على تلة ترابية تفصل “قوات سوريا الديموقراطية” عن مخيم الباغوز، الذي يُسيطر عليه تنظيم “الدولة الإسلامية”، جلست سلوى لتستنشق رياح الحرية التي بدأت تمتزج بورود ربيع أخضر غطى بادية ديرالزور.
سلوى، 36 عاماً، أيزيدية من قرية تل قصاب في سنجار، اختطفها التنظيم مع والدتها وأختها الصغرى أواخر العام 2014، قبل أن يُطلق سراحها، الجمعة، مع مجموعة من المختطفات.
تتحدث سلوى والدموع تنهال من عينيها، عن ممارسات عناصر التنظيم ضد الأيزيديات. تقول لـ”المدن”: “دخلنا السجون وتعرضنا لأبشع أنواع التعذيب، تم استعبادنا من مقاتلي التنظيم لإشباع رغباتهم الجنسية، وفي الفترة الأخيرة قاموا بقتل الكثير من المختطفات وتم دفنهن بمقابر جماعية”.
سلوى لم تجد منفذاً من العذاب، إلا بالزواج من داعشي طاجكستاني، طيلة فترة اختطافها، بسبب تحدثه اللغة الكردية وللخلاص من التعذيب التي كانت تتعرض له داخل سجون التنظيم.
المعركة متوقفة
المعارك متوقفة لليوم الثالث على التوالي، بين “قسد” و”داعش” في محيط مخيم الباغوز، آخر الجيوب التي يُسيطر عليها التنظيم شرقي نهر الفرات.
توقف المعركة جاء بعد توصل الطرفين إلى اتفاق تهدئة، يقضي بوقف القصف الجوي من “التحالف الدولي” على المخيم، مقابل إطلاق التنظيم سراح معتقلين لديه، والسماح لمن يرغب من مقاتلي التنظيم وعائلاتهم بالخروج من المخيم.
“داعش” أطلق ليل الخميس/الجمعة، سراح قرابة 50 شخصاً، بينهم مقاتلون من “قسد” ومختطفات أيزيديات مع أطفالهن، إضافة لأربعة أطفال من الطائفة الشيعية اعتقلهم التنظيم من مدينة حديثة العراقية قبل سنوات.
وتستمر عملية خروج مقاتلي التنظيم وعائلاتهم من المخيم تحت إشراف “التحالف الدولي”، وشهدت الساعات الماضية خروج 250 شخصاً بينهم 75 مقاتلاً، والبقية من النساء والأطفال، بينهم جرحى وحالات طبية حرجة.
وتقوم “قسد” و”التحالف الدولي” بنقل مقاتلي التنظيم وعائلاتهم إلى حقل العمر النفطي لتحقيق معهم، ثم نقلهم في مرحلة لاحقة إلى مخيم الهول جنوبي الحسكة.
ويتوقع أن تستمر الهدنة بين الطرفين إلى أن يتم خروج جميع الراغبين بالاستسلام، كما تحاول “قسد” استثمار التهدئة للعمل على تحرير جميع المعتقلين في سجون التنظيم، خاصة مقاتليها.
“داعش” يستعد
يستغل عناصر “داعش” الرافضين للاستسلام فترة الهدنة لتعزيز الخطوط الدفاعية، خاصة البساتين المحيطة بالمخيم ومنطقة تلة الجهفة شمالي المخيم.
وحفر التنظيم المزيد من الإنفاق والخنادق داخل مناطق سيطرته، لضمان تنقل مقاتليه بين الجبهات لتجنيبهم قصف طيران “التحالف”، كما زرع المزيد من الألغام بهدف إعاقة أي محاولة تقدم بري للقوات المهاجمة.
ويعتبر سلاح المفخخات أهم الأسلحة التي سوف يعتمد عليها التنظيم في حال استئناف المعركة. وتم توزيع سترات واحزمة ناسفة، على جميع مقاتلي التنظيم المتبقين، لاستخدامها في حالات الضرورة، وقام شرعيو التنظيم بأخذ بيعة الموت من المقاتلين.
تحركات التنظيم تقابلها مساعٍ من “قسد” لتغيير تكتيكها العسكري، الذي فشلت خلاله في اقتحام المخيم عبر التمهيد المدفعي والجوي ثم الاقتحام البري.
وستعتمد “قسد” على تركيز القصف الجوي والبري على تلة الجهفة، التي تعد أكبر عائق يواجه القوات المهاجمة في حال التقدم البري، بهدف السيطرة عليها، ما سيساهم في سقوط المخيم نارياً.
مصدر عسكري من “قسد”، أكد لـ”المدن”، أن قوات “التحالف”، تنوي استهداف مناطق التنظيم بعد استئناف المعارك بالقنابل الارتجاجية، بهدف تدمير شبكة الأنفاق التي يتحرك داخلها مقاتلو التنظيم”.
نريد العودة
أهالي قرى الباغوز والمراشدة والسفافنة طالبوا قوات “قسد”، التسريع في إنهاء العملية العسكرية في المخيم و بدء إجراءات عودتهم إلى قراهم، التي تشهد عمليات عسكرية منذ أشهر.
وبحسب الإدارة المدنية لمنطقة هجين، فقد بلغت نسبة الدمار في الباغوز وما حولها أكثر من 95% من المنازل والمرافق العامة، خاصة المدارس والطرق الداخلية.
كما تعد المنطقة من أكثر المناطق التي تنتشر فيها مخلفات الحرب، من الغام وقذائف مدفعية وصواريخ طائرات حربية غير منفجرة، إضافة لعشرات الجثث المتفسخة التي تعود لمقاتلين من التنظيم وقطعان من الماشية.
سولوان، من وحدات الهندسة في “قسد”، قال لـ”المدن”، إن فريق الهندسة يعمل حالياً على نزع الألغام في مناطق الاشتباك مع التنظيم، إضافة الى الطرق الداخلية في منطقة الباغوز وما حولها.
وأضاف: “تأمين منطقة الباغوز مرتبط بانتهاء جيب التنظيم الأخير، لذلك نمنع عودة المدنيين خوفاً على حياتهم”.
وبلغت حصيلة القتلى نتيجة انفجار الألغام ومخلفات الحرب في مناطق سيطرة “قسد” في ديرالزور، خلال شباط/فبراير 9 أشخاص بينهم أربعة أطفال.
إلى “شنكال”
بعدما استنفذ جميع الصحافيين والمقاتلين اسئلتهم لسلوى، اخبرها أحد العناصر المسؤولين عن نقل المختطفين المحررين بضرورة تجهيز نفسها، فقد وصلت السيارة التي ستنقلها إلى القامشلي ومن هناك إلى شنكال “سنجار”.
باص صغير لونه أبيض، أقلّ 7 نساء، بينهن سلوى، وأكثر من 13 طفلاً أيزيدياً، كل ما يفكرون فيه وجوه ذويهم بعد كل هذا الغياب، من بقي منهم على قيد الحياة ومن رحل.
الباص يبتعد في الطرق الترابية، سلوى تنكمش على نفسها لا شيء تحمله سوى كيس أزرق، لا يعرف محتواه، مع الكثير من الألم الذي عاشته لسنوات، والذي لا يبدو أنه سينتهي قريباً.