جسر: ثقافة:
واشنطن: محمد علي صالح
رغم اتفاقهما على أن الحضارة الغربية قوية، وستظل قوية، ورغم معارضتهما لآراء تقول إنها ستنهار، أو بدأت تنهار، يختلف اثنان من أشهر المثقفين الأميركيين، واحد ليبرالي والآخر محافظ، حول أسباب المشكلات الحالية التي تواجهها.
الليبرالي هو ستيفن بينكر، أستاذ علم النفس في جامعة هارفارد، مؤلف كتاب صدر في العام الماضي بعنوان «التنوير الآن: انتصار المنطق والعلم».
والمحافظ هو بن شابيرو، مقدم حلقات ثقافية سينمائية وتلفزيونية، مؤلف كتاب «غسيل المخ: كيف تغسل جامعاتنا عقول أبنائنا»، وكتاب «جيل الخلاعة: كيف تهدد الليبرالية مستقبلنا»، وهذا الكتاب «مع التاريخ الصادق: الحضارة الغربية».
يستعمل المؤلف كلمة «رايت» (صادق)، التي تعنى أيضاً كلمة «اليمين»، إشارة إلى الفكر الذي يؤمن به.
ويكاد هذا الكتاب الأخير يركز على هجوم مستمر على بينكر، وعلى كتابه «التنوير الآن» الذي ملخصه هو أن العقلانية، لا العاطفة، تدفع الحضارة الغريبة. وذلك لأن «العاطفة ليست سهلة سيطرة العقل عليها، بينما يقدر العقل، بالطبع، أن يسيطر على نفسه».
اشتهر كتاب «التنوير» أكثر لأن بيل غيتس، مؤسس «مايكروسوفت»، قال إنه كتابه المفضل الذي قرأه في ذلك الوقت، وذلك لأنه «يركز على التفاؤل، لا على التشاؤم».
وجاء في الكتاب: «إذا كنت تعتقد أن العالم يقترب من نهايته، فكر مرة أخرى: يعيش الناس حياة أطول، وأكثر صحة وأكثر حرية وأكثر سعادة، رغم أن مشكلاتنا هائلة؛ تكمن الحلول في المثل العليا، المتمثلة في استخدام العقل والعلم». غير أن ما أثار معارضة شابيرو هو قول كتاب بانكر: «هذا التقدم ليس نتيجة بعض القوى الكونية؛ إنه هدية من التنوير، من القناعة بأن العقل والعلم وراء ازدهار الإنسان».
في الجانب الآخر، يقول كتاب شابيرو: «تعيش الحضارة الغربية في خضم أزمة هدف. فضلنا الشكاوى على الحلول، وفضلنا المنفعة السياسية الشخصية على المنفعة الوطنية، وصرنا نعلم أطفالنا أن المعنى الوحيد في الحياة هو حب النفس»، ويضيف: «كمجتمع، ننسى أن كل شيء عظيم حدث في التاريخ حدث بسبب أشخاص يؤمنون بكل من القيم المسيحية اليهودية، وبقوة العقل المولودة في اليونان».
هكذا، يريد شابيرو اليميني أن يجمع بين التفكير العقلي العلماني اليوناني القديم والتفكير الديني، لكنه يركز على التفكير الأخير.
هنا، يعود شابيرو إلى عقلانية بينكر العلمانية، ويراها تناقض عقلانيته هو (العقلانية الدينية). وبينما يثنى بينكر على دور «التنوير»، يثنى شابيرو على دور «الدين والروحانيات»، ويقول: «نقدر على أن نشكر هذه القيم (الدينية) لأنها وراء ولادة العلم، ووراء التقدم، ووراء حقوق الإنسان، ووراء الازدهار، ووراء السلام؛ إنها وراء كل شيء لأنها جاءت من خالقنا. لكننا بصدد التخلي عن القيم اليهودية المسيحية، ولهذا نشاهد حضارتنا تنهار، ومجتمعاتنا تتحول إلى قبائل عرقية، وقد غرقنا في المتعة الفردية والأنانية، والذاتية الأخلاقية».
هكذا، يبدو أن شابيرو لا يختلف عن بانكر في عرض المشكلات التي تواجهها الحضارة الغربية، لكن بينما يقول بينكر إن الحل هو «التنوير»، يقول شابيرو إن الحل هو «الدين»؛ يتفقان في المشكلة، ويختلفان في الحل.
الشرق اﻷوسط 25 آب/أغسطس 2019