جسر: متابعات
“الدولة الإسلامية” كما يسميها مؤيدو تنظيم داعش، دمرت ميدانيا وفقدت أراضي شاسعة استولت عليها، وقتل أو اعتقل عشرات آلاف من المقاتلين في صفوفها، وقتل زعيمها ومؤسسها أبو بكر البغدادي. لكن الخسائر التي تكبدها التنظيم الذي ذاق ملايين الأشخاص على يده الويلات من قتل واعتقال وتعذيب وتهجير، لم تحقق نهايته الأبدية كما يأمل العالم.
ويحذر خبراء وقادة أكراد شهدوا ظهور التنظيم وصعوده قبل انهيار دولته المزعومة، من أن داعش يعمل على إعادة تجميع نفسه، وشدد أحدهم على أن التنظيم “أكبر الآن مما كان عليه قبل ستة أعوام تقريبا عندما أسس خلافته”.
وجاء في مقال لمجلة “ذي أتلانتك”، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أعلن النصر على داعش، لكن “الحرب مستمرة والحقيقة تشير إلى أن نهاية النزاع لا تزال بعيدة المنال”.
وتابع أنه “على الرغم من أن الولايات المتحدة أنفقت مليارات الدولات خلال رئاستي باراك أوباما ودونالد ترامب من أجل هزيمة داعش، ونشرت قوات في العراق وسوريا وأمطرت مواقع التنظيم بآلاف القنابل، إلا أن الأخير لا يزال قائما”.
رئيس وزراء إقليم كردستان العراق، مسرور بارزاني، قال في تصريحات للمجلة “داعش لا يزال سليما جدا”، مضيفا “أجل، خسروا معظم قيادتهم. خسروا الكثير من رجالهم القادرين. لكنهم تمكنوا من الحصول على تجربة أكبر وتجنيد مزيد من الأشخاص. لذا لا ينبغي التقليل من شأنهم”.
وأشار بارزاني إلى أن داعش لا يزال لديه حوالي 20 ألف مقاتل في سوريا والعراق. وكان تقرير صادر عن البنتاغون في العام الماضي قد وضع عدد هؤلاء بين 14 و18 ألف مقاتل.
ولا يزال التنظيم قادرا على شن 60 هجوما في الشهر في العراق فقط ضد قوات الأمن ومنافسين محليين، بحسب بارزاني.
ومنذ إعلان ترامب قراره سحب القوات الأميركية من سوريا في أكتوبر، حذر مسؤولون أميركيون وغربيون وساسة إقليميون باستمرار من آثار ذلك على التنظيم الذي يستطيع تجنيد مقاتلين جدد وشن هجمات.
لكن الملفت في الصورة التي رسمها بارزاني للتنظيم الإرهابي، وفق ذي أتلانتك، هو أن داعش “لم ينْجُ فحسب بل إنه يزدهر”.
وفيما يتعارض ذلك مع رؤية البيت الأبيض للأوضاع، إلا أنه يتفق مع تحذيرات حديثة بينها ما ورد في تقرير للمفتش العام للبنتاغون الأسبوع الماضي من أن مقتل البغدادي لم يربك هيكل قيادة داعش أو عملياته، وتقرير للأمم المتحدة صدر الشهر الماضي، يشير إلى أن التنظيم لا تزال لديه 100 مليون دولار على الأقل من الاحتياطات وبدأ يعيد فرض نفسه في العراق وسوريا.
بارزاني أكد أن السبب الرئيسي لعودة داعش، يعود لاستمرار الظروف التي سمحت بظهوره في المقام الأول، مشيرا إلى الفوضى المستمرة في سوريا، وفشل السلطات العراقية وأيضا الأميركية في حل المشاكل المستمرة في العراق لـ20 عاما تقريبا مثل الفساد والطائفية والمشاكل الاقتصادية.
ولا يزال الدمار الذي خلفته الغارات الأميركية في المجمل، سيد الموقف في معظم المناطق ذات الغالبية السنية التي كانت معاقل لداعش، فيما أصبح بعضها تحت أمر ميليشيات شيعية تسببت في معاداة السكان المحليين بسبب تكتيكاتها الطائفية.
وختم بارزاني تحذيره بالقول إن “الناس إذا كانوا عاطلين، محبطين، لا أمن لهم أو فرص، وإذا لم يكن هناك استقرار سياسي، يكون دائما سهلا على الجماعات الإرهابية استغلال ذلك للتلاعب بالشعوب”، وقال إن “داعش نتاج ثانوي. إذا ما دامت هذه العوامل قائمة، سيكون هناك دائما إما داعش أو شيء مشابه لداعش”.
“إعادة هيكلة وإعادة تموضع”
المعهد الملكي للشؤون الدولية المعروف بـ”تشاتام هاوس”، تحدث في تقرير صادر في فبراير الجاري عن أن داعش يعيد الهيكلة والانتشار.
وقال الكاتب محمد حسن، إن داعش بدأ منذ مقتل البغدادي في أكتوبر 2019 وتعيين أبو إبراهيم الهاشمي القرشي خلفا له، إعادة تنظيم شؤونه الداخلية بهدف إعادة التجمع ورسم استراتيجية للعودة مع الأخذ في الاعتبار أن أسس التنظيم واستراتيجيته الجديدة تتماشى مع وضعه الحالي.
وأوضح نقلا عن مصدر في داعش أن الخطة الأمنية للتنظيم في المرحلة القادمة تعتمد على العودة إلى السرية التي تبناها قبل إعلان “الخلافة” في عام 2014، مشيرا إلى أن “هذا يفسر سبب التكتم عن هوية زعيمه الجديد”.
قسم الإعلام للتنظيم، يشهد تغييرات خصوصا في ظل تراجع عمله منذ القضاء على جناحه العسكري في 2018 ومقتل معظم العاملين فيه.
ويسعى داعش الآن إلى تدريب عناصر في قسمه الدعائي يستطيع إنتاج محتوى يجذب أعضاء جددا إلى التنظيم خصوص من الأجانب، وفق المصدر ذاته.
عسكريا، تتخذ العمليات العسكرية الحالية لداعش شكل حرب العصابات وتكتيكات تعتمد على توجيه ضربات ثم الهرب، وذلك نظرا لافتقاده للقدرات. فالتنظيم يتجنب إنشاء مناطق يتحكم فيها بشكل مستمر في المدن أو المناطق النائية من أجل حماية نفسه من أن يصبح هدفا.
وفي المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، يتجنب التنظيم وجودا تنظيميا على الأرض بسبب مخاوفة من التحالف الدولي وطائراته العاملة في المنطقة. وبدلا من ذلك، يعتمد على خلايا سرية للقيام بعمليات تقليدية مثل الاغتيالات وتفجير قنابل تستهدف مسلحي أعدائه.
واختار داعش وقف عمليات في مراكز وجوده التقليدي في سوريا والعراق وإعادة إحياء عملياته في جيوب في غرب إفريقيا وخصوصا نيجيريا والنيجر وبوركينا فاسو ومالي إذ لديه فرع هناك.
وبدأ وجود داعش في غرب إفريقيا في 2016، عندما أعلن قسم من جماعة بوكو حرام مبايعته للتنظيم. وتعاني دول غرب أفريقيا من مشاكل داخلية ومشاكل في أمن الحدود ما يجعل تلك البيئة مناسبة لعمليات داعش.
لكن داعش يواجه في غرب أفريقيا، المشاكل ذاتها التي اعترضته في العراق وسوريا: وجود خصمه تنظيم القاعدة الذي ينشط في المنطقة، شح الموارد العسكرية والمالية، وعدم وجود إطار عسكري ذي خبرة كبيرة نظرا لأن معظم المقاتلين في غرب أفريقيا حديثو العهد في النشاط الإرهابي.
المصدر: موقع الحرة