في بلدة الصالحية بريف مدينة البوكمال الغربي، لم تكتمل فرحة أبو فاطمة الذي وصل حديثاً إلى البلدة، بعدما سُمح للمدنيين بالعودة إليها بعد تهجيرهم منها منذ أواخر عام 2017 عندما سيطرت عليها قوات النظام.
أبو فاطمة الذي غمرته فرحة العودة طوال الطريق الممتد من مدينة الميادين حتى الصالحية، انتهت بمجرد دخوله منزله المطل على نهر الفرات. فالمنزل كان خالياً، وقد سُرِقَت كافة محتوياته حتى الشبابيك والأبواب.
“الله لا يوفقكم يا حرامية إن شاء الله تصرفونها على عافية ولادكم”، تمتم أبو فاطمة، وراح يسأل جاره أبو علي عن الحل لاسترداد أثاث منزله المسروق.
أبو علي، لم يتردد بالإجابة، ونصح أبو فاطمة بالتوجه إلى مقرات القوات الإيرانية وتقديم شكوى، فهم أصحاب السيادة الفعلية على البوكمال وريفها، وسبق أن أعادوا لأبي علي، جراراً زراعياً كان قد سرقه عناصر من مليشيا “الدفاع الوطني”.
سيطرة تامة
تُسيطر القوات الإيرانية متمثلة بـ”الحرس الثوري” والمليشيات التابعة له، على مدينة البوكمال وريفها بشكل تام، وتعتبر صاحبة القرار الفصل في كل شيء يخص أمن المنطقة.
وتعتبر مليشيات “الحرس الثوري” و”الحشد الشعبي” و”قوات حيدريون” و”حزب الله” و”لواء فاطميون”، من أهم القوات المحسوبة على إيران، التي تنتشر في البوكمال وريفها. ويعتبر الوجود الإيراني أكثر كثافة في ريف البوكمال الشرقي، ويمنع قوات النظام من الدخول إلى مناطق السويعية والهري، أهم القواعد العسكرية الإيرانية على الشريط الحدودي مع العراق.
وجاء قرار منع دخول قوات النظام إلى ريف البوكمال الشرقي نتيجة رغبة إيرانية عززها التوافق مع أهالي البلدتين، مقابل تعهد وجهاء المنطقة بعدم الانخراط في أي عمليات مناهضة للقوات الإيرانية أو المليشيات الموالية لها.
أما في مركز مدينة البوكمال يقتصر الوجود الإيراني على بعض القواعد العسكرية والمقرات في حي الجمعيات والمنطقة المحيطة بمقر الهجانة داخل المدينة، إضافة الى حواجز متفرقة في شوارع المدينة ونقاط حراسة على نهر الفرات، الذي تسيطر على ضفته الأخرى “قوات سوريا الديموقراطية”.
عبد السلام الحسين، ناشط إعلامي من ديرالزور، قال لـ”المدن”: “على الرغم من وجود قوات النظام، ومحاولات النظام تفعيل دوائره القضائية والخدمية، إلا أن وجوده شكلي فقط فالسلطة الفعلية بيد ضباط الحرس الثوري الإيراني”.
وأضاف الحسين: “شكاوى الأهالي ضد قوات النظام والمليشيات التابعة لها أو أي مسؤول محلي، يتم تقديمها للضباط الإيرانيين الذي يتولون مهمة النظر والتحقيق بها”.
عمليات عسكرية أميركية؟
نقلت شبكتي CBNC و FOX News الأميركيتين أن الإدارة الأميركية وجهت تحذيراً للمليشيات الإيرانية بأن تبتعد عن الحدود السورية العراقية، وأن عليها الخروج من المنطقة الممتدة من مدينة البوكمال حتى مدينة الميادين شرقي ديرالزور. ويوحي ذلك باحتمال توجيه ضربات عسكرية لتلك المليشيات بعد تصنيف “الحرس الثوري” الإيراني كمنظمة إرهابية.
الحديث عن التحذيرات الأميركية، تزامن مع وصول تعزيزات عسكرية أميركية خلال الأيام الماضية إلى حقل العمر النقطي، ضمت أكثر من 100 عربة وشاحنة ودبابات ومصفحات وهمرات عسكرية.
أحمد، أحد موظفي حقل العمر، قال لـ”المدن”، إن وصول التعزيزات العسكرية إلى الحقل تم بعد إغلاق الحقل بشكل كامل، حيث تم منع دخول وخروج أي شخص منه خاصة العمال المدنيين. وأضاف: “أن العمل عاد إلى الحقل بعد وصول كافة التعزيزات إلى داخله، مع زيادة ملحوظة في الحراسة والتشديد الأمني وتفتيش الداخلين والخارجين بشكل دقيق جداً”.
إجراءات احترازية
القوات العسكرية الإيرانية والمليشيات المساندة لها بدأت باتخاذ إجراءات احترازية، لتفادي أي عمليات استهداف أميركية محتملة لقواتها المنتشرة في مدينة البوكمال وريفها.
وأول هذه الإجراءات هي إزالة جميع الأعلام الإيرانية والرايات الخاصة بالمليشيات التابعة لها عن جميع المقرات، ورفع علم النظام السوري بدلاً عنها، إضافة الى إزالة أي إشارات على الزي العسكري لعناصرها من شأنه تحديد تبعيتهم للقوات الإيرانية أو الموالية لها.
اما الإجراء الثاني فشمل إيجاد مقرات تبادلية سرية غير معروفة لها، خاصة أن مقرات المليشيات السابقة معروفة. غرفة العمليات الإيرانية نُقلت من بلدتي السويعية والهري إلى مكان مجهول داخل مدينة البوكمال.
وزادت تلك المليشيات من انتشارها داخل التجمعات السكنية والشوارع في البوكمال وريفها، وحذرت من أي عمليات تجمع داخل المقرات ووضعت جميع الآليات في أماكن مخفية لتجنب عمليات رصدها من طائرات الاستطلاع.
كما سمح مكتب “أمن الأصدقاء” الإيراني، بعودة أهالي بعض المناطق المُهجّرين إلى منازلهم، ومن بينها بلدة الصالحية وبعض الأحياء في محيط البوكمال. ويهدف الإيرانيون من هذا الأجراء إلى تأمين كثافة سكانية قد تخدمهم في حال توجيه أي ضربات جوية للمليشيات الإيرانية.
مكتب “أمن الأصدقاء”، تم تأسيسه في أيار/مايو 2018 على يد “الحرس الثوري”، وأوكلت له مهمة النظر في عودة المدنيين المهجرين من البوكمال وريفها ومنحهم أوراق الإقامة بعد عمليات تحقيق وتدقيق على كل متقدم.
سيناريو متوقع
عبدالناصر العايد، المحلل العسكري والاستراتيجي، قال لـ”المدن”، إن العمليات العسكرية البرية من الولايات المتحدة ضد الوجود الإيراني في البوكمال وريفها والميادين “أمر مستبعد وغير وارد، بسبب وجود القوات الروسية في تلك المنطقة. ويتجنب الطرفان أي عمليات من شأنها إحداث صدام عسكري”.
وأضاف العايد: “السيناريو المتوقع هو تكثيف الولايات المتحدة لعمليات القصف الجوي ضد الوجود الإيراني شرقي سوريا، خاصة المناطق القريبة من الحدود السورية العراقية والتي تستخدمها إيران لنقل مقاتليها والسلاح بين البلدين ومنها إلى لبنان”.
وأشار العايد إلى أن “التعزيزات العسكرية التي استقدمها التحالف الدولي وحليفته قسد إلى مناطق شرق الفرات بديرالزور، ماهي إلا لتعزيز الخط الأمني على نهر الفرات، خوفاً من عمليات انتقامية تقوم بها المليشيات الإيرانية أو خلاياها التي جندتها في مناطق سيطرة قسد في حال تلقيها لضربات جوية أميركية”.
تدلل أبو فاطمة
أبو فاطمة، الذي توجه إلى مقرات القوات الإيرانية في بلدة السويعية لتقديم شكواه، التقى بـ”الحاج عباس”، أحد قادة تلك القوات، والذي يبدو أنه عراقي.
الحاج عباس طلب من أبو فاطمة الصبر ريثما تقوم إحدى الجمعيات الخيرية المرتبطة بإيران، بتأمين أثاث لمنزله وكل ما يحتاجه، واخبره مازحاً بلهجته العراقية: “تدلل عيني تدلل، بس مو بكرى تأخذ الأغراض وتروح تخبر الأميركان عن مقراتنا ليقصفونا”.