جسر:مقالات:
لم يتوقع القائمون على إطلاق “نداء التحالف العربي في الجزيرة والفرات”، وبينهم رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب، أن يكون رد الفعل الكردي على إعلان النداء متوتراً إلى الدرجة التي ظهر عليها، خصوصاً من جانب المجلس الوطني الكردي، الذي اعتبره خطوة خاطئة ومرفوضة، تسهم في زيادة الاستقطاب القومي في المنطقة، والأهم أنها تستهدف الحوار الكردي-الكردي الذي استؤنف نهاية نيسان/أبريل 2020 برعاية أميركية.
وبينما يبدو حزب الاتحاد الديمقراطي مكتفياً بما لديه من حلفاء عرب في الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها، شعر المجلس الوطني الكردي بأهمية أن يكون لديه شريك عربي، فكان أن وجد ضالته في “المجلس العربي”، أحد مكونات “تيار الغد” الذي يقوده رئيس الائتلاف الوطني الأسبق أحمد الجربا.
كان الأخير قد غاب عن المشهد بشكل شخصي منذ ست سنوات تقريباً، لم يظهر خلالها إلا نادراً، تاركاً مهمة إبقاء اسمه في التداول لتيار الغد الذي كان قد أعلن عنه من القاهرة عام 2016، بينما تفرّغ تقريباً لإدارة أعماله ومشاريعه التجارية التي يقال إنها من الأموال التي قدمتها له السعودية خلال فترة رئاسته للائتلاف. وبينما تتحدث بعض الأرقام عن خمسين مليون دولار، تقول أخرى إن المبالغ أضعاف ذلك.
وللدلالة على ضخامة المال السعودي الذي يقول خصوم الجربا إنه استحوذ عليه، يستشهد هؤلاء بالمؤتمر التأسيسي لتيار الغد الذي حضره محمد دحلان القيادي الفلسطيني المقرب من الإمارات، ومحمد رشيد المستشار الاقتصادي للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات والمدير الحالي لأموال أرملته سهى، كما يؤكدون أن أحمد الجربا بات مصنفاً على اللائحة الحمراء السعودية منذ أكثر من خمس سنوات بسبب ذلك، وأن الرياض رفضت محاولاته إعادة التواصل مع المملكة.
إلا أن المقربين من رئيس تيار الغد ينفون كل ما سبق ويؤكدون أنها مجرد اتهامات باطلة لفّقها خصوم الجربا السياسيين لتشويه صورة وتاريخ زعيم التيار، هذا التاريخ الذي لا يبدأ مع انطلاقة الثورة، وإن كان قبل ذلك ليس بالتاريخ المهم.
فأحمد الجربا المولود عام 1969، هو ابن أسرة مشيخة قبيلة “شُمّر” التي تعتبر من أكبر القبائل العربية في سوريا، وابن عمه هو الشيخ حميدي دهام الجربا، القيادي في مجلس سوريا الديمقراطي، ورئيس “قوات الصناديد” أحد أهم التشكيلات العربية في قوات “قسد”، لكنه لم يكن معروفاً على المستوى العام حتى في مناطق تمركز القبيلة في الجزيرة السورية، إلى أن تم انتخابه وبشكل مفاجئ رئيساً للإئتلاف الوطني عام 2013.
استفاد الجربا في ذلك الوقت من تزكية معارضين مخضرمين له، وتقديمه كشخصية تمتلك مجموعات ميزات تجعل من اختياره لهذا المنصب في صالح الجميع. فهو من ناحية ابن أكبر قبائل سوريا وعشائرها، وهو من ناحية أخرى ابن منطقة الموارد النفطية التي باتت بيد أبناء تلك المنطقة، بالإضافة طبعاً إلى أنه مقرب من السعودية وقادر على جلب تمويل مالي كبير للإئتلاف من السعودية، وفي الوقت نفسه غير مرفوض من القطريين والأتراك، ناهيك عن أنه لن يتمكن من الهيمنة على شيء بالنظر إلى صلاته المحدودة وتاريخه السياسي الضعيف.
لكن الجربا وخلال دورتي رئاسته للائتلاف اللتين امتدتا من تموز/يوليو 2013 حتى منتصف العام 2014، بدا صاحب شخصية قوية فرضت نفسها على الجميع، كما انقلب على ميشيل كيلو وبات متحكماً في المنبر الديمقراطي الذي يقوده الأخير، ولم يغادر موقعه حتى تمكن من فرض المرشح المدعوم من قبله لرئاسة الائتلاف هادي البحرة.
استقطب الجربا بعد ذلك مجموعة تشكيلات من الجيش الحر مكوناً فصيل “قوات النخبة” وأمده بالأموال وعمل على ضمه إلى الفصائل المعترف بها من قوات التحالف الدولي، قبل أن تعلن هذه القوات انفصالها عنه في أب/أغسطس 2019، بسبب توقف الأخير عن تقديم الرواتب لمقاتليه.
غاب الجربا بعد ذلك بشكل كامل تقريباً عن الأضواء، إلى أن أعلن المجلس الوطني الكردي في نهاية تموز/يوليو 2020 تشكيل “جبهة الحرية والسلام” في شمال شرقي سوريا، بمشاركة المجلس العربي الذي يقوده تيار الغد وزعيمه أحمد الجربا، بالإضافة إلى المنظمة الأشورية السورية، الأمر الذي اعتُبر رد فعل من المجلس على إعلان “النداء العربي للتحالف الديمقراطي في الجزيرة والفرات” بشكل عام، وضد الاسم الأبرز في هذا النداء، رياض حجاب بشكل خاص.
وبينما يعتقد المجلس الوطني الكردي على ما يبدو أنه بإمكانه الاستفادة من الخلفية العشائرية لشريكه الجربا من أجل استقطاب المكون العربي إلى صفه، ليس فقط بمواجهة منافسه الكردي، حزب الاتحاد الديمقراطي، بل وكذلك منافسه المحتمل رياض حجاب، يرى المؤمنون بإمكانات وحظوظ الأخير أن حجاب يمثل وجه العشيرة المدني، ورجل القواسم المشتركة بالنسبة لجميع السوريين.
فرغم أنه ابن عشيرة السخانة ومركز ثقلها في بادية حمص، إلا أنه ولد وعاش مراحل حياته الأولى في مدينة الشدادي جنوب محافظة الحسكة، حيث عمل والده موظفاً في شركة نفط الجبسة، قبل أن تنتقل أسرته للإقامة في مدينة دير الزور التي بدأ فيها رحلته كقياديٍ في حزب البعث، فتمت تسميته في منصب أمين فرع الحزب في دير الزور، ومحافظاً لأكثر من مدينة، قبل أن يُعين رئيساً للحكومة سنة 2012، العام الذي شهد انشقاقه عن النظام.
وبينما يعتبر الجربا شخصية مثيرة للجدل، ومتهمة من قبل الكثيرين، فإن رياض حجاب حافظ على إسمه بعيداً عن شبهات الفساد إلى درجة أن النظام نفسه لم يتمكن من توجيه اتهامات له على هذا الصعيد بعد انشقاقه، ما يجعل المتحمسين له يعتقدون أنه سيكون مقبولاً حتى من المؤيدين وحاضنة النظام في أي حل سياسي قادم، على الرغم من اتهامه بالدكتاتورية خلال فترة رئاسته الهيئة العليا للمفاوضات، ووضعه في خانة صقور المعارضة ومتطرفيها، ما جعل الروس يضعون (فيتو) حاسماً ضده، وهو ما قد يكون أحد أسباب اصطحاب المجلس الوطني الكردي لأحمد الجربا إلى موسكو مؤخراً.
ما بين أحمد الجربا المثير للجدل، ورياض حجاب الشخصية التوافقية لكن الغارق في التحفظ، يدور صراع بين القوى المهتمة بشرق الفرات على شخصية تمثل المكون العربي فيها، وهو أمر لن تحكمه في النهاية الشعبية الجماهيرية والقدرة على التأثير والنفوذ على الأرض فقط.
المصدر: صحيفة المدن