جسر – صحافة
جولات الممثل الخاص للرئيس الروسي في سوريا ألكسندر لافرنتييف لا تثير حولها عادة إهتماماً إعلامياً ملحوظاً، وذلك لكثرتها من ناحية ولتحول المأساة السورية إلى حدث يومي يتكرر فصولاً منذ أكثر من 11 عاماً. لكن جولته الأخيرة بين موسكو والرياض التي غادرها في اليوم عينه إلى دمشق لفتت الإنتباه إلى ما يمكن أن تكون قد حملته من جديد في موقف الرياض من الأسد. لكن الإعلام الروسي لم يولِ الأمر إهتماماً يذكر، وكل ما ورد في وكالات الأنباء هو خبر حدوثها، وأن اللقاء بين لافرنتييف وولي العهد السعودي محمد بن سلمان تناول تطورات الوضع في سوريا.
موقع الخدمة العربية في”الحرة” الأميركية رأى في اللقاء “جهوداً روسية بين الرياض ودمشق”، واعتبر أن التطبيع وارد “رغم” غياب المؤشرات. وفي حين ذكرت وكالة “رويترز” أن اللقاء تناول تطورات الوضع في سوريا، قالت وكالة “سانا” السورية أن اللقاء دار “حول التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية، والقضايا السياسية ذات الإهتمام المشترك مع موسكو”. وينقل عن محلل سياسي سوري قوله بأن موسكو تقوم بدور الوسيط بين دمشق والرياض، وأنها تؤيد عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في زيارته للرياض العام الماضي. واعتبر هذا المحلل أن زيارة لافروف كانت وراء تصريح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان شتاء العام الماضي، حيث اعلن عن دعم الرياض لعودة سوريا إلى محيطها العربي، وأن الحل في سوريا لن يكون إلا سياسياً. لكنه رأى أن الرياض لن تسارع إلى تطبيع علاقاتها مع الأسد، وذلك بمعزل عن اي جهد روسي، إذ ليس من مؤشرات عن زيارات رفيعة المستوى حالياً، أو إعادة افتتاح قنصلية أو سفارة سعودية في دمشق. لكنه يرى أن الرياض “لن تكون حجر عثرة” أمام اي تسوية تحقق “المصالح الوطنية” السورية في المقام الأول.
آخر حديث أدلى به للصحافة ألكسندر لافرنتيف عن مستقبل التسوية السياسية في سوريا كان في 23 الشهر المنصرم، وذلك في مقابلة مع الصحيفة السياسية الروسية Kommersant. وجاءت المقابلة بمناسبة إختتام اللقاء 17 لمنصة أستانة في عاصمة كازاخستان، قال فيها بأن من المهم لأطراف المنصة إقناع الأميركيين بالخروج من سوريا. ورداً على سؤاله عن مصالحة درعا التي اعتبرها إنجازاً مهماً، قال بأن فشل المصالحة السابقة كان بسبب تدهور الوضع الإجتماعي الإقتصادي الناجم عن سياسة “الضغط الإقصى على سوريا” التي اتبعها الممثل الخاص في سوريا للرئيس الأميركي السابق جيمس جيفري. ورأى أن هذه السياسة هي المسؤولة أيضاً عن زعزعة الإستقرار في العراق ولبنان، و”يكفي أن نلقي نظرة على الإقتصاد اللبناني”.
وعما إذا كان يرى تغيراً في نظرة الأميركيين إلى التسوية السياسية في سوريا، وما إذا كانوا يرون حلولاً توافقية مع روسيا بهذا الشأن، قال لاقرنتيف بأن الأميركيين يصرحون الآن بأنهم لا يضعون نصب أعينهم تغيير النظام في سوريا، أي تبديل “السلطة الشرعية برئاسة بشار الأسد”. لكن هذا يبقى كلاماً، وهم في كل الأحوال يعتبرون أن النتيجة المرغوبة للعملية السياسية تبقى في نقل السلطة من الرئيس بشار الأسد.
وعن حتمية مغادرة الأسد بعد 7 سنوات بنتيجة الإنتخابات، قال لافرنتييف بأن لا أحد خالداً، وهذه رئاسته الأخيرة. ويعتقد بأن الأميركيين يدركون بأن ثمة واقعاً ينبغي التعامل معه، ومن غير المجدي مقاومته. وهم يدركون أيضاً أنه لا يمكن القيام بذلك بالوسائل العسكرية، كما لا يمكن تغيير النظام بواسطة الضغط الأقصى الذي كانوا يعتمدون عليه. وحين تدهورت قيمة الليرة في سوريا ولبنان، كانوا يأملون أن تحدث إضطرابات كما حدث في لبنان، تؤدي إلى تغيير الحكومة والسلطة، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، فهم لا يعرفون مطلقاً “العقلية السورية”.
توجهت “المدن” إلى عدد من الكتاب السياسيين والخبراء الروس بالسؤال عن رأيهم في زيارة لافرنتييف إلى الرياض، وعما إذا كان عرج على سوريا لإبلاغ الأسد بمستجد ما في الموقف السعودي منه.
الخبير في المجلس الروسي للعلاقات الدولية وفي معهد الشرق الأوسط في واشنطن أنطون مارداسوف، قال بأن زيارات لافرنتييف إلى المنطقة، وبغض النظر عن صفته، غالباً ما تحمل طابعاً تكتيكياً، وبالدرجة الأولى بسبب موقف نظام الأسد. وغالباً ما كان يعهد لأكسندر لافرنتييف مهمة إقناع الأسد بالإقدام على خطوات تجميلية بسيطة لا يقدم عليها. إفتراضياً، الزيارة إلى السعودية ومن ثم دمشق قد تكون مرتبطة بمحاولات إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وكذلك للحصول على دعم الرياض والتطوير التدريجي للبيزنس الصغير في جنوب سوريا، ومناقشة موقف القبائل الصديقة والقريبة من السعوديين المنضمة إلى “قوات سوريا الديموقراطية”. موسكو تحاول تعزيز مواقعها في شرق سوريا، وتعتبر السعودية والإمارات كقوى محتملة للمساعدة في ذلك. في وقت سابق كانت لدى السعودية والإمارات خطط لإعادة التوازن الى مكونات اللجنة الدستورية، وقد تكون روسيا تحاول إعادة العمل بهذا السيناريو. لكنه لا يعتقد بإمكانية نجاحه في ظل إعادة العلاقات بين تركيا والسعودية والإمارات.
لكن وبالنظر إلى موقف دمشق، حتى من القضايا الصغيرة، مثل عبور الشاحنات من سوريا إلى الأردن أو العراق متوجهة إلى السعودية ، يجب أن يناقشها الممثلون الروس بسبب سياسة النظام غير الملائمة في مجال الرسوم.
ويقول بأن اللافت في زيارة لافرنتيف إلى السعودية تزامنها مع زيارة الرئيس الإيراني إلى موسكو، ولذا ليس من المستبعد أن يكون الأمر متعلقاً بمساومة إقليمية ما. لكنه يعتقد بأنه إذا كان الأمر يتعلق بالوجود الشيعي في سوريا، فالأولوية تكون للمفاوضات مع إسرائيل وليس مع السعودية.
البوليتولوغ وخبير النادي الدولي للحوار “فالداي” فرهاد إبراغيموف يرى أن السعودية أخذت بالإعتبار أن روسيا تمركزت نهائياً في سوريا. وهي تدرك أن الأسد باق تضمن أمنه روسيا بالدرجة الأولى، وإلى حد ما إيران، لكن موسكو بالذات هي اللاعب الرئيسي. موقف موسكو ثابت من الإنتخابات التي يجب أن تجري، وأن يشارك فيها الأسد. ويرى أن السعودية مستعدة للتطبيع التدريجي للعلاقات مع الأسد، وموسكو سوف تلعب هنا حلقة الوصل. ولهذا بالذات قام لافرنتييف بزيارة الرياض أولاً ومن ثم دمشق، وذلك من إجل إقامة حوار يؤدي في نهاية المطاف إلى نتائج إيجابية. ويرى أنه قد تبلور في الشرق الأوسط والغرب إدراك بأن الأسد باق لن يقدم إستقالته، وسوف يستمر بتعزيز وضعه. الأمر صعب، لكن حتى تركيا سلّمت به.
المتابع لقضايا الشرق الأوسط في صحيفة NG إيغور سوبوتين قال بأنه لا يعتقد بأن تغيراً ما طرأ على موقف السعودية من سوريا. فالمملكة لا يناسبها مطلقاً إعادة العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد بشكل علني، وذلك لأن قسماً من النخبة السياسية السعودية لن يتقبله. وهو لا يعتقد أن المملكة سوف تقدم على إستعادة وجودها الدبلوماسي الكامل في دمشق في حياة الملك سلمان، مع العلم أن الرياض تقف من الملف السوري موقفاُ أقل تشددا من موقف الدوحة.
ويعتقد أن الموضوع الأكثر إحتمالاً لمحادثات لافرنتييف مع المسؤولين السعوديين كان يمكن أن يكون موضوع عضوية سوريا في الجامعة العربية. ويرى أن وجود رئيس المخابرات العامة السعودية الحميدان يطرح إحتمال تطرق المحادثات للنفوذ الإيراني في سوريا.
ولا يعتقد سوبوتين أن كل مضمون المحادثات الروسية السعودية يتم إبلاغه للاسد، حيث توجد أمور ليس من الضروري أن يعرفها.
المصدر: موقع المدن