جسر – صحافة
في العالم الأزرق الافتراضي وأخواته من عوالم أنتجتها التكنولوجيا، يبحر سوريون من مختلف الأعمار، بعضهم لا يعير اهتماما لسترة النجاة، مفترضين أن هذا العالم ليس حقيقيا لدرجة الغرق، في حين هناك من غرقوا أو كادوا، حسبما تحكي تجاربهم في حياتهم الموازية على صفحات “السوشيال ميديا”.
ابتزاز وتحرّش وما إلى ذلك من القصص باتت أكثر انتشارا، منذ بدأ بعضهم بنسج الشباك على “العنكبوتية”، وتهيئة الضحايا لتحويلهم إلى حقيقيين لا افتراضيين وحسب.
مع انتشار وسائل التواصل الإلكتروني لم يعد احتمال التعرض للتحرش الجنسي مرتبطا باللقاء الفيزيائي بين المتحرِش وضحيته، وبات من السهل على مدمني التحرش وهواته الوصول إلى الضحية داخل بيته، وفي مكان عمله، وفي أي وقت.
ويقصد بالتحرش الإلكتروني استخدام شبكة الإنترنت في التواصل مع الآخر، بقصد إيذائه والإضرار به جنسياً وابتزازه اجتماعياً.
البيت لم يعد آمناً
مع انتشار قصص ضحايا التحرش والابتزاز الإلكتروني، أضيف على عاتق العائلات السورية في تركيا همّ جديد بشأن أبنائها، لا سيّما مع وقوع قصص دارت أحداثها الأولى في العالم الافتراضي، وأفضت إلى عواقب “جسيمة” في الواقع.
إحدى هذه القصص كانت نتائجها نكبة عائلة على المستوى الاجتماعي وإصابة رب الأسرة بجلطة دماغية تسبب بشلل أطرافه (شلل رباعي).
تروي عبير. ع، لاجئة سورية تقيم في مرسين، كيف حلت كارثة على جيرانها، عندما وصل لرب الأسرة تسجيل مصوّر لمحادثة فيديو تجمع ابنه عاريا مع شخص مجهول.
وقبل إرسال التسجيل للأب، هدّد المرسل الشاب الضحية بأنّه إن لم يحوّل له مبلغاً مالياً قدره 5 آلاف دولار أميركي، فإنّه سينشر التسجيل على منصات التواصل ويبعث نسخة لذويه، لكن الشاب ظن أن القصة مجرد تهديد، قبل أن يصاب والده بجلطة دماغية.
تؤكّد عبير وهي أم لشبان وشابات في مقتبل العمر أنّها تعمل على نصح أبنائها وبناتها، وتحذّرهم باستمرار من الحسابات المجهولة، كما تفتح أحاديث ومواضيع للنقاش معهم، تحاول من خلالها الاطمئنان عليهم.
وتقول عبير إنّ وجود أبنائنا وبناتنا في البيت لم يعد عامل أمان، كما في السابق، لقد أصبح هذا العالم أخطر من العالم الخارجي بكثير.
ويصنف الخبراء القانونيون المختصون بمجال أمن المعلومات الابتزاز الإلكتروني بأنه أحد أنواع الجرائم المستحدثة، بعد التطور الهائل في تكنولوجيا المعلومات التي صبغت حياة البشر بأنماط غير معهودة سابقاً.
تقوم عملية الابتزاز الإلكتروني والتحرش الإلكتروني على تهديد وترهيب الضحية بنشر صور أو مواد فيلمية أو تسريب معلومات سرية تخص الضحية، مقابل دفع مبالغ مالية بشكل أساسي، وبدرجة أقل مقابل مطالب مثل الدخول في علاقة مع الضحية رغماً عنها.
متحرشون بياقات بيضاء
لا تقتصر عمليات التحرش والابتزاز على الأسماء والحسابات المجهولة، بل تتعداها لتصل إلى أشخاص يقدّمون أنفسهم على أنهم شخصيات علمية وأكاديمية.
لميس. س، طالبة جامعية سورية، تروي قصّة تعرضها لمحاولة ابتزاز وتحرش إلكتروني من شخص قدّم نفسه كباحث قام باختراق مشروع بحثي كانت تعدّه.
تقول الجامعية: “تواصلت مع صفحة تقدّم الخدمات الجامعية وتساعد الطلاب بالأبحاث، لأتعرّف غلى شخص تعهّد بالمساعدة المأجورة”.
وتضيف: “بدأت القصة بشكل طبيعي حيث كان يطلب مني معلومات حتى ينجز البحث بشكل أفضل.. وبعدها راح يكرر طلب اللقاء والاجتماع بذريعة إنجاز البحث على أكمل وجه، وهنا بدأت أشعر أن الوضع بات يأخذ منحى آخر”.
وبعد فترة، طلب الشخص من الطالبة فتح الكاميرا بذريعة إتمام البحث، وهو ما استجابت إليه لميس لتتفاجأ أن محدّثها ظهر بمنظر غير لائق إطلاقا، وتحدّث ألفاظا خادشة للحياء.
تقول لميس: “لم أعرف كيف أفصل الاتصال، لقد ارتبكت جدا، حينئذ، وما إن أغلقت الهاتف، حتى وصلني تسجيل مصوّر للمكالمة، أبدو فيه كأنني متقبلة لهذا المنظر”.
وتضيف بدأ الشخص الذي بدا محترما في البداية، بابتزازي، وتهديدي بنشر التسجيل في حال لم أستجب لطلباته، بأن ندخل في علاقة ومن ثم طلب آلاف الدولارات.
استمر الابتزاز أياماً “عصيبة” على الطالبة الجامعية التي أخبرت شقيقتها وشقيقها طلباً للمساعدة للخروج من الورطة.
ورفضت لميس الإفصاح عن الطريقة التي تخلصت فيها من هذا المأزق الذي أرّق حياتها لأيام وليال طوال، لأن الأمر لم يكن سهلاً على حد قولها.
الكبار يقعون في المصيدة
كما طالت عمليات الابتزاز الإلكتروني فئات عمرية مختلفة، ولا تقتصر على جيل الشباب فقط، أو حتى الإناث فقط، وهذا ما حدث مع الخمسيني السوري أبو أحمد، وهو أب وجدّ.
يقول أبو أحمد: وقعت في مصيدة وضعت “شيبتي بموقف صعب”، عندما بدأ بالتواصل عبر الفيس بوك والماسنجر مع حساب يحمل اسم امرأة، وتبادل معها الرسائل والمحادثات الطويلة.
كان ذلك قبل أن يتطوّر الأمر لتبادل صور شبه عارية بين “العاشقين” الافتراضيين.
ويضيف أبو أحمد: هنا دخلنا في الكارثة، موضحا أن المرأة الافتراضية طلبت منه المال، فلما اعتذر، هدّدته بالصور التي أرسلها لها سابقا، وهي التي عرفت كل تفاصيل حياته وأبنائه وأحفاده، بينما لم يكن هو يعرف عنها شيئا حقيقيا.
يصف الخمسيني ما حدث له بالورطة، ويقول: كان الخوف ينتابني مما سيحدث وما هو موقفي أمام زوجتي وأولادي وأحفادي في حال وصلت إليهم الصور؟
اضطر الجد بعد فقدان الحيلة إلى الرضوخ لابتزاز الشخصية الافتراضية وطلب المال من أبنائه وبناته متذرّعا بقصة أخرى، وأرسل المال إليها مقابل حذف الصور.
لكنّ المرأة الافتراضية عادت وطلبت مبلغا آخرَ بعد فترة من الزمن، وهدّدت أبو أحمد بالصور ذاتها، والأمر الذي دعاه مضطرا لإخبار ابنه الكبير.
ويقول أبو أحمد: تابع ابني القصة، وعرف أن هذا الحساب يعود لشاب، وليس لامرأة أصلا.
كيف نحمي أنفسنا؟
لا توجد إحصائيات رسمية ترصد عدد حالات التحرش والابتزاز الإلكتروني، إلا أن شيوعها جعل منها ظاهرة مقلقة لا يزال ضحاياها كُثراً.
الخبيرة النفسية الاجتماعية سوزان درويش تقول في حديثها لتلفزيون سوريا، هناك كثير من النقاط تساعدنا على حماية أنفسنا وأبنائنا من التحرش والابتزاز أولها وضع حدود للتعامل مع الأشخاص الغرباء وإنهاء الحوار الذي يتضمن تلميحات غير طبيعية.
وتنصح الخبيرة النفسية، عدم المبالغة بمنح الثقة للأشخاص الذين نتعرف إليهم عبر منصات التواصل الاجتماعي، وإيجاد أصدقاء من المحيط الجغرافي، نعرفهم، ونعرف حقيقتهم.
وتدعو درويش إلى الاهتمام بالجلسات العائلية فهي كما تراها حماية حقيقية وسنداً.
أمّا بالنسبة للأبناء في مقتبل العمر، فتنبه الخبيرة الأهل إلى ضرورة مراقبة سلوك أبنائهم وحالتهم النفسية، وفتح النقاشات معهم، ودعم مشاركتهم في نشاطات مثل الذهاب إلى النوادي الثقافية، أو مراكز تعليم اللغات، وغيرها.
كما أنه لا يجوز إهمال عامل الثقة بين الأهل والأبناء، بحسب الخبيرة النفسية والاجتماعية التي تدعو أرباب الأسر إلى العمل على تمتين أواصرها مع أبنائهم حتى يتمكّن الأبناء من مصارحة أهلهم.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا