جسر: متابعات:
تؤكد زالينا غابيبولاييفا الأم لخمسة أطفال أن عناصر تنظيم «داعش» الذين التحقت بهم في سورية قبل خمس سنوات «خدعوها»، وهي اليوم بعد إعادتها إلى الشيشان تجوب المدارس لتحذر من مخاطر التطرف.
وتقول المرأة البالغة من العمر 38 عاما التي تزور مدارس وجامعات مرتين في الأسبوع في الشيشان وجمهورية أنغوشيا المجاورة: «بإمكاننا أن نكون مفيدات. بإمكاننا أن نروي للجيل الشاب ما حصل لنا حتى لا يرتكبوا الأخطاء ذاتها».
وتجد دول العالم صعوبة في التعامل مع مسألة مواطنيها الذين انضموا إلى صفوف «داعش» والراغبين في العودة إلى بلادهم.
وتتخذ هذه المشكلة بعدا خاصا في روسيا حيث يؤكد الرئيس فلاديمير بوتين أن الآلاف غادروا للقتال في صفوف الارهابيين في سورية.
ويتحدر معظم الروس الذين انضموا إلى «داعش» من جمهوريات القوقاز ذات الغالبية المسلمة مثل الشيشان التي خاضت حربين انفصاليتين داميتين مع موسكو في التسعينات وتعرف اليوم بانتهاكاتها لحقوق الإنسان.
وإن كانت بعض الدول الغربية عمدت إلى إسقاط الجنسية عن أفراد عائلات الارهابيين أو منعهم من العودة، عملت السلطات الروسية على إعادة مواطنيها مع تفكك «الخلافة» التي أعلنها التنظيم في مناطق سيطر عليها في سورية والعراق. وضاعف رئيس الشيشان المتسلط رمضان قديروف الجهود لتيسير عودة مواطني جمهوريته.
وأتاحت هذه الجهود عودة حوالى مئتي امرأة طفل، غير أنهم شبه موقوفين منذ عام على خلفية مخاوف أجهزة الأمن.
وتصف زالينا غابيبولاييفا لتلاميذ المدارس التي تزورها كيف انساقت لدعاية «داعش» فتوجهت مع أطفالها إلى سورية حيث لم تجد على حد تعبيرها سوى «القسوة والهول». وتؤكد «لم يكن ذلك يمت بصلة إلى الإسلام».
وتزوجت غابيبولاييفا الذي فقدت زوجها قبل سنوات، مقدونيا عند وصولها إلى سورية، حرصا منها على عدم التعرض للتمييز الذي يستهدف النساء غير المتزوجات في أراضي سيطرة التنظيم.
وحاول الزوجان الفرار عبر العراق، وهناك اعتقل زوجها فيما نقلت هي إلى مخيم للاجئين قبل أن يؤذن لها بالعودة إلى روسيا. وانتقلت إلى الشيشان بعد صدور حكم بحقها مع وقف التنفيذ في جمهورية داغستان التي تتحدر منها.
ولا يعتبر استخدام عناصر سابقين في مجموعات متطرفة بهدف التوعية أمرا غير اعتيادي، لكن خبراء يشيرون إلى أنها أول مبادرة من نوعها تتوجه إلى «التائبين» من عناصر التنظيم.
وقالت مستشارة رمضان قديروف لحقوق الإنسان خيدا ساراتوفا «من الصعب جدا على النساء التحدث عن تجربتهن، لكننا نشرح لهنّ أنها وسيلة لإبداء توبتهن».
وأوضحت ساراتوفا التي تشرف على جهود إعادة عائلات الارهابيين بدعم من موسكو، أن الشباب أكثر تجاوبا مع هذا النوع من المبادرات منهم مع التحذيرات المعهودة من مخاطر التطرف.
وقالت: «حين يصل أحد ليروي لهم بالتفصيل مسار تطرفه، وما قام به هناك، وكيف تمكن من الفرار (…)، يرون الأمور كما هي في الواقع، يرون الوجه الحقيقي لهذه المنظمة الإرهابية».
وفي مقطع فيديو لإحدى هذه المداخلات، تروي امرأة بكثير من التأثر لفتيات ينصتن لها المعاناة التي ألحقتها بعائلتها جراء قرارها الانضمام إلى «داعش».
تقول: «كان هناك مجموعات خاصة تدرب الأطفال على القتال. كانوا يتظاهرون بأنها لعبة، فيعلمونهم كيف يطلقون النار».
وأوضحت مديرة «مركز تحليل النزاعات وتداركها» المستقل المتخصص في روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا إيكاتيرينا سوكيريانسكايا أن استراتيجية السلطات الشيشانية حيال «التائبين» من «داعش» تهدف إلى حجب الانتهاكات لحقوق الإنسان التي ترتكب في هذه الجمهورية وتعطي عنها صورة سلبية.
لكنها رأت رغم ذلك أن المبادرة الخاصة بالمدارس والجامعات «من الوسائل الأكثر فعالية للتصدي إيديولوجيا للإرهاب».
وأشارت إلى صعوبة الحصول على موافقة النساء العائدات على التحدث علنا بسبب خوفهن من التعرض لأعمال انتقامية أو من الوصمة التي قد تلحق بهن.
من جهتها، شددت ساراتوفا على أن النساء الخمس المشاركات في البرنامج الذي شمل حتى الآن حوالى 600 تلميذ خلال عام وعلق حاليا بانتظار دعم مالي، شاركوا فيه طوعا، ملمحة في الوقت ذاته إلى مبادلة بقولها «كل شيء في الحياة له ثمن».
الحياة ١٠ آب/ اغسطس ٢٠١٩