جسر: متابعات
أعطى النظام السوري مزيداً من المزايا الاقتصادية للإيرانيين، إذ أعلن عن اعتزامه منح طهران مشروعات لإعادة الإعمار في جميع المحافظات بالأمر المباشر، ما يساهم في التوغل الإيراني في قطاعات سورية جديدة.
وكان الصمت والتجميد خيّما على العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، بعد التوقيع على اتفاقيات ومذكرات تفاهم مطلع العام الجاري خلال اجتماع اللجنة العليا السورية – الإيرانية المشتركة بدمشق، لم تجد، بحسب مراقبين، طريقها للتنفيذ.
ولكن عاد الجانبان لتفعيل العلاقات خلال أغسطس/ آب الماضي، عبر ملتقى “التعريف بالفرص الاستثمارية والتجارية بسورية” بطهران، إذ تمت دعوة الشركات الإيرانية لضخ استثماراتها في مرحلة إعادة الإعمار.
والاثنين الماضي، تم الإعلان عن آلية جديدة ستساهم في مزيد من توسيع إيران نفوذها بالاقتصاد السوري خلال اجتماعات اللجنة المشتركة بين الجانبين في مجال الأشغال العامة والإسكان، بهدف “تعزيز التعاون الثنائي والعمل على تحقيق قفزة نوعية في مجال الإنشاء والتشييد وبناء الضواحي والمدن، بما تتطلبه مرحلة الإعمار في سورية”، حسب المسؤولين السوريين.
وأعلن وزير الأشغال العامة والإسكان بالنظام السوري، سهيل عبد اللطيف، عن تأسيس شركة إنشائية مشتركة مع طهران لتنفيذ مشاريع إعادة إعمار البلاد والتي ستغطي كافة المحافظات، لافتاً إلى أنه سيتم إرساء المشاريع بشكل مباشر من دون الحاجة إلى إجراء المناقصات.
ودعا في الوقت نفسه، إلى بدء التنفيذ العملي لمذكرة التفاهم الموقعة بين الجانبين، إذ “إن هناك مجالات وفرصا كثيرة للعمل والتعاون الثنائي يجب استثمارها، وإزالة العقبات أمام مسيرة التعاون من خلال الخطط التنفيذية للمشاريع السكنية والخدمات العامة في سورية”.
وفي هذا السياق، يرى الاقتصادي السوري، صلاح يوسف، أن إعلان هذه الشركة “هو فعل سياسي ورد على روسيا والصين اللتين تسعيان مؤخراً للاستحواذ على المشروعات الكبرى بسورية، لأن طهران تعيش أسوأ أوضاعها الاقتصادية بسبب العقوبات الأميركية، وهي غير قادرة على تمويل مشروعات خارجية”.
ويشير الاقتصادي السوري في حديثه لـ”العربي الجديد” إلى أن عبارة “إرساء المشروعات للشركة المشتركة من دون إجراء مناقصات” هو مخالفة قانونية، لكن نظام الأسد التف على هذه المخالفة على اعتبار أن الشركات الإنشائية السورية، ستكون شريكاً للشركة الإيرانية، ما يعني أولوية إعادة الإعمار للقطاع الوطني. ويضيف: كما أن عبارة “تحقيق قفزة نوعية في مجال الإنشاء والتشييد وبناء الضواحي والمدن بما تتطلبه مرحلة الإعمار في سورية” هي لتضخيم نتائج اللقاء حول أعمال الشركة المشتركة.
لكن ذلك، من نظر يوسف، لا يلغي المعاملة الخاصة التي يحاول نظام الأسد منحها لإيران، وذلك لتوازن علاقته معها بعد منح روسيا أهم المشروعات النفطية ومرفأ طرطوس. ويتابع: لذا يحاول النظام كسب ود إيران عبر منحها مرفأ باللاذقية وربما مشغل ثالث للخليوي ومشروعات بقطاع الكهرباء، والأهم محاولة إيفاء الديون الإيرانية البالغة نحو 34 مليار دولار، ولم يعلن منها إلا ما جاء عبر خطوط الائتمان البالغة 7.1 مليارات دولار.
ويرى مراقبون أن أهمية وخطورة “الشركة الإنشائية المشتركة”، فضلاً عن منحها المشروعات دون أي مناقصة ومنافسة، تكمن في أن قطاع العقارات هو الأكثر تضرراً من حرب نظام بشار الأسد على الثورة السورية منذ اندلاعها في عام 2011، وتهديمه وشركائه عبر الطائرات والبراميل، أجزاء كبيرة من المدن لسورية، لتزيد خسائر قطاع البناء والتشييد عن 190 مليار ليرة سورية، حسب بعض التقديرات.
ويتراجع الوزن النسبي للقطاع العقاري من 4.2 بالمائة في العام 2011، إلى 1.9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، بعدما تراجعت مساهمته بالناتج المحلي من 64 مليار ليرة سورية في 2011 إلى حوالي 17 مليار ليرة العام الماضي، بنسبة انخفاض 73 بالمائة بعدما حقق القطاع نمواً موجباً في 2011 بنسبة 20 بالمائة، مقارنة بالعام الذي يسبقه.
وتتفاوت التقديرات السورية والدولية لتكلفة إعادة الإعمار، بين 250 و400 مليار دولار، وهي أرقام تجعل الميزانية العامة للدولة بسورية للعام المقبل، والمقدرة بنحو 4000 مليار ليرة سورية، والخالية من أية إشارة وتخصيص مبالغ لإعادة الإعمار، قليلة في مواجهة متطلبات الإعمار وإن تم تخصيصها كاملة لهذا الغرض.
ويكشف معاون وزير سابق من دمشق في اتصال هاتفي مع “العربي الجديد”، أن تردي الوضع الاقتصادي بسورية، بعد اشتداد الحصار وتهاوي سعر صرف الليرة أمام الدولار ولأول مرة، إلى 765 ليرة، دفع نظام الأسد “للتحرك من جديد وخلق تنافس بين إيران وروسيا لمنع الاقتصاد من الانهيار”.
ويضيف المسؤول السوري السابق، الذي رفض ذكر اسمه: سيتم تزويد الأسد بدعم مالي مباشر من روسيا، كما ستقفز إيران للأمام أمام أزماتها الداخلية، إلى سورية.
وأوضح أن رجل إيران بدمشق المعمم عبد الله نظام، أوجد أخيراً تسوية وتوافقا وسيتم تزويد نظام الأسد بالنفط عبر رجال أعمال سوريين يدورون بفلك إيران، مضيفاً أنه “ربما تشهد الفترة القريبة تفعيلا لمشاريع مشتركة بين الجانبين ومجمدة، منها سكة حديدية تربط سورية بالعراق وطهران، وتفعيل الاتفاقات التي وقعها الجانبان مطلع عام 2019، بما فيها مصارف إيرانية بسورية وميناء اللاذقية وشركة تجارية متخصصة بالتبادل التجاري وخاصة بقطاع الزراعة”.
وكانت طهران ودمشق قد وقعتا مطلع العام الجاري على 11 اتفاقية ومذكرة تفاهم، طاولت المجال الاقتصادي والعلمي والثقافي والبنى التحتية والخدمات والاستثمار والإسكان ومكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، إضافة إلى التعليم والثقافة والطاقة.
ويقول الاقتصادي السوري محمود حسين لـ”العربي الجديد” إنه على الأغلب سيعتبر تأسيس الشركة الإنشائية السورية الإيرانية وسواها من الاتفاقات بين الأسد وطهران، تدخلا ضمن الوعود والتملك على الورق، وذلك لترضية طهران بعد تحجيم دورها السياسي والعسكري.
ويستدرك حسين: إعادة إعمار سورية قرار دولي والأرجح لن يبدأ إلا بعد تسوية سياسية، كما أن إيران غير قادرة بظروفها المثالية على تمويل إعادة الإعمار، فماذا وهي تعاني الحصار اليوم؟
ويضيف الاقتصادي السوري ستكون مشاريع إعادة الإعمار لمن لديه نفوذ سياسي وعسكري على الأرض، ولكن الأهم أن يمتلك تمويلا ماليا كبيرا ولديه تراكم وخبرات فنية تجعله قادراً على المنافسة.
المصدر: العربي الجديد