جسر: متابعات:
في ظل حالة من التوتر المتصاعد بين موسكو وأنقرة في إدلب شمال غرب سوريا، والتي باتت تهدد باندلاع مواجهة مباشرة يحاول الطرفان تجنبها؛ شهدت منطقة الشريط الحدودي شمال شرق البلاد تحركات تنذر بامتداد المواجهة إلى شرق الفرات.
وصول التوتر إلى شرق الفرات يهدد تلك المنطقة التي سبق أن استوعبت فيها موسكو عملية أنقرة “نبع السلام” ضد وحدات حماية الشعب الكردية، وأبرمت معها اتفاق “سوتشي” الثاني الذي أفضى إلى تسييرهما دوريات مشتركة على حدود منطقة النفوذ التركي بين تل أبيض شمال الرقة، ورأس العين على بعد 100 كلم شرقاً، وبعمق متفاوت يرسمه مسار الطريق الدولي “إم4”.
وفيما بدا رداً على عدم الالتزام الروسي بالتفاهمات؛ علمت “المدن” أن الجيش التركي دفع بما يزيد عن ثلاثين عربة مدرعة إلى الشريط الحدودي بين عامودا والدرباسية في خرزة واليرموك والمحطة، حيث يشكل الأكراد ثقلاً ديمغرافياً مهماً.
وهذه المناطق غير مشمولة باتفاق سوتشي، حيث تبعد أقرب نقطة فيها، الدرباسية، مسافة 60 كلم إلى الشرق من محور رأس العين-تل تمر؛ حدود منطقة نفوذ القوات التركية، التي اقتصر وجودها الرمزي على مستشارين وعناصر ارتباط مع مجموعات “الجيش الوطني”، فيما استُقدمت القوات المشاركة مع الجانب الروسي في الدوريات عبر الحدود من معبري رأس العين وتل أبيض.
مع دخولها المنطقة إثر اﻻنسحاب اﻷميركي، شرعت القوات الروسية بتعزيز وجودها فيها؛ فاستولت على مطار مدينة القامشلي الحدودية، ونقلت إليه عدداً من الحوامات والمعدات من قاعدتها في حميميم على الساحل السوري، إضافة إلى النادي الزراعي المجاور للمطار والذي حولته إلى ما يشبه اﻻستراحة والمرآب لآلياتها التي شاركت نظيرتها التركية في الدوريات.
واستولت القوات الروسية على مواقع أخلتها الوحدات على طول الشريط الحدودي مع تركيا، منها بناء “أكاديمية الحماية الذاتية للمرأة” في عامودا، الذي اتخذته مقراً لها على بعد 25 كلم إلى الغرب من مدينة القامشلي، وشرعت في تجنيد عدد من أبناء المنطقة في سياق مساعيها لتشكيل ميليشيات عسكرية تابعة لها لنشرها في المواقع التي أخلتها وحدات الحماية، كذلك فعلت على تخوم منطقة النفوذ التركية في محيط تل تمر غرباً، حيث تمركزت في محطة اﻷبقار، وأنشأت قاعدة تضم مهبطاً للحوامات وعددا من المدرعات والجنود.
وباﻹضافة للمواقع السابقة، تتمركز القوات الروسية إلى جانب قوات النظام في جميع المواقع التي لم يسبق وأن خرجت اﻷخيرة منها، كالمربعين اﻷمنيين وسط مدينتي القامشلي والحسكة، وفوج جبل كوكب على بعد 15 كلم شمال شرق اﻷخيرة.
على الطرف الغربي من حدود منطقة النفوذ التركية، استولت القوات الروسية على مطار الطبقة العسكري، على بعد 50 كلم غرب مدينة الرقة، التي دخلتها أيضا في كانون اﻷول/ديسمبر 2019 ﻷول مرة. كما ورثت قواعد أخلتها نظيرتها اﻷميركية؛ فاستولت على قاعدة مطار عين عيسى وقاعدة تل السمن، على الطريق الذي يصل اﻷخيرة بالرقة. إضافة إلى قاعدتي صرين ومشتى النور في محيط عين العرب، التي لم تخفِ تركيا رغبتها في اجتياحها وطرد وحدات الحماية منها.
اﻷمر نفسه تكرر في قواعد التحالف الدولي لمحاربة “داعش” غرب الفرات، حيث دخلت القوات الروسية قاعدة عون الدادات على حدود منطقة النفوذ التركية في “درع الفرات”، على الطريق الواصل بين جرابلس ومنبج حيث استولت أيضاً على قاعدة العسلية غربها.
وأمام الوجود الرمزي للقوات التركية من خلال فصائل “الجيش الوطني” وبعض المستشارين والمنسقين اﻷتراك، تبدو الكفة راجحة بوضوح للجانب الروسي المستمر بتعزيز وجوده المتزايد منذ انطلاق “نبع السلام” والهادف في ما يبدو إلى تطويق النفوذ التركي. اﻷمر الذي يمكن به تفسير الحشود التركية على الحدود الشمالية الشرقية مؤخراً.
على الرغم من استيائها البادي إزاء العملية التركية شرق الفرات، ومسارعتها إلى إخلاء قواعدها فيها رغم استيلاء القوات الروسية عليها واحدة إثر أخرى، لا تبدو واشنطن راضية عن تزايد نفوذ موسكو في المنطقة، وتبادل الطرفان في أكثر من مناسبة رسائل الضيق والتهديد، وليس آخرها حادثة الدوريات الشهيرة على حاجز قرية “خربة عمو” شرق مدينة القامشلي.
لكن تركيا ليست في موقع يتيح لها اﻻستثمار في الخلاف الروسي-اﻷميركي، ﻷسباب عدة أهمها أن واشنطن تحمل أنقرة وعمليتها “نبع السلام” مسؤولية الوجود الروسي في المنطقة، إضافة إلى أن تصريحات المسؤولين اﻷميركيين ركزت دائماً على الدعم السياسي دون العسكري.
ولن يكون مستبعداً أن تستخدم موسكو، في حال اندلاع مواجهة ساخنة أو باردة، العامل الكردي كعامل ضغط مضاعف داخلي وخارجي على أنقرة، التي ترسم مجمل سياساتها الخارجية بناء عليه، وهو ما بدا واضحاً في تأزم علاقتها بحليفها في حلف شمال اﻷطلسي، واشنطن.
في سياق المواجهة المتصاعدة بين الجانبين، تبدو الكفة راجحة لصالح موسكو التي يمكنها زيادة معاناة أنقرة باستخدام العامل الكردي مرة أخرى؛ في حال تفعيلها الجيب الذي تسيطر عليه الوحدات في ريف حلب الشمالي، والمتصل بمناطق سيطرة النظام، كعامل ضغط عسكري مباشر، وهو ما ينسجم مع تطلعات حلفاء موسكو من اﻷكراد الذين يحملونها مسؤولية سقوط عفرين.
ويكفى أن تغلق موسكو المجال الجوي أمام الطيران التركي، ليتسبب لها بمشاكل كبيرة حتى في مناطق سيطرتها الكاملة في عفرين التي لعب الطيران الحربي دوراً أساسياً في وضعها تحت السيطرة التركية.