يزداد تشابك الخيوط في وجه أنقرة مع التحذيرات الأمريكية وربطها بشكل مباشر بين صفقة إف-35 معها وبين شراء تركيا لمنظومة إس- 400 الروسية. ويعتبر القرار الأمريكي بإقرار تمويل “وحدات حماية الشعب” الكردية بأكثر من 500 مليون دولار في عام 2020 واحدا من أكبر الصعاب في العلاقة بين البلدين.
ويضاف ملف إدلب إلى الأعباء التي تثقل كاهل انقرة حيث يتربص شركائها الإيرانيين والروس والذين بنت معهم مسار أستانة وتوصلت مع موسكو إلى اتفاق في سوتشي يحد من مخاطر الاجتياح العسكري في شمال غرب البلاد.
ودخلت موسكو على خط التصعيد في إدلب لأول مرة منذ توقيع الرئيسين بوتين واردوغان على اتفاق سوتشي في 17 أيلول (سبتمبر) الفائت. وقصف طيرانها الحربي أهدافا محددة شرق طريق حلب- دمشق إ-5 في خان شيخون وريفها الشرقي خصوصا منطقة التمانعة إضافة إلى منطقة التح. وتعرضت سراقب كذلك إلى عشرات الغارات الجوية خلال الأسبوع الماضي حيث قصفها الطيران الحربي الروسي بالصواريخ الفراغية، وتركز القصف على مخيمات صغيرة للنازحين بالقرب من قرية كفرعميم، فيما تعرضت منطقة الدوير الزراعية إلى غارات ليلية مشابهة وكذلك مخيم في سوق البطاطا شمال سراقب. واستهدف الطيران كذلك مدينة إدلب وقصف سجن إدلب المركزي غرب المدينة، أسفر القصف عن عدد من القتلى وهروب مئات السجناء المدنيين وآخرين من الخلايا الأمنية المرتبطة بمخابرات النظام السوري والمرتبطة بعدة تفجيرات في مناطق إدلب، حسب ما أفادت هيئة “تحرير الشام”.
وارتفع عدد الضحايا ليصل إلى 114 منذ بدء خرق اتفاق سوتشي وقصف النظام الذي بدأ في 9 شباط (فبراير) الماضي، وهدد النظام الاتفاق مع بدء قصفه بالطيران التدريبي بداية والطيران الحربي ثانياً.
وأعلنت وزارة الخارجية الروسية الجمعة، أن موسكو “تراقب الوضع في إدلب السورية عن كثب، مشيرة إلى أن مسلحي “هيئة تحرير الشام” يحضّرون هناك لهجوم كيميائي “مفبرك”.
ونقلت وكالة الأنباء الروسية، سبوتنيك، على لسان المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا: “نراقب الوضع في منطقة وقف التصعيد في إدلب عن كثب”. واتهمت مقاتلي “تحرير الشام” أنهم “لا يتوقفون عن الاستفزازات ضد القوات الحكومية، حيث تم تسجيل 460 حادثاً منذ بداية العام، وبلغت حصيلة ضحايا هذه الاستفزازات 30 قتيلا و100 مصاباً”.
وأشارت إلى ما يثير قلق بلادها “هو المعلومات التي تصلنا حول تحضير مسلحي هيئة تحرير الشام بمساعدة من الخوذ البيضاء لمسرحية جديدة باستخدام أسلحة كيميائية، من أجل ان يلقوا مسؤوليتها على القوات الحكومية”.
ومع عدم إمكانية التدخل العسكري الروسي في منطقة شرق الفرات بسبب تواجد القوات الأمريكية، وفي محاولة تعويم النظام كشريك في المعركة “القضاء على داعش”. طالبت زاخاروفا التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن بضرورة “تسليم كافة المسلحين الأجانب الناشطين في سوريا وذويهم للسلطات السورية في دمشق”. منوهة إلى وجود “خلافات في المعسكر الذي تقوده أمريكا حول قضية المقاتلين الأجانب المعتقلين في كل من سوريا والعراق”.
وأضافت: “انطلاقا من تصريحات القيادة الأمريكية، يبدو أن واشنطن بدأت الضغط على الدول الأوروبية لإجبارها على الاهتمام بمصير الجهاديين من مواطنيها، فيما الموقف الأصح من الناحية القانونية والذي يصر عليه الجانب الروسي، يكمن في ضرورة تسليم كل المسلحين والإرهابيين المتبقين في سوريا لسلطات الشرعية في هذا البلد”.
وينفي القصف الجوي الروسي على إدلب عن خلافات ذات قيمة داخل معسكر النظام وحلفائه، على العكس من ذلك، فانه يؤكد فشل أنقرة وموسكو بوضع تفاهمات جديدة على اتفاق سوتشي الذي تأخر تنفيذ جدوله الزمني وخصوصا المتعلق بفتح الطرق الدولية. ومحاربة التنظيمات الراديكالية والإرهابية التي شملها الاتفاق وعلى رأسها هيئة “تحرير الشام” المصنفة كمنظمة إرهابية على القوائم الغربية والقائمة التركية أيضاً.
أنقرة من جهتها ما زالت مرتاحة إلى أنها قادرة على ضبط ولملمة الأوضاع في إدلب حسب ما ينقل بعض المقربين منها من شخصيات في المعارضة السورية. وينظرون بإيجابية بالغة إلى الدوريات التركية التي انطلقت ليوم واحد يوم الجمعة 8 آذار (مارس) والتي تكررت الجمعة الأخيرة 15 آذار (مارس) على حدود نقاط التركية الشمالية المقابلة لعفرين. وتوقفت عند نقطة المراقبة في تل العيس فيما انخفضت حدة القصف مع بدء تحركها.
ويذكر أن تركيا بوصفها ضامن المعارضة في اتفاق سوتشي، لاقت موجة انتقادات كبيرة، عبر الكثيرون خلالها عن خيبتهم من الدور التركي بعد القصف الذي بدأت مع انتهاء جولة الدورية التركية، بل وتعرضت منطقة “خفض التصعيد” قصفا كثيفا تتوج بدخول الطيران الروسي على خط المواجهة. وفي حين كان تخبر نقاط المراقبة التركية وجهاء البلدات وممثلي المجالس انها تضغط على موسكو لوقف خروقات النظام، تبين أن الروس جزء من التصعيد ولا يقتصر الأكر على مباركة فقط.
وكذلك فإن منطقة شرق طريق حلب – دمشق، التي خضعت إلى تنسيق روسي تركي خلال الدوريات، حيث رافق طيران الاستطلاع الروسي دوريات الجيش التركي، قد تعرضت إلى قصف براجمات الصواريخ والمدفعية وإلى هجوم جوي روسي مركز. وهو ما يحرج تركيا ويشكك كثيرا في مقدرتها على حماية المنطقة من إدلب، ويشير إلى انحسار دورها إلى حماية نقاط مراقبتها ووقف القصف فقط عندما تتحرك دورياتها وهذا أيضا يحتاج إلى تنسيق مع القاعدة الروسية في حميميم قبل بدئه منعا لوقوع أي خطأ يؤثر على سلامة الجنود الأتراك.
وأمام التحديات الكبيرة في وجه تركيا المتمثلة في فتح طرق الترانزيت، يتبين أن عليها النظر إلى إدلب بالعين الروسية قليلاً من اجل تنفيذ الاتفاق، حيث لا يعتبر فتح الطريق هو التحدي الكبير فقط وانما عليها ايضا التحرك للتخلص من بعض التنظيمات الممانعة للاتفاق وكونها تتبع استراتيجية تقوم على تفكيك “تحرير الشام” من الداخل فهذا لا يمنع أن تتحرك مع حلفائها لضرب التنظيمات المعلنة رفضها لاتفاق سوتشي، والتخلص من الجماعات الاكثر تطرفاً.