جسر: متابعات:
وما توقف الأسد عند ظواهر هامشية وتافهة مثل الغارات الإسرائيلية اليومية على ضواحي دمشق، وانصرف إلى احتفالات الانتصار، وتقبل التهاني. صحيفة «تشرين» الخالدة كتبت عن الدروس المستفادة من الحرب الكونية على نظام الأسد المتفوق في الحرب والسلم، أهم تلك الدروس إعادة النظر في الثوابت الثلاثة: ثابت العروبة، وثابت الوطنية السورية، وثابت الإسلام. أما ثابت العروبة في آيديولوجيا البعث فقد تبيَّن أنه لا فائدة منه، بل هو مضرٌّ جداً، إذ وقف أكثر العرب ضد نظام الأسدين الخالد، كما أن شعار القومية مزعجٌ للحلفاء الإيرانيين والروس. ومع أنّ أكثرية الشعب السوري مسلمة، لكنّ الإسلام مزعج أيضاً، إذ تبيَّن أن معظم الناس هؤلاء دواعش، كما أن الشعارات الدينية مزعجة لحلفاء النظام من الروس… والإيرانيين أيضاً، والذين تصدوا مع النظام للتطرف والإرهاب الديني. وقد يظن القارئ – وهكذا ظننتُ في البداية – أنّ الأمر سيرسو عند الكاتب (وهو مستشار وزير الإعلام) على الإبقاء على الوطنية السورية، وتسمية مملكة آل الأسد مثلاً: الجمهورية السورية. لا، لم يتوقف الكاتب عند الوطنية السورية، وقال إن فيها مبالغة، وهي مزعجة لإسرائيل التي قد تُسالِمُ النظام، وتعيد إليه الجولان إنْ صار بلا هوية من أي نوع!
مملكة آل الأسد، التي قتلت خلق كثير من شعبها، وهجّرت ولا تزال أكثر من عشرة ملايين، لا تحتاج إذن – بمقتضى دروس الحرب الضَروس – لا إلى شعبٍ ولا إلى هوية. وما رأى ذلك موظفو النظام وحدهم، بل رآه أهلُ المقامات الدينية المسيحية في سوريا بشتى طوائفهم، وعلى رأسهم أكبر الطوائف المسيحية هناك: الطائفة الأرثوذكسية! لقد اجتمعوا وبالطبع من دون طلبٍ من النظام، وقبل أربعة أيامٍ من احتفال نصر الله بالانتصار على الإرهاب في سوريا ولبنان، وأصدروا بياناً يهنئون فيه السيد الرئيس بالانتصار على الإرهاب، والمؤامرة الكونية، ويشكرونه فيه لأنه دافع عنهم وعن حرياتهم وعيشهم، وتمنوا للوطن في عهده بعد عهد أبيه دوام العز والعزة والازدهار، وقهر الأعداء، ونشر السلام الديني والثقافي. ولم ينسوا في خاتمة البيان الولائي الالتفات إلى مدنية الدولة والتسامُح وليس باعتبارهما مطلباً مأمولاً، بل باعتبارهما واقعاً متحققاً!
في احتفالات الأطراف المتحالفة بالانتصار في سوريا، هناك كلمتان حاضرتان في المشهد كلِّه حضوراً شديداً بيد أنّ أحداً لا ينطقُ بهما، وليس ذلك بسبب الخوف أو الخجل؛ فالذي يقتل الملايين ويهجّر الملايين مثل الأسد وجنوده وإيران وميليشياتها، لا يساوره الخجل أو الخوف. إنما الصمتُ عن التصريح بتحالُف الأقليات، علتُه عدمُ الاكتمال أو عدم الوثوق بالنجاح. أهل النظام السوري يقولون إنه لم يعد هناك شعبٌ سوري، والعائشون من الأكثرية الشعبية في ربوع حكمه إنما ينعُمون بأفضال الأسد في الإبقاء على حياتهم. وأرثوذكس سوريا وكاثوليكها وسريانها، وليس الآن، بل ومن سنوات، يعتقدون في معظمهم أنه لا حياة لهم إلاّ في ظلّ الحكم الأقلوي، وبخاصة بعد ظهور التطرف في أوساط الأكثرية السنية. وبعد دخول الروس (الأرثوذكس) لنجدة نظام الأسد، تجذر هذا الاعتقاد لديهم. والإيرانيون في العراق وسوريا ولبنان شجّعوا هذا الاعتقاد لدى الشيعة في البلدان الثلاثة، وبخاصة بعد أن صاروا هم مظلة الأنظمة الأقلوية، التي احتاجت ولا تزال إلى مساعدة «حزب الله» للبقاء في السلطة.
لقد كان التركيز في السنوات العشر الأخيرة، وعون وباسيل قبل نصر الله على مسألة الإرهاب. ولكي يمكن قياس النجاح والانتشار لهذه الدعوى والدعوة بتحويل البلدان والدول إلى مزارع أقليات أو تخرب، بل ينبغي قياس النجاح لدعوة تحالف الأقليات في التصاعد الهائل لشعبية التيار الوطني الحر في أوساط المسيحيين كما تدل عليه نتائج الانتخابات الأخيرة. هناك خُوافٌ من «السنة»، يشبه الإسلاموفوبيا بأوروبا والعالم. وبالطبع لا مستند له في الواقع، لكنه اليوم صار وعياً عالمياً، وفي كل بلدٍ من بلدان العرب فيه مسيحيون، هناك تيار أو تيارات تدعو إليه وتشجّع عليه، وفي لبنان هناك التيار الوطني الحر ولا يتجرأ سياسي مسيحي وازن على الخروج عليه حتى لا يتهم بمسيحيته. ولنتذكر أنه حتى نصر الله عندما أراد استنفار أنصاره للتدخل في سوريا ضد ثورتها ولم يجد حماساً، احتاج للقول إن هؤلاء «التكفيريين» إن لم يُقْضَ عليهم فإنهم سيغزون النجف وكربلاء وقُم ومشهد!
لماذا هذا التطويل والاستطراد؟ آيديولوجيا «تحالف الأقليات» تقوم مثل الفكرة الصهيونية على «الحل التاريخي والنهائي» المتمثل عند الصهاينة بإزالة الشعب الفلسطيني من طريق التهجير والاستعباد. وفي حالة أقلياتنا فإنّ التشيع الإيراني المنتشر الآن في العراق وسوريا ولبنان هو في حالة استقواء أو فائض قوة. أما الطائفيون أصحاب السيطرة والنفوذ، وأوساط معينة في الأقليات الأُخرى، فإنهم يتهيأون (في مقابل السلطة والنفوذ) للدخول في ذمة الإيراني القوي الذي يتقدم الصفوف في كسر شوكة الأكثرية المشردة الآن في جهات العالم الأربع. وقد ازدادت أعداد السنة بالعراق وسوريا ولبنان المستعدة للتبعية والالتحاق إما لتبقى على أرضها، وإما رجاء المشاركة في «حصة» السنة!
يحتفل النظام السوري بالنصر، وهو قد هجّر من جديد مليون (سني) سوري من أرياف حماة وحلب وإدلب. ويشاركه في الاحتفال زعيم الحزب، رغم تحليق الطائرات فوقه. ويقول له رئيس الجمهورية اللبنانية إنه يعتمد عليه في مكافحة الإرهاب، فيا للعرب!
مملكة آل الأسد، التي قتلت خلق كثير من شعبها، وهجّرت ولا تزال أكثر من عشرة ملايين، لا تحتاج إذن – بمقتضى دروس الحرب الضَروس – لا إلى شعبٍ ولا إلى هوية. وما رأى ذلك موظفو النظام وحدهم، بل رآه أهلُ المقامات الدينية المسيحية في سوريا بشتى طوائفهم، وعلى رأسهم أكبر الطوائف المسيحية هناك: الطائفة الأرثوذكسية! لقد اجتمعوا وبالطبع من دون طلبٍ من النظام، وقبل أربعة أيامٍ من احتفال نصر الله بالانتصار على الإرهاب في سوريا ولبنان، وأصدروا بياناً يهنئون فيه السيد الرئيس بالانتصار على الإرهاب، والمؤامرة الكونية، ويشكرونه فيه لأنه دافع عنهم وعن حرياتهم وعيشهم، وتمنوا للوطن في عهده بعد عهد أبيه دوام العز والعزة والازدهار، وقهر الأعداء، ونشر السلام الديني والثقافي. ولم ينسوا في خاتمة البيان الولائي الالتفات إلى مدنية الدولة والتسامُح وليس باعتبارهما مطلباً مأمولاً، بل باعتبارهما واقعاً متحققاً!
في احتفالات الأطراف المتحالفة بالانتصار في سوريا، هناك كلمتان حاضرتان في المشهد كلِّه حضوراً شديداً بيد أنّ أحداً لا ينطقُ بهما، وليس ذلك بسبب الخوف أو الخجل؛ فالذي يقتل الملايين ويهجّر الملايين مثل الأسد وجنوده وإيران وميليشياتها، لا يساوره الخجل أو الخوف. إنما الصمتُ عن التصريح بتحالُف الأقليات، علتُه عدمُ الاكتمال أو عدم الوثوق بالنجاح. أهل النظام السوري يقولون إنه لم يعد هناك شعبٌ سوري، والعائشون من الأكثرية الشعبية في ربوع حكمه إنما ينعُمون بأفضال الأسد في الإبقاء على حياتهم. وأرثوذكس سوريا وكاثوليكها وسريانها، وليس الآن، بل ومن سنوات، يعتقدون في معظمهم أنه لا حياة لهم إلاّ في ظلّ الحكم الأقلوي، وبخاصة بعد ظهور التطرف في أوساط الأكثرية السنية. وبعد دخول الروس (الأرثوذكس) لنجدة نظام الأسد، تجذر هذا الاعتقاد لديهم. والإيرانيون في العراق وسوريا ولبنان شجّعوا هذا الاعتقاد لدى الشيعة في البلدان الثلاثة، وبخاصة بعد أن صاروا هم مظلة الأنظمة الأقلوية، التي احتاجت ولا تزال إلى مساعدة «حزب الله» للبقاء في السلطة.
لقد كان التركيز في السنوات العشر الأخيرة، وعون وباسيل قبل نصر الله على مسألة الإرهاب. ولكي يمكن قياس النجاح والانتشار لهذه الدعوى والدعوة بتحويل البلدان والدول إلى مزارع أقليات أو تخرب، بل ينبغي قياس النجاح لدعوة تحالف الأقليات في التصاعد الهائل لشعبية التيار الوطني الحر في أوساط المسيحيين كما تدل عليه نتائج الانتخابات الأخيرة. هناك خُوافٌ من «السنة»، يشبه الإسلاموفوبيا بأوروبا والعالم. وبالطبع لا مستند له في الواقع، لكنه اليوم صار وعياً عالمياً، وفي كل بلدٍ من بلدان العرب فيه مسيحيون، هناك تيار أو تيارات تدعو إليه وتشجّع عليه، وفي لبنان هناك التيار الوطني الحر ولا يتجرأ سياسي مسيحي وازن على الخروج عليه حتى لا يتهم بمسيحيته. ولنتذكر أنه حتى نصر الله عندما أراد استنفار أنصاره للتدخل في سوريا ضد ثورتها ولم يجد حماساً، احتاج للقول إن هؤلاء «التكفيريين» إن لم يُقْضَ عليهم فإنهم سيغزون النجف وكربلاء وقُم ومشهد!
لماذا هذا التطويل والاستطراد؟ آيديولوجيا «تحالف الأقليات» تقوم مثل الفكرة الصهيونية على «الحل التاريخي والنهائي» المتمثل عند الصهاينة بإزالة الشعب الفلسطيني من طريق التهجير والاستعباد. وفي حالة أقلياتنا فإنّ التشيع الإيراني المنتشر الآن في العراق وسوريا ولبنان هو في حالة استقواء أو فائض قوة. أما الطائفيون أصحاب السيطرة والنفوذ، وأوساط معينة في الأقليات الأُخرى، فإنهم يتهيأون (في مقابل السلطة والنفوذ) للدخول في ذمة الإيراني القوي الذي يتقدم الصفوف في كسر شوكة الأكثرية المشردة الآن في جهات العالم الأربع. وقد ازدادت أعداد السنة بالعراق وسوريا ولبنان المستعدة للتبعية والالتحاق إما لتبقى على أرضها، وإما رجاء المشاركة في «حصة» السنة!
يحتفل النظام السوري بالنصر، وهو قد هجّر من جديد مليون (سني) سوري من أرياف حماة وحلب وإدلب. ويشاركه في الاحتفال زعيم الحزب، رغم تحليق الطائرات فوقه. ويقول له رئيس الجمهورية اللبنانية إنه يعتمد عليه في مكافحة الإرهاب، فيا للعرب!