مشهد الزوار وقد أحاطت بهم مجموعات عسكرية لحمايتهم، لا يعكس نجاح إيران في مشروعها التبشيري الشيعي، الذي تنفق عليه مالياً بسخاء، وتسخّر جهوداً اعلامية للمضي به قدماً، بالرغم من نجاحها العسكري، وتثبيت سيطرتها على أهم النقاط الاستراتيجية في ديرالزور، حلقة وصل الطريق البّري بين من إيران العراق وسورية فلبنان.
مظاهر نجاح شكلية
بعد أكثر من عام ونصف العام على طرد تنظيم “الدولة” من مناطق غرب الفرات في ديرالزور، ورغم جميع الجهود التي تبذلها طهران للتقدم في ملف زراعة أفكارها العقدية في المجتمعات المحلية، إلا أنها لم تحقق أي نجاح عملي واقتصرت انجازاتها على بعض الأمور الشكلية. ولا تزال دعوتها الدينية تصطدم بالرفض، على الرغم من تسخير عشرات المؤسسات الدينية والاغاثية والثقافية والطبية، والاعتماد على شخصيات عشائرية وشخصيات ثقافية وإعلامية، للمساعدة في التأثير على المجتمعات المحلية.
النجاح الشكلي لإيران على المستوى العقائدي اقتصر على بعض الأمور، مثل بناء الحسينيات والمزارات الدينية ورفع الأذان الشيعي في بعض مساجد ديرالزور، والاحتفال ببعض المناسبات الدينية مثل عاشوراء وغيرها. وتعتبر حالة النجاح الحقيقة لإيران في ديرالزور، نموذج بلدتي حطلة ومراط ذات الغالبية الشيعية، وهي ليست إنجازاً آنياً وإنما تعود إلى بدايات مشروعها في سورية خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.
فراس علاوي مدير شبكة “الشرق نيوز” قال لـ”المدن”، إن “حالات التشيع قليلة جداً في المجتمعات المحلية، وتقتصر على أشخاص هدفهم الحصول على ميزات تتعلق بأمور اقتصادية مثل العطايا المالية أو التقرب من دوائر الدولة الأمنية خاصة ذات الولاء الإيراني”. وأضاف إن “إيران لن تحقق أهدافها العقائدية في المحافظة على المدى المنظور، وما حققته مرهون بفترة وجودها وسوف ينتهي بمجرد تقويض وجودها العسكري في المحافظة”.
أسباب فشل المشروع الإيراني
الصحافي ياسر العيسى من محافظة ديرالزور، يرى أن أسباب فشل إيران في مشروعها العقائدي يعود لنقاط عديدة، أولها “أن هناك نحو 35 في المئة من محافظة دير الزور تقع جغرافياً وسكانياً خارج سيطرة النظام وإيران، وتخضع لسيطرة قسد، وهي تمتد من ريف الرقة شرقاً وحتى الباغوز أقصى الريف الشرقي للمحافظة، و أغلب سكان دير الزور ريفاً ومدينة ما زالوا في عداد النازحين واللاجئين، ويتركزون في الشمال السوري الواقع خارج سيطرة النظام، وهناك نسبة كبيرة في تركيا، وأيضاً في أوروبا، كما أن العاصمة دمشق وريفها جرمانا وصحنايا خاصة تضم عدداً كبيراً من أبناء دير الزور ممن يرفضون العودة لمحافظتهم”.
وفق هذا الواقع، فإن من يوجد من أبناء دير الزور في مناطق سيطرة النظام في المحافظة، لا تتجاوز نسبتهم الـ25 في المئة من العدد الأصلي (سكان محافظة دير الزور قبل 2011 يقدر بنحو مليون ونصف المليون)، وبمعنى آخر عددهم قد لا يتجاوز 300 ألف أو أقل، والبقية يتوزعون في مناطق سيطرة “قسد” ومناطق النزوح داخل سوريا، أو من اللاجئين خارجها. كما أن تنظيم “الدولة” نجح في سنوات سيطرته على المحافظة خاصة في الأرياف البعيدة عن مراكز المدن، في زرع عداء كبير للشيعة ومذهبهم بين السكان، وتخويفهم من المشروع الإيراني الطائفي، لغاية في نفسه، ولتبرير وجوده وسطوته وجرائمه، وهو ما ساهم في وجود حالة رفض كبيرة للتشيُّع في الريف اليوم، وبالتالي كان من الصعب على إيران زرع أفكارها ومذهبها بين سكان هذا الريف حتى الآن.
خطوات بديلة
فشل طهران بالتأثير على المجتمعات المحليّة، دفعها إلى البحث عن بدائل أكثر راديكالية من “التبشير”، مثل شراء العقارات، ومنع سكان العديد من المناطق من العودة إليها، ومن ثم إسكان أتباعها وعائلاتهم الذين تستقدمهم من خارج المحافظة، وبعضهم من جنسيات غير سورية، بهدف تغيير البيئة من خلال فرض عناصر ديموغرافية جديدة عليها، واستغلال حالة التخوف من بقايا التنظيم إضافة إلى اشاعة حالة من الخوف من بقايا تنظيم “الدولة” ودفع السكان المناهضين لـ”داعش” للانتساب إلى الميلشيات الايرانية بهدف دفعها للجوء والتطوع في الميلشيات التابعة لها أو حتى تبني مذهبها من أجل توفير الحماية لها. وعمدت إيران مؤخراً لاستهداف فئات محددة للترويج لمشروعها العقدي وخاصة فئة الشباب، عبر توفير منح دراسية مدفوعة التكاليف في جامعاتها.
النجاح العسكري
من ناحية أخرى، تمكنت إيران من تحقيق نجاح عسكري كبير في ديرالزور، حيث باتت تسيطر على مدن وبلدات استراتيجية مثل البوكمال والميادين والسخنة، اضافة إلى عدد من الأحياء في مدينة دير الزور، وهي نقاط تثبيت مهمة تطل على طريقها البري الواصل بين العراق والمتوسط عبر سوريا.
نجاح إيران العسكري جاء نتيجة عوامل عديدة، أولها عدم قدرة النظام على توفير العدد الكافي من المقاتلين للانتشار في المحافظة، ما فتح المجال لإيران لسد حالة النقص عبر المليشيات الموالية لها مثل “ألوية الباقر” و”حركة النجباء” و”فاطميون”، الذين يخضعون لإشراف “الحرس الثوري”. كما أن تجفيف المنطقة من القوى العسكرية على يد تنظيم “الدولة” سهل مهمة سيطرة إيران العسكرية، فحالة طرد الفصائل العسكرية بعد سيطرة التنظيم على ديرالزور وملاحقة المنتمين لها، جعل المنطقة تفقد قوى يمكن أن يكون لها دور في منع إيران من تثبيت سيطرتها على المنطقة. كما أن المساهمة الأميركية المباشرة بالقضاء على تنظيم “داعش” في المنطقة، ساهم بتمهيد الأرض أمام الميلشيات الايرانية، لاستيلاء سريع، وبسط نفوذ سهل في تلك المنطقة.
المدن ١٨ آب/اغسطس ٢٠١٩