حسين عبد الحسين
نشرت وكالة رويترز خبرا مفاده أن ضباطا في “الحرس الثوري الإيراني”، الميليشيا التي تعمل بإمرة مرشد طهران الأعلى، علي خامنئي، شاركوا في معرض للأسلحة استضافته الدوحة. وتصنّف وزارة الخارجية الأميركية “الحرس” على لائحة التنظيمات الإرهابية، وهو ما يعني أن مشاركتهم في الحدث القطري يرتّب على الدوحة تبعات قانونية في واشنطن.
وحاولت قطر التهرب من المسؤولية، فأبلغت وكالة رويترز أنها لم تتعاط مع “الحرس الثوري”، بل وجّهت الدعوة لوزارة الدفاع الإيرانية، وهذه بدورها هي التي تشارك في المعرض.
لكن هذا عذر أقبح من ذنب، إذ أن كل من يعرف كيف تعمل المؤسسات الأمنية يدرك أن لدى الاستخبارات القطرية علم كامل بهويات ضباط الحرس الذين يزورون الدوحة، فأجهزة الاستخبارات غالبا ما تبحث في ماضي الأشخاص العاديين وتمحّص في تاريخهم ونشاطاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن توافق على منح تأشيرة دخول لأي منهم، ناهيك عن مسؤولي الحكومات الأخرى، وخصوصا العسكريين والأمنيين منهم.
ثم أن كل من يعلم كيف تعمل الأنظمة القمعية، مثل إيران، يعرف أن هذه الأنظمة لا تحترم الأصول والأعراف الدولية، فسفارات العراق في عهد رئيسه الراحل، صدام حسين، كانت تعج بعملاء الاستخبارات العراقية، وهكذا على الأرجح كل دولة إيران وحرسها الثوري.
لم تكن قطر غافلة عن مشاركة “الحرس الثوري الإيراني” المصنف إرهابيا في معرضها العسكري، بل فعلتها هذه هي في الغالب من باب التباهي بدورها الدبلوماسي الذي يجمع الأضداد، إذ هي على الرغم من علاقتها المتينة بالنظام الإيراني، نالت تصنيف إدارة الرئيس جو بايدن لها على أنها “حليف أساسي من خارج تحالف الأطلسي”.
على أن السياسة الدولية ليست بهذه البساطة. قد تكون السياسة الخارجية للإدارة الأميركية الحالية أقرب إلى قطر وإيران، لكن من يعرف واشنطن يعلم أن الإدارات تتغير، ومعها سياساتها الخارجية.
ما لا يتغير هو المواضيع الأمنية، إذ أنه من شبه المؤكد أن وجود ضباط “الحرس الثوري الإيراني” في الدوحة أثار ريبة المؤسسة العسكرية الأميركية، فهذا التواجد، وإن بشكل سياحي، يفتح الباب أمام الاستخبارات الإيرانية للتجسس على قاعدة العديد العسكرية الأميركية، الأكبر في المنطقة.
كما يفتح الباب أمام محاولات الحرس الثوري التجسس المباشر على أميركيين، مثل عبر محاولة تهكير هواتفهم أو حواسيبهم أو حتى محاولة اقتحام غرفهم في الفنادق أثناء غيابهم.
المعارض العسكرية ليست تقليدا جديدا، بل لها تاريخ عريق. ولكن في تاريخها أيضا أنها مفتوحة للدول المتحالفة، ومغلقة عادة في وجه التحالفات المناوئة، إذ في شؤون العسكر، على عكس الشؤون الدبلوماسية، لا يمكن جمع الأضداد، بل على كل حكومة الاختيار وحسم موقفها. أما الحكومات التي تسعى لعدم الانحياز، فموضوع السلاح ومعارضه لا يهمها.
ربما لم تستوعب قطر درس أقرب حلفائها، تركيا، التي خلطت العسكري بالسياسي فطردتها الولايات المتحدة خارج نادي أسرار مقاتلة “أف 35” المتطورة. حاولت تركيا، وهي عضو في تحالف الأطلسي وكانت مشاركة في برنامج صناعة المقاتلة الأميركية، أن تستفز واشنطن وتتقرب من موسكو، فأعلنت شراءها منظومة “أس 400” الروسية للدفاع الجوي، مع ما يتضمن ذلك من إرسال مستشارين عسكريين روس إلى تركيا للإشراف على عمل المنظومة وصيانتها، وهو ما كان يعني فتح الباب أمام الجاسوسية الروسية على مقاتلة “أف 35″، فقامت المؤسسة العسكرية الأميركية، لا الرئيس السابق، دونالد ترامب، الذي كان يتمتع بصداقة متينة مع نظيره التركي، رجب طيب إردوغان، بطرد أنقرة من برنامج المقاتلة، وحرمتها تصنيعها أو حتى حيازتها.
هكذا على الدوحة أن تتذكر أن في شؤون العسكر، لا يمكن رمي مليارات الدولارات على المشكلة حتى تنجلي، أو حتى يتم تصويرها بضوء مختلف، على عادة قطر التي تنفق أموالا طائلة على مؤسساتها الإعلامية والدعائية حول العالم لتقلب الصورة وتحول ذنوبها حسنات.
ربما لدى سياسيي الولايات المتحدة الحاكمين اليوم رؤية تقضي بأن قطر صديقة، وكذلك إيران، لكن المؤسسة العسكرية الأميركية لا تتهاون في مثل هذه الأمور، وإن قامت قطر بتعريض الأسرار العسكرية الأميركية للخطر، قد تجد الدوحة نفسها خارج الغطاء الأميركي، الذي بدونه تتحول شبه الجزيرة القطرية إلى حي صغير تحت رحمة “الحرس الثوري الإيراني” نفسه.
إذ أن كل سياسة قطر مبنية على إقامة توازن لمصلحتها في علاقاتها بين القوى الإقليمية والعالمية. ولكن التوازن يحتاج إلى علاقات متوازنة، وإن خسرت الدوحة صداقتها مع أي من القوى، تفقد قدرتها على المناورة مع القوى المنافسة، وتتحول إلى تابع صغير في معركة كبيرة.
كذلك كان على قطر أن تتنبه إلى أن المسيّرات التي عرضها “الحرس الثوري الإيراني” في الدوحة هي نفسها التي تزودها طهران للميليشيات الموالية لها في المنطقة، وهي نفس المسيّرات التي حاولت طهران استخدامها لاغتيال رئيس حكومة العراق، مصطفى الكاظمي، ولضرب مرافق النفط والمطارات السعودية، ولاستهداف مطار دبي ومواقع مدنية.
ربما كان على قطر أن تتنبه إلى حساسية استعراض أسلحة القتل الإيرانية في منطقة تعاني حكوماتها وشعوبها من هذه الأسلحة. لكن الدوحة يبدو أنها تسمع للنصح، إذ أن المال قوة، والقوة تفسد أصحابها، وأحيانا تعمي قلوبهم كذلك.
المصدر: الحرّة