جسر: متابعات:
حتى يحدث متغير كبير لا يبدو أن بارقة أمل تلوح في الأفق حاليًا، وعلى السوريين، الحالمين بالحرية، أن يراقبوا تطور علاقة ترامب بروحاني، وأن يتوقعوا الأسوأ تجاههم
الثابت الوحيد إثر التطورات المتسارعة في المنطقة بعد الهجمات على معملي أرامكو في المملكة العربية السعودية والتي لم يُحسم بعد من أين انطلقت الطائرات التي نفذت الاعتداء أن إيران تقف وراء هذا الاعتداء، إنْ بالمباشر أو من خلال إحدى أذرعها الكثيرة في المنطقة.
هذه الهجمات أتت بعد أيّام قليلة على إقالة/ استقالة مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، أكثر صقور الإدارة الأميركية المعادين لإيران، وتبعتها سلسلة مواقف وتسريبات متضاربة من البيت الأبيض.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لمح إلى إمكانية الرد على الاعتداء الإيراني عبر تغريدات له على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، استدرك وقال ننتظر أن نسمع من السعوديين نتائج تحقيقاتهم. في حين تبقى إيران اليوم على موقفها الحاسم في شأن أي لقاء مع واشنطن، متكئة على عوامل عدة، لعل أبرزها قدرتها على مواصلة أفعالها العدوانية لتقوية موقعها في ظل غياب قرار أميركي واضح بهذا الشأن.
مع كل هذه التطورات، يطرح السوريون على أنفسهم سؤالاً مفصليًا: هل ندفع مجددًا ثمن اتفاق أميركي إيراني؟
إيران التي تصر على التمسك بما كان تم التوصل إليه بعهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ترى «تخبطًا» بالسياسة الأميركية، فهي التي لا تزال تتمسك بشروطها وترى في الوقت نفسه أن الإدارة الأميركية تتنازل عن شروطها واحدًا تلو الآخر، ويبدو تخبطها واضحا خاصة بعد رحيل بولتون. وفي ظل كل هذا، تقول إيران على لسان أحد دبلوماسييها في بيروت إن «ثمن المقاومة أقل بكثير من ثمن الاستسلام للهيمنة الأميركية»، وهي التي لا يتعدى النفط نسبة 25 في المائة من موازنتها كما قال الدبلوماسي، وبالتالي وفق هذا الكلام، فهي قادرة على الصمود وترفض أي تنازل عن أي من المكاسب التي حققتها.
التجربة الإيرانية مع أميركا في الماضي القريب تساعدها فيما تقوم به اليوم، إذ تخلى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عن خطوط حمراء كان قد رسمها في سوريا، عندما استعمل بشار الأسد السلاح الكيماوي ضد المدنيين في الغوطة في 2013. مقابل ما عُرف لاحقًا بمفاوضات سرية كانت تجري بسلطنة عمان بين إيران والولايات المتحدة الأميركية.
وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، سبق وحدد 12 شرطًا تضعها واشنطن للتوصل إلى اتفاق جديد مع إيران، فإن جديدًا لم يتحقق في الشأن السوري خلال فترة إدارة ترامب، بل في الواقع زادت الهيمنة الإيرانية في سوريا وتوسعت سيطرتها ونفوذ ميليشياتها مع غض طرف أميركي واضح، ومن راهن على أن التدخل العسكري الروسي (بموافقة أميركية ضمنية) في سوريا سيضع حدًا للنفوذ الإيراني، أدرك بوضوح بعد أربع سنوات على هذا التدخل أن الدورين الروسي والإيراني متكاملان وإن تنافسا في بعض الأماكن.
تشير الوقائع إلى أنه بعد ثلاث سنوات على وصول ترامب إلى البيت الأبيض، لم تتضح بعد أي استراتيجية أميركية في سوريا، حتى اجتماعات جنيف الأممية غابت وحل مكانها لقاءات آستانه وسوتشي التي ترعاهما كل من روسيا وتركيا وإيران، في ظل غياب عربي كامل عن الملف السوري وانحسار للدور الأميركي في شرق الفرات.
كل ما سبق، يدفع إلى التساؤل: ما موقع سوريا في سلم أولويات الإدارة الأميركية، وهل اللاستراتيجية الأميركية في سوريا هي الاستراتيجية؟ أين يقع ترتيب الوجود الإيراني في سوريا في سلم الشروط الأميركية للتوصل إلى اتفاق جديد؟ وهل تصمد إيران بوجه العقوبات وتبدأ بتقديم التنازلات، أم أنها تدرك أن ترامب، وهو المقبل على انتخابات، لا يرغب في أي تصعيد، فتستمر هي بتصعيدها لتحصل على مزيد من المكاسب؟
إلى الآن، تبدو طهران واثقة من قدرتها على إدارة مفاوضات جديدة مع ترامب بشروط مغايرة لما كان عليه الوضع في 2015، وقد تكون أفضل مما توفر لها في حينه. وإيران التي أعلنت مرارًا أنها سعيدة بسيطرتها على أربع عواصم عربية، تدرك أن دمشق هي همزة الوصل والمفصل الأساسي الذي يربطها بالمتوسط، لن يكون من السهل إخراجها من سوريا طالما أن لا ضغط حقيقيًا تتعرض له هناك، ولا سياسة أميركية واضحة، وفي ظل غياب شبه كامل لأي دعم عربي للسوريين المناوئين لإيران وتكامل دورها مع روسيا وتركيا في المنطقة بشكل عام وسوريا تحديدًا.
إلى حين حدوث متغير كبير لا يبدو أن بارقة أمل تلوح في الأفق حاليًا، وعلى السوريين، الحالمين بالحرية، أن يراقبوا تطور علاقة ترامب بروحاني، وأن يتوقعوا الأسوأ تجاههم، كالعادة.
المجلة ٢٤ أيلول/سبتمبر ٢٠١٩