جسر: متابعات:
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز الأميركية”، الأربعاء 4 أيلول، تقريراً مفصلاً عن “التاريخ السري للضغط من أجل ضرب إيران”، ورد فيه أنه في تموز 2017 وقف البيت الأبيض أمام مفترق طرق بشأن مسألة إيران.
فقد تعهد الرئيس دونالد ترامب في حملته الانتخابية بترك الاتفاق النووي “البغيض” الذي تفاوض عليه سلفه باراك أوباما مع طهران، لكن أعضاءً بارزين في حكومة ترامب أمضوا الأشهر الأولى من ولايته في الضغط على الرئيس المتقلب للتفاوض على اتفاق أقوى بدلاً من إلغاء الاتفاق كلياً. وكانت الغلبة حتى الآن للقوى المؤيدة للتفاوض بحسب تقرير نيويورك تايمز.
ويقول التقرير الذي يسلط الضوء على مساعي إسرائيل وأصدقائها في واشنطن لتوريط الولايات المتحدة بحرب جديدة في الشرق الأوسط، هذه المرة مع إيران “لكن كانت هناك أيضاً قوى مناهضة له (البقاء في الاتفاق النووي الإيراني)؛ فقد لجأ ستيفن بانون، الذي كان ما يزال مستشاراً مؤثراً للرئيس، إلى جون بولتون لوضع إستراتيجية جديدة لإيران تلغي الاتفاق الإيراني. ولم يكن لبولتون، المعلق عندئذ في قناة فوكس نيوز وسفير الولايات المتحدة السابق في الأمم المتحدة (عهد بوش الابن)، دور رسمي في الإدارة بعد، لكن بانون رآه كصوت خارجي يمكن أن يقوي العمود الفقري لترامب – كنوع من قناة خلفية للرئيس يمكنها إقناع ترامب بأن سياسته تجاه إيران تسير على غير هدى. وبصفته أحد كبار مسؤولي الأمن القومي في إدارة جورج دبليو بوش، كان بولتون أحد مهندسي تغيير النظام في العراق.
وتقول الصحيفة: “كان بولتون طالب منذ فترة طويلة ليس فقط بالانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة، ولكن أيضاً بالإطاحة بالنظام الإيراني الذي تفاوض عليها. وفي وقت سابق من شهر تموز لذلك العام (2017)، أكد وجهات نظره حول هذه المسألة في باريس، خلال تجمع سنوي لدعم حركة المنشقين المنفية، مجاهدي خلق، التي تطالب نفسها بتغيير النظام في إيران. ولم تكن الوثيقة التي أصدرها بولتون بناءً على طلب بانون بمثابة استراتيجية بقدر ما كانت خطة تسويقية للإدارة لتبرير ترك الاتفاق الإيراني، ولم تفعل ما يذكر ما سترتب على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق أو في الأيام التي ستلي الانسحاب”.
وتشير الصحيفة إلى أن “وجهات نظر بولتون لم تكن سراً، وكانت معروفة تماماً بالنسبة لأولئك الذين تحدثوا معه على مر السنين أو قرأوا المقال الافتتاحي الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز عام 2015: فور تنحية الدبلوماسية الأميركية جانباً، يجب على إسرائيل قصف إيران” .
وتلفت الصحيفة إلى أن ترامب انسحب من الاتفاق النووي في أيار 2018، بعد أسابيع قليلة من تولي بولتون منصب مستشار الأمن القومي، “حيث يجد الرئيس نفسه الآن يحاول التعامل مع أزمة بطيئة الحركة، ففي تموز 2019، وقعت هجمات على ناقلات نفط في الخليج العربي، ووجهت الولايات المتحدة أصابع الاتهام إلى طهران، وفي الشهر نفسه ( تموز 2019)، صادرت بريطانيا ناقلة إيرانية بالقرب من جبل طارق، واستولت إيران على ناقلة ترفع العلم البريطاني في الخليج، “فيما حذرت وتحذر أجهزة التجسس الأميركية من هجمات وشيكة من قبل وكلاء إيران على القوات الأميركية في المنطقة؛ وخلال الصيف، شنت إسرائيل موجة من الهجمات على الوكلاء الإيرانيين في العراق وسوريا ولبنان”.
وتضيف الصحيفة: “تُعتبر النتيجة الأقل إثارة للدهشة لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، مع ذلك، هي أن إيران تقول الآن إنها أيضاً لن تلتزم بشروط الاتفاق -وهو قرار قد يدفع طهران إلى العودة مجدداً إلى تخزين اليورانيوم عالي التخصيب، وهو الوقود الضروري لصنع أي قنبلة نووية، كما الرئيس ترامب ومستشاريه يستشهدون بكل هذه الأعمال كدليل على غدر إيران، لكنها كانت أيضاً أزمة متوقعة، فقبل عام من انسحاب ترامب من الاتفاق، بحسب مسؤول أميركي (أخبر صحيفة نيويورك تايمز)، وزعت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تقييماً سرياً يحاول التنبؤ بكيفية رد إيران في حالة تصعيد إدارة ترامب لنهجها. وكان الاستنتاج بسيطاً: يمكن تمكين العناصر الراديكالية للحكومة وتهميش المعتدلين، وقد تحاول إيران استغلال الصدع الدبلوماسي لإطلاق هجوم في الخليج العربي أو العراق أو أيّ مكانٍ آخر في الشرق الأوسط”.
وتنسب الصحيفة إلى إيلان غولدنبرغ، وهو مسؤول رفيع المستوى في البنتاغون أثناء إدارة أوباما، “وصفه للمواجهة في السنوات التي سبقت الاتفاق النووي الإيراني بنوع من الخدعة الثلاثية، إذ أرادت إسرائيل أن يعتقد العالم أنها ستضرب برنامج إيران النووي (لكنها لم تحسم أمرها بعد)؛ وأرادت إيران أن يعتقد العالم أنه يمكنها الحصول على سلاح نووي (لكنها لم تتخذ قراراً بعد بالسير نحو القنبلة)؛ وأرادت الولايات المتحدة أن يعرف العالم أنها مستعدة لاستخدام القوة العسكرية لمنع إيران من الحصول على قنبلة (ولكنها في النهاية لم تضطر إلى إثبات نواياها)”.
وبحسب الصحيفة “كانت البلدان الثلاثة (الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران) جميعاً تتخذ خطوات لجعل التهديدات أكثر مصداقية، غير متأكدة متى قد تومض الأطراف الأخرى عينها. وقد أدى انسحاب ترامب من الاتفاق النووي إلى إحياء لعبة القمار تلك، لكن هذه المرة مع رئيس أميركي يميل إلى التباهي بالقوة الأميركية، لكنه يتجنب استخدامها فعلياً إلى جعل الموقف خلال الأشهر الماضية أكثر تقلباً، حيث يبدو أن هدف ترامب الفوري هو ضرب الاقتصاد الإيراني بعقوبات لدرجة تدفع قادة البلاد إلى إعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي –والكف عن دعمهم العسكري لحزب الله وحركة حماس وغيرهما من الجماعات العاملة بالوكالة- بشروط تعتبرها الإدارة الأميركية أكثر مؤاتاة للولايات المتحدة. لكنه يعتمد، أيضاً، على رهان بأن إيران ستنهار قبل شهر تشرين الثاني 2020، عندما يمكن أن تجلب الانتخابات الأميركية المقبلة رئيساً جديداً يضع نهاية لنهج ترامب المتشدد”.
وتقول الصحيفة: “ويساهم كل هذا على الدفع بما يعتبره مستشارو الرئيس الهدف الأكبر، وهو هدف لا يتبناه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو فحسب، بل الدول العربية في منطقة الخليج أيضاً: إعادة تنظيم الشرق الأوسط، مع تفوق إسرائيل ودول سنية مختارة على إيران واحتوائها أكبر دولة ذات أغلبية شيعية في العالم. وتختلف هذه الرؤية كلياً عن تلك التي قدمها أوباما، الذي التزم بمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، لكنه قبل الفكرة القائلة بأن إيران ستصبح قوة موازنة لنفوذ المملكة العربية السعودية في المنطقة”.
وتعتقد الصحيفة أن “المسؤولين الإسرائيليين يدرسون احتمال القيام بهجوم عسكري ضد إيران، مع أو بدون موافقة الولايات المتحدة، كما يعتقدون أن الرئيس الاميركي دونالد ترامب قد يختار عدم معارضة هجوم كهذا، خلافاً لسلفه باراك أوباما”.
ولم يذكر التقرير، المعنون “التاريخ السري للدفع بمهاجمة إيران” الذي ركز على المبادرات الاميركية الإسرائيلية لمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية، أي أهداف محتملة للهجمات الإسرائيلية (أو تقوم إسرائيل بفحصها كأهداف محتملة)”، مسلطة الضوء على “أن المتشددين في إسرائيل وأميركا قضوا أكثر من عقد بالتحريض على الحرب ضد برنامج الجمهورية الإسلامية النووي، والسؤال الآن: هل سيحقق ترامب حلمهم هذا أخيراً؟”.
القدس ٦ أيلول/ سبتمبر ٢٠١٩