جسر – صحافة
ثمة خبر نشرته “فرانس إنفو” البارحة عن بشار الأسد، مفاده أن نظام هذا السفاح قد أقر قانوناً يعاقب بالسجن كل من ينشر معلومات مزيفة تمس بهيبة “الدولة السورية”، أو تحسن صورة وصيت “دولة معادية” لها. حمل هذا الخبر عنواناً، يشير الى أن “سوريا تسن قانوناً يضيق على حرية التعبير”.
لقد بدا الخبر غريباً للغاية، وغرابته، التي لا تقتصر عليه، بل تتعداه إلى عنوانه، مردها التباغت الذي يحتويه. اذ إن إقدام نظام الأسد على ذلك الفعل ضد حرية التعبير، هو، وبحسب منطق الإخبار عنه، فعل ليس متوقعاً البتة، ولهذا، لا بدّ من التوقف عليه، مثلما من الضروري إدانته أيضا.
على هذا النحو تصير مشكلة ذلك النظام لا تتعلق بما ارتكبه، إنما بالقانون الذي سَنّه للتو، وأصلاً، ما ارتكبه صار على ما يبدو من الماضي، وهذا مع أنه على تواصل. أما هذا القانون فهو حاضره. وبالتالي، لا بدّ من النظر إليه على أساسه. بطريقة أخرى، الحديث عن نظام الأسد كنظام سفاح هو حديث قديم. أما الحديث عنه كنظام ضد حرية التعبير، فهذا هو الحديث، الذي يجب الانطلاق منه لأجل التعريف به. نافل القول أن لا تعارض بين الحديثين، بل انهما يستكملان بعضهما البعض، لكن منطق الإخبار إياه يدفع، لا إلى الاعتقاد بالعكس، إنما إلى فصلهما عن بعضهما البعض، ثم محو الأول وراء الثاني، ليصير علينا، كقرّاء، أن نُباغَت بما يفعله الأسد قانونيا ضد حرية التعبير متناسِين مجزرته.
ففي حال تصويب الخبر نفسه، يمكن تقديمه بشكل مختلف: مع مجزرته بحق السوريين، الأسد يمنعهم من التعبير، أو مع القتل، السفاح لا يتوقف عن إقرار قوانينه، أو السفاح حر وطليق قانونياً أيضاً. الا أن هذا التصويب لا محل له من الإخبار، فعند الإنباء عن نظام الأسد لا مناص من فعل ذلك كما يحصل عند الإنباء عن أي نظام غيره، قد يمضي الى إقرار قانون مجحف، وهو قد يبقي عليه على الرغم من إدانته، وربما، لا، بل سيسحبه، وعندها بالتحديد، تنتهي المشكلة معه، ليعود كما كان قبل تضييقه على حرية التعبير.
فعلياً، ليست المشكلة في التباغُت على العموم، إذ إنه سبيل من أجل عدم تقبّل أي شيء من الفداحة على درجاتها المتنوعة كما لو أنه عادي. التباغت، بهذا المعنى، هو لازم من أجل التمييز بين ما هو فادح وما هو غير ذلك، بين ما هو محتمل وما هو غير ذلك. لكن، عندما تصير هذه الفداحة متوقعة من قبل مقترفها، لا بل أنه يتخطاها إلى ما هو أكثر منها، يصير التباغت حيال كل فعل يحيل إليها من أفعاله، علامة على أمر مغاير.
فماذا يعني أن نتباغت حالياً بقانون سَنّه نظام الأسد ضد حرية التعبير؟ تباغُتنا في هذا السياق يبدي أننا لم نكن نتوقع أن يقدم على سَنّ ذلك القانون، أي لم نكن نتوقع أنه ضد حرية التعبير وضد الحريات، وفي النتيجة، ما فعله هو مفاجئ لنا. عدم توقعنا ذلك يساوي أننا لسنا على بينة منه، لسنا على دراية بكونه نظاماً سفاحاً مهدِّداً لعالمنا بكل ما للكلمة من وقع، بل لا نزال نتعامل معه كأي نظام سواه، يخطئ، نُفاجأ بخطئه، وقد يصحح ذلك، وربما لا. بهذا المعنى، التباغُت بسَنّ الأسد قانوناً ضد حرية التعبير يؤدي إلى تلافي الإشارة إلى كونه سفاحاً. كما لو أن هذا النظام يعيش أيضاً على التباغت به، وعيشه في هذه الناحية يعادل التعامل معه كغيره من الأنظمة.
المصدر: موقع المدن