كشف قرار وزارة الإعلام المتضمن قائمة بقيمة تعويضات العمل الإعلامي والصحافي في سوريا عن الأزمة العميقة التي يعيشها الإعلام السوري الرسمي، إذ بلغ أجر كتابة خبر 45 ليرة سورية! أي أقل من تعريفة ركوب حافلة نقل عام داخل المدينة، التي تعادل 50 ليرة، (الدولار الأميركي = 550 ليرة)، أي أن مكافأة 10 أخبار تبلغ نحو دولار واحد.
يستفيد من قرار وزارة الإعلام كل من يساهم بشكل مباشر في إنجاز العمل الإعلامي، والعاملون في وزارة الإعلام وجميع مديريات الإدارة المركزية ومديريات الإعلام في المحافظات. وتضمنت المادة الثانية من القرار أسماء مواد الاستكتاب، ومقدار التعويض عليها بالليرة السورية؛ الخبر 45 – 150 ليرة، الخبر الميداني (مراسل) 375 – 750، (تقرير) 75 – 300، (تقرير ميداني) 525 – 3750، تقرير رصد الإعلام الخارجي 2000 – 3000، تقارير الاطلاع ورصد مواقع التواصل والمكتب الصحافي والإعلام الإلكتروني والوكالات والرصد العبري والتركي والإعلام المحلي مبلغ يتراوح بين 1000 و1500 ليرة سورية.
ويشار إلى أن كل مؤسسة إعلامية رسمية كبرى، فيها قسم مخصص للرصد، على غرار ذلك الموجود في الأجهزة الأمنية؛ حيث تتولى هذه الأقسام متابعة ما يكتب عن سوريا، ولا سيما وسائل الإعلام التي تصنفها وزارة الإعلام السورية بـ«المعادية». وتوسع عمل هذه الأقسام خلال سنوات الحرب ليشمل مواقع التواصل الاجتماعي، لملاحقة أي مناهض للنظام. وغالبية التقارير الصادرة عن تلك الأقسام تذهب بشكل خاص إلى مراكز القرار للاطلاع، وقد يستفاد من بعضها في إنتاج مواد إعلامية للرد على الدعايات المعادية.
صحافي سوري متقاعد بيّن لـ«الشرق الأوسط» أن القائمة الصادرة مؤخراً جاءت لرفع سقف أجور العمل الإضافي للعاملين الذين يتقاضون رواتب شهرية ثابتة، وللإعلاميين المتعاونين، بحيث لا يقل ما يستحقه الإعلامي في المؤسسات الرسمية عن مجموع عمله بحد أدنى 20 ألف ليرة شهرياً (40 دولاراً)، بعد حسم نحو 20 في المائة ضرائب، تفرضها الحكومة ونقابة الصحافيين على تعويضات الاستكتاب. وقد شاع أن الحكومة تدرس زيادة الضرائب لتصل إلى 65 في المائة، إلا أن الحكومة اكتفت بإصدار قرار بخفض الإنفاق الجاري في وزارة الإعلام بنسبة 25 في المائة. من إجمالي الاعتمادات المخصصة لنفقات إدارية، وتشمل تعويضات المراسلين في المحافظات، ومن خارج سوريا، بالإضافة إلى التعويضات البرامجية والدراما! وهكذا قبل أن ينعم الإعلاميون برفع سقف التعويضات سحبت الحكومة الزيادة، بزعم الأزمة المالية التي تعانيها المؤسسات الحكومية التابعة للنظام. وقالت مصادر إعلامية في دمشق إن الإعلاميين العاملين في المؤسسات الرسمية غاضبون من ضغط نفقات الإعلاميين الفقراء أساساً، وقالت المصادر إن وزير الإعلام يبدو محرجاً وعاجزاً عن تحسين وضع الإعلام، ويسعى لثني الحكومة عن قرارها.
المشكلة بحسب الصحافي المتقاعد، «أن سعر كتابة الخبر كان وما زال لا يساوي قيمة الحبر الذي ينفق في كتابته، فأسعار الأقلام تبدأ من 200 ليرة سورية»، ومع أن الكتابة لم تعد تستهلك الأقلام بوجود اللابتوب، لكن برأيه «القلم يصلح وحدة قياس لأجور العمل الإعلامي، وكذلك أجور النقل بالنسبة للعمل الصحافي الميداني، فقرار وزارة الإعلام يحدد تعويض الخبر الميداني ما بين 375 و750، بينما سعر لتر البنزين 250 ليرة، علماً بأن الوصول إلى أي موقع داخل المدينة لا تقل تكلفته عن 1500 ليرة، ولتغطية هذه النفقات، على الصحافي ابتكار من 2 إلى 4 أخبار في المهمة الواحدة». الأمر الذي يجعل الإعلامي يلهث لمراكمة أكبر كم من المواد الإعلامية بغضّ النظر عن المستوى المهني، فتعويضات تحرير 20 خبراً خلف المكتب خلال ساعات الدوام الرسمي، أفضل من خبر ميداني واحد قد يستغرق يوم عمل كاملاً، وربما أكثر.
وبهذا يبرر الصحافي المتقاعد غياب المهنية عن الإعلام الرسمي، وكأنه إعلام هواة، بعيد عن الاحترافية وعصيّ على التطوير، رغم عمره المديد، لأن «أي إعلامي محترف لا يمكنه الاستمرار في العمل تحت هذه الشروط»، مؤكداً «أن المشكلة المضافة إلى التدني المخجل في التعويضات هي الفساد، حيث يتم تقاسم الكتلة المالية المخصصة للتعويضات بين أصحاب الحظوة، فأجر افتتاحية رئيس تحرير تكون ما بين 6 آلاف إلى 10 آلاف، ما يستحوذ على النسبة الكبرى من الكتلة المالية، على حساب الإعلاميين الجدد، ممن يزج بهم في الميدان لمواجهة الأخطار، فمرافقة وفد عسكري داخل وخارج دمشق تتراوح من 1500 إلى 6000 ليرة لليوم الواحد كحد أقصى».
وكان وزير الإعلام السوري عماد سارة قد أكد لدى مناقشة موازنة وزارته في مجلس الشعب نهاية العام الماضي أن وزارته «تعمل بجدية لتوفير الأدوات اللازمة لتطوير العمل الإعلامي»، لافتاً إلى أن النظام المالي الذي تقترحه وزارته للمؤسسات الإعلامية «يتناسب مع طبيعة العمل الفكري، ويؤمن دخلاً مرضياً للعاملين في المجال الإعلامي».
وجاء تسريب قائمة الأجور إلى وسائل الإعلام غير الرسمية، ليشعل موجة من الانتقادات لوزارة الإعلام وللإعلام الرسمي، في بلد تدنى فيها الدخل من 300 دولار قبل الحرب إلى ما دون 60 دولاراً شهرياً، في حين ارتفعت تكاليف العيش بالحد الأدنى من 200 دولار شهرياً إلى 600 دولار، وهو رقم قد لا يحلم أي إعلامي رسمي بتحصيله، دون سلوك طرق التفافية، أو التعاون مع وسائل إعلام خارجية، إضافة إلى عمله، ليصح إلى حد بعيد تعليق أحد الإعلاميين المحليين بأن «فتح بسطة جوارب على الرصيف، أجدى من العمل في الإعلام الرسمي السوري». ويشار إلى أن الإعلام الرسمي فقد أكثر من 30 إعلامياً قتلوا خلال سنوات الحرب، في حين سجلت منظمات حقوقية معارضة مقتل ما لا يقل عن 634 ما بين صحافي ومواطن صحافي خلال 7 سنوات، أي بمعدل صحافيين كل أسبوع.
صحافية تعمل في جريدة رسمية أكدت «أن شح التعويضات وظروف العمل السيئة واحدة من عدة مشكلات أخرى معقدة، تتفرع عن المشكلة الأساسية التي هي غياب الحرية الإعلامية». وتابعت موضحة: «الإعلام الرسمي متهم بالكذب، ويتعرض للإهانة من قبل الجميع، بدءاً من رجل الشارع العادي، وانتهاء بأرفع مسؤول في البلاد. الجميع يطالب بإعلام حقيقي، في مؤسسات تغيب عنها كل مقومات الإعلام، التي أولها اتساع هوامش التعبير، التي للأسف زادت ضيقاً خلال الحرب حتى كادت تتلاشى». ومن المحزن – تقول الصحافية – أن الإعلامي السوري «مأكول مذموم» في ظروف عمل لا ترحم.
وتعاني وزارة الإعلام السورية من ترهل كبير في عدد العاملين، المقدر عددهم بنحو 9 آلاف موظف، 60 في المائة يعملون في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ويستهلكون القسم الأعظم من ميزانية الوزارة، المقدرة بـ13 مليار ليرة سورية، أي أقل من 20 مليون دولار، وحاولت الوزارة قبل نحو 4 سنوات تحت إلحاح من الحكومة تخفيض نفقاتها، من خلال إغلاق قناة «تلاقي» التلفزيونية قبل إتمامها العام الثالث، كما تم إغلاق القناة التلفزيونية الأرضية، وإذاعة صوت الشعب.
ويتبع وزارة الإعلام كثير من المؤسسات. منها وكالة الأنباء «سانا»، والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وصحيفتان مركزيتان تصدران في العاصمة «الثورة» و«تشرين»، و5 صحف في المحافظات حمص وحماة واللاذقية وحلب ودير الزور، إضافة إلى مؤسستي الإعلان وتوزيع المطبوعات.