في بلدة الشحيل، تصفية العسكري جمال فرحان العلي، من بلدة الشدادي، قتل عنصر في استخبارات قسد في درنج، عملية اغتيال سليمان الكسار في البصيرة.
وأجمل التنظيم عملياته السابقة بأنها ٣٥٨ عملية، بينها ١٠٦ عملية اغتيال، فيما تظهر في نهاية الإصدار مبايعة مجموعات من المنتسبين لزعيم التنظيم الجديد المدعو “أبي إبراهيم الهاشمي القرشي“.
ويلاحظ من مناطق توزع العمليات إن غالبيتها العظمى تقع فيما يعرف محلياً بمثلث الموت، وهي القرى المنطقة الواقعة بين بلدات ذيبان، وحوايج ذيبان، والشحيل والبصيرة. الأمر الذي ينبئ بوجود عدد كبير من خلايا التنظيم في هذه المنطقة من ناحية، وعدم كفاية اجراءات قسد والتحالف الدولي لضبط ومطاردة تلك الخلايا في هذه المنطقة من ناحية أخرى، لكن بمجمل الاحوال فإن هذه المنطقة تبقى منطقة صغيرة جغرافياً إذا لا تشكل أكثر من ١ في المئة من مساحة سيطرة قسد في محافظة دير الزور، وأقل من ذلك بكثير بالنظر إلى مناطق سيطرتها في مجمل شمال وشرق سوريا.
فئة سكانية محددة (أبناء القبائل المحلية):
من ناحية ثانية يظهر الاصدار إن معظم من تم استهدافهم وقتلهم هم من السكان المحليين المتعاونين مع قوات سوريا الديمقراطية أو المتهمين بذلك، فيما لم يتحدث التنظيم عن أي عملية قتل أو استهداف لكوادر قسد من الأكراد أو من قوات التحالف الدولي، وهو ما يؤكد سعي التنظيم لمنع تعاون السكان المحليين مع سلطة قسد، لما يشكله ذلك من خطر على ما تبقى من التنظيم، ويشير من ناحية أخرى أيضاً عن عجز خلاياه عن الوصول إلى الأهداف التي تقع خارج الشبكات الاجتماعية المحلية (العشائرية)، وهو ما يدلل دلالة واضحة إلى أن من ينفذون تلك العمليات هم من ضمن البيئة الاجتماعية ذاتها، وإلا ما كانوا وصلوا لأهدافهم بتلك السهولة.
الزمان والتوقيت:
يمتد الزمن الذي يغطيه الاصدار إلى نحو عشرة أشهر، ويتضمن على سبيل المثال عملية اغتيال الكاهن حنا إبراهيم المعروف باسم اﻷب “هوسيب بيدويان” راعي كنيسة الأرمن الكاثوليك في القامشلي، ووالده إبراهيم حنا، والتي وقعت في ١١ نوفمبر من السنة الماضية ٢٠١٩، إلا أن الاشارات تتكثف إلى العمليات التي وقعت في الأشهر الأخيرة، ويبدو الاصدار في النهاية كما لو اعد على عجل، لما نعتقد أنه يعود إلى سبب يرتبط بعملية اغتيال الشيخ مطشر الهفل مؤخراً وتداعيات تلك العملية.
فالتنظيم الذي اصدر هذا الشريط شبه المحلي، أراد أن يذكر القوى التي بدأت بالتدافع شرق دير الزور وحشد قواها، بانه موجود هناك، بل والطرف الأقوى بين كافة الاطراف، من حيث قدرته على الوصول إلى منافسيه وتصفيتهم، من ناحية أخرى سكت الاصدار ولم يتبن ولم ينف ما اشيع من قبل أكثر من طرف عن ضلوعه في عملية اغتيال الشيخ مطشر ومحاولة اغتيال الشيخ ابراهيم الهفل، خاصة أن المنطقة، ذيبان وحوايج ذيبان، هي المعقل التاريخي لآل الهفل، وهي ذاتها التي شهدت العدد الاكبر من عمليات الاغتيال، بما فيه عملية اغتييال امطشر الهفل.
وتبدو مسارعة التنظيم إلى نشر هذا الاصدار في اليوم الذي تنادت فيه قبيلة العكيدات للاجتماع والتداول في امر الاغتيال وعلاقتها بقسد، اشبه برسالة إلى هذه القبيلة، تحذرها فيها من مغبة الانسياق أكثر في دعم قسد على حساب التنظيم من جهة، وتبرئة لنفسها من عملية اغتيال امطشر الهفل بطريقة غير مباشرة.
داعش منافس رئيسي “محلياً“:
نرى، وباختصار شديد، إن الاصدار الجديد لداعش موجهة لفئة محلية هي ابناء عشائر ريف دير الزور، وغالباً من عناصر التنظيم وخلاياه النائمة من ذلك الريف ذاته، مفادها أن التنظيم مازال موجوداً وقوياً بما يخص ابناء القبائل على وجه التحديد، وإن أي محاولة للقفز على وجوده، من خلال تكتل قبلي/عشائري، على شاكلة تجربة الصحوات في العراق، سيواجه بالاغتيال والقتل والتفجير. إن هذه الرسالة على خطورتها محلياً ولأبناء المنطقة ذاتها، إلا أنها على الصعيد العام تنبيء بتراجع افق واهتمامات التنظيم، إلى مستوى صراع عشائري محلي، وانغماسه في ثارات وحساسيات شخصية وعائلية، ستحد من جاذبيته مع مرور الوقت، وتخلق له اعداء محليين على القاعدة القبلية الصلبة التي لم يتمكن التنظيم أو سواه من تحطيمها والتغلب عليها.