جسر: ترجمة:
يتوالى تسريب الوثائق التي تبين التأثير الروسي على الأحزاب الشعبوية في أوروبا، ومنها حزب البديل الألماني، الوثائق المسربة تبين كيف أرادت موسكو التأثير علي حزب البديل الشعبوي اليميني. فهناك اتصالات وثيقة مع ماركوس فروهنماير، العضو عن حزب البديل في البوندستاغ.
في هذا الصدد، لم يترك حزب البديل الشعبوي اليميني أدني شك في قربه من روسيا؛ غير أن الوثائق التي نشرتها صحيفة “شبيغل” الألمانية، وهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، وصحيفة “لاريبوبليكا” الإيطالية، أعطت أدلة إضافية على ذلك، وقيّمت العلاقة بشكل ملموس من خلال تلك الوثائق المسربة، وكيف استطاعت أطراف روسية فاعلة في موسكو أن تؤثر على الأحزاب اليمينية. كذلك سلطت الضوء على المحاولات التي قام بها الكرملين للتأثير على التطورات السياسية في أوروبا.
ما هي الادعاءات المحددة هنا؟
بحثت ورقة استراتيجية صدرت في نيسان/أبريل 2017 عن الإدارة السياسة الخارجية للرئاسة الروسية، سبل التأثير على دول الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك تنظيم المسيرات والحملات الإعلامية، والربط الشبكي لأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا. وتحديد أفضل السبل لإنفاذ المصالح الروسية، ولا سيما قبل الانتخابات البرلمانية في دول الاتحاد الأوروبي. ويبدو ان الروس الفاعلين اختاروا مرشحا تعتبر فرصه الانتخابية مرتفعة، وهو من الذين يقيمون بالفعل اتصالات مكثفة مع روسيا، وهو رئيس “البديل” الصغير آنذاك، الألماني “ماركوس فروهنماير”. ومن الواضح أن أصحاب البلاغ (الروس) يوصون بدعمه لكي يتمكن في وقت لاحق من تمثيل مصالح موسكو في البوندستاغ (البرلمان الألماني): “سيكون عضوا في البوندستاغ تحت السيطرة المطلقة”. هذه الرسالة، إلى جانب وثيقة ثانية، ورقة استراتيجية تعلن عن حقيقة مفهوم (فروهنماير) للحملة الانتخابية. ويبدو أن أحد الروس الفاعلين قد روج للحملة باللغة الإنكليزية، كما سُربت الوثيقة.
من أين أتت الوثائق؟ تلقت وسائل الإعلام التي نشرت هذه القصة العديد من الوثائق الداخلية من أحد أعضاء جهاز المخابرات الروسي الذي سربها بدوره إلى مركز أبحاث يموله خصم ومعارض بوتين، رجل الأعمال الروسي “ميخائيل خودوروفسكي”. وجاءت الرسالة، الذي أرسلت الورقة الاستراتيجية في مرفقه، من موظف “نائب” في الدوما. ويقال، إن صاحب الوثيقة السرية عمل سابقا في “البحرية” كعميل للمخابرات السوفياتية. وعندما سئل عن ذلك في مقابلة مع تلفزيون (زد دي إف) الألماني، أكد أنه كتب الرسالة. ومع ذلك، فإنه لم يرسل سوى الورقة الاستراتيجية.
الوثيقة الثانية الهامة لقضية فروهنماير وتعاونه مع الروس، هذه المرة، ليس مصدرها رجل الأعمال والمعارض الروسي خودوروفسكي، ولكن من مصدر آخر: حيث تم تسريب “خطة العمل” إلى هيئة الإذاعة البريطانية في 2017 من قبل موظف في جهاز المخابرات الأوروبية. بيانات التعريف من ملف Word يظهر أنه كُتب من قبل الصحفي اليميني الألماني (مانويل أوشسينريتير) الذي كان بالفعل علي اتصال وثيق مع (فروهنماير) في ذلك الوقت. وللتنويه فإن مكتب المدعي العام البولندي سبق أن اتهم (اوشسينريتير) بتمويل حرائق متعمدة في أوكرانيا.
كيف تفاعل حزب البديل الشعبوي مع هذه التسريبات ؟
يحاول حزب البديل نفي حالة النفوذ الروسي على الحزب. (فروهنماير) نفسه وهو المدعوم من موسكو -بحسب الوثائق- وصف تلك التسريبات بأنها “جنون”، وقال إنه يشك في صحة الوثائق، وينكر تلقي التبرعات من الجانب الروسي. زعيم الحزب الكسندر غولاند؛ يصر أيضا علي أنه لا يوجد أي إثبات بشأن تلك الادعاءات. النائب عن الحزب الديمقراطي الحر في البوندستاغ قال لرئيس حزب البديل أثناء إحدى جلسات البرلمان “أنت أقرب لبوتين من الدستور الألماني” ليرد عليه غولاند “أنت تصدق جهاز المخابرات الروسي؟ أنت تصدق ذلك؟”
ماهي الاتصالات الأخرى؟
(فروهنماير) ليس الحالة الوحيدة التي تبحث دائما عن القرب من روسيا. (جولاند) من قادة حزب البديل التقي الباحث الروسي “إسكندر دوغين” في 2015، مع الزعيم الحالي للحزب أندرياس (كلبيتز). ومن الوجهات المفضلة للسياسيين الشعبويين أيضا، “منتدى يالطا الاقتصادي الدولي”، وهو مؤتمر اقتصادي عقد في شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا منذ 2015. كما تسبب ذلك في ضجة عندما عاد العديد من السياسيين في حزب البديل الشعبوي، بمن فيهم الزعيم السابق فروكه بيتراي على متن طائرة خاصة بعد زيارة إلى موسكو في ربيع 2017. وكانت الرحلة قد دفعت من روسيا.
مرة تلو الأخرى، كان اليمينيون الشعبويين ( بصفة) مراقبين ضيوف، لإضفاء الشرعية على الأصوات المثيرة للجدل في روسيا. ومنذ ذلك الحين منع السياسي اليميني (جانر ليندمان) من دخول أوكرانيا، لأنه كان “مراقب انتخابات” في المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون. وعندما سجن الصحفي اليميني بيلي سيكس مؤخرا في فنزويلا، صرح النائب (بيتر بيسترون) وهو من حزب البديل الشعبوي، أنه قام بالتوسط لدى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للإفراج عنه. قائمة السياسيين المرتبطين بعلاقات وثيقة مع موسكو طويلة، وذلك مصدر فرح للكرملين.
ما هي الأهداف التي تريد موسكو تحقيقها بمثل هذه الاتصالات مع الأحزاب الشعبوية؟
لقد لوحظ منذ سنوات أن الجهات الفاعلة القريبة من الكرملين تتواصل مع الأحزاب الشعبوية اليمينية في أوروبا؛ ويتراوح ذلك بين الدعوات والمؤتمرات والمشاركة في بعثات مشبوهة لمراقبة الانتخابات واتفاقيات التعاون الرسمية، مثل تلك التي أبرمها حزب الحرية اليميني النمساوي وحزب روسيا الموحدة. كما يظهر السياسيون من الأحزاب اليمينية بانتظام في وسائل الإعلام الروسية الحكومية. بهذه الطريقة يعمل الكرملين على دعم وتعزيز قوة مناهضة لأوروبا داخل أوروبا نفسها، تعارض حكومات بلادها، وتحاول المساهمة في تقسيم أوروبا. مثلاً، الأحزاب اليمينية تمثل مواقف داعمة لروسيا منذ دخولها البرلمان، والقيام بحملات من أجل إنهاء عقوبات الاتحاد الأوروبي على روسيا. إضافة لذلك فإن دعم الأحزاب الشعبوية يعود بفائدة كبرى على الكرملين، من حيث إعطاء شرعية للروس من قبل هؤلاء كمراقبين للانتخابات في حال إعادة انتخاب بوتين، او تأييد الدور الروسي في أوكرانيا.
ما هو خطر التدخل الروسي في الانتخابات للبرلمان الأوروبي؟
وكان التحذير من استونيا واضحا “سيحاول الكرملين علي الأرجح التدخل في انتخابات البرلمان الأوروبي من أجل تأمين أكبر عدد ممكن من المقاعد الموالية لروسيا”، وفقا لتقرير صادر عن دائرة الاستخبارات الخارجية الإستونية، ومن المتوقع أن تركز موسكو على دول الاتحاد الأوروبي الكبيرة، ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، لأن معظم المقاعد ستمنح هناك، ولأن هناك أطرافا تدعم بوضوح سياسات الكرملين.
في الماضي، كان الكرملين قد استخدم بالفعل الساسة اليمينيين لأغراضه، وفقا لما ذكرته المؤسسة “تدعم روسيا حلفاءها من خلال وسائل الإعلام التي تسيطر عليها، وتنظم اجتماعات رفيعة المستوى، وزيارات تجذب اهتمام وسائل الإعلام، وتقدم دعما ماليا سريا، إذا لزم الأمر، أما الخصوم فتتم سرقة معلومات شخصية عنهم وتسريبها، أو تنشر معلومات مضللة عنهم على وسائل التواصل الاجتماعية”.
غير أن محاولات التأثير على السياسة الغربية لا تقتصر على الحملات الانتخابية، ولا على الأحزاب اليمينية الشعبية. وقال الخبير في السياسة الخارجية الليتوانية (ماريوس لورينافيسيوس) في دراسة حول السياسة الروسية “إن دعم الكرملين الطويل الأجل للأحزاب التقليدية يستحق منا الكثير من الاهتمام والنظر، وهذا يستوجب منا العمل بسبب مدى خطورة هذا الأمر”.