جسر: متابعات:
أعلنت وزارة الدفاع الروسية، الثلاثاء، أن “الجيش السوري يسيطر بشكل كامل على مدينة منبج”، وأضافت أن “الشرطة العسكرية الروسية تسير دوريات على طول خط التماس شمال غربي منبج”، وإن “القوات الأميركية غادرت منبج باتجاه الحدود السورية العراقية”. وأكدت الوزارة أنها “تنسق مع الجيش التركي بشأن مدينة منبج”.
ويبدو أن الاتفاق بين ألهام درار، عن “قسد” ورئيس مكتب “الأمن الوطني” اللواء علي مملوك، بحسب الناطق باسم “الجيش الوطني” المقدم يوسف الحمود، يقوم على دخول قوات “العمال الكردستاني” المنسحبة من حلب إلى منبج، وهي ترفع رايات النظام.
وليس معروفاً كيف ستتعامل تركيا مع الوضع المستجد في المدينة، وسط غموض كبير يحيط بوضع القوات الأميركية فيها لجهة انسحابها أو بقائها. مصادر “المدن” أكدت أنه حتى اللحظة لم تنسحب القوات الأميركية من المدينة، على عكس الادعاءات الروسية بذلك.
وكانت قوات “الجيش الوطني” بدعم وإسناد من الجيش التركي، قد بدأت عملياتها العسكرية للسيطرة على مدينة منبج شمال شرقي حلب، الإثنين، ضمن عملية “نبع السلام”. واستهدف القصف التمهيدي نقاط تمركز “قوات سوريا الديموقراطية” في محيط منبج، ومنها عرب حسن والجات وميل ويران. وتمكن “الجيش الوطني” خلال الساعات الأولى للهجوم من السيطرة على قرى الدندنية والياشلي بريف منبج الغربي بعد اشتباكات عنيفة مع “قسد”، التي انسحبت شرقاً باتجاه الفارات والجاموسية.
وخسرت “قسد” أكثر من 20 عنصراً على الأقل بين قتيل وجريح في تلك المعارك، بينما خسر “الجيش الوطني” 4 قتلى، وتمكن من اغتنام عدد من الأسلحة والمعدات بينها دبابة على جبهة الياشلي.
وانطلق هجوم “الجيش الوطني” من محورين رئيسين؛ الأول من الشمال الغربي انطلاقاً من قريتي محسنلي وحسن صغيرة، والثاني من الغرب انطلاقاً من الحميرة وتل على وشعيب، وهو المحور العسكري الرئيسي.
ويعود تركيز القوات المهاجمة للمحور الغربي لسببين؛ الأول نتيجة رغبتها بالتقدم في خط مستقيم في الأراضي الواقعة جنوبي المدينة نحو الشرق، لقطع الطريق أمام محاولات النظام الوصول لمركز المدينة من ريفها الغربي والجنوبي، أما السبب الثاني فلصعوبة التقدم من الشمال بسبب وجود القاعدة الأميركية في قرية عون الدادات.
الناشط الإعلامي أحمد محمد، من مدينة منبج، قال لـ”المدن”، إن سيارتين تقلان عناصر من قوات النظام حاولتا الدخول إلى قرية العسلية ذات الغالبية الكردية في ريف منبج، لكن القوات الأميركية المنتشرة في القرية طردتهما وهددتهما بالاستهداف المباشر في حال عدم التراجع.
أضاف المحمد أن جميع محاولات دخول قوات النظام إلى منبج وريفها، تتم بطلب وتسهيلات من “مجلس منبج العسكري” التابع لـ”قسد”، لكن القوات الأميركية تحول دون ذلك.
عاملا المباغتة وسرعة تحرك “الجيش الوطني” في التقدم إلى خطوط المواجهة، أربكا “قسد” وأثرا على مقاتليها، ما دفع عناصر من “مجلس منبج العسكري” المتمركزين على جبهات المدينة الشمالية للانشقاق وتسليم أنفسهم للقوات التركية.
“جيش الثوار” المتحالف مع “قسد”، أخلى جميع مقراته في منبج وتوجه إلى شرق الفرات، بعد استعانة “قسد” بقوات النظام. إذ يعتبر “جيش الثوار” النظام عدواً له، وهو من الفصائل القليلة التي تقاتل إلى جانب “قسد” وترفع راية الثورة السورية.
حالة التخبط في صفوف “قسد” يمكن معالجتها خلال الساعات المقبلة، فهي أمام فرصة لترتيب بيتها الداخلي، لأن القوات المهاجمة ستعمد إلى التهدئة لأسباب، أولها انتظار انسحاب كامل القوات الأميركية من منبج لبدء هجومها الشامل. وتقوم القوات الأميركية منذ ليل الإثنين/الثلاثاء، بإخلاء قاعدة السعدية أكبر قواعدها في منبج.
والسبب الثاني، هو محاولة تركيا التواصل مع روسيا لسحب قوات النظام التي دخلت بعض المناطق في ريف منبج. فيما يتعلق السبب الثالث بترتيبات تركية لوجستية للمعركة، واستقدام التعزيزات الكافية من المقاتلين إلى محيط المدينة، وهذا ما يستغرق وقتاً، خاصة وأنها تقاتل مع “الجيش الوطني” على جبهات متعددة في آن واحد.
سيطرة تركيا وحلفائها على مدينة منبج، تحقق لها العديد من المكاسب؛ طرد حزب “الاتحاد الديموقراطي” من غربي الفرات، بالتالي تأمين الحدود الجنوبية الغربية لها من أي وجود لأهم أعداء تركيا، وبسط النفوذ التركي على المزيد من التراب ما يعزز حصتها من الكعكة السورية ويعزز دورها كلاعب أساسي في أي عملية سياسية مستقبلية. وكذلك، قطع الطريق على النظام لمنعه من استخدام المدينة نقطة للانطلاق إلى شرق الفرات خاصة عين العرب “كوباني”.
ويشكل الموقع الجغرافي لمنبج، التي تعد عقدة وصل تجارية بين حلب والشرق السوري، مكسباً إضافياً لتركيا.
بدوره، يسعى النظام جاهداً لدخول منبج لاستعادة المزيد من الأراضي وفتح الطريق نحو الشمال الشرقي لسوريا في عين العرب والرقة والحسكة وصولاً إلى الحدود العراقية. وهذا الأمر ليس مهماً من الناحية العسكرية فحسب وإنما من الناحية الاقتصادية، فالنظام في أمس الحاجة لثروات الشرق السوري.
الخبير العسكري عبدالناصر العايد، قال لـ”المدن”: “إن ما يوصف بتقدم لقوات النظام هو ليس سوى عملية تسليم من طرف قسد بعض القرى لقوات النظام، بل أن بعض ذلك التقدم المزعوم تم من خلال استبدال علم قسد بعلم النظام فقط، واستبدال زيهم بزي قوات النظام، بهدف خلط الاوراق ووضع جيش النظام بمواجهة تركيا على نحو رمزي لا أكثر”.
وعن مستقبل المدينة والقوى التي ستسيطر عليها، أوضح العايد: “منبج خارج العملية العسكرية التركية، والقوات الاميركية لن تنسحب منها حالياً، لكنها لم تحرك ساكناً بعد، بانتظار قرارات مهمة من واشنطن بالتصدي لأي قوة تتقدم نحو المدينة بشكل حازم”، نظراً للضغوط الكبيرة التي يمارسها الجمهوريون والديموقراطيون والبنتاغون، على البيت الأبيض، لتعديل قراره بخصوص سوريا.
وأشار العايد إلى أن مسارعة “قسد” للتفاهم مع الروس والنظام الأسد، قد اربكت المشهد شرقي الفرات. وحتى لو أعلنت واشنطن التراجع والبقاء في المنطقة، فالأمور بين “التحالف الدولي” و”قوات سوريا الديموقراطية”، لن تعود كما كانت، وسيتوجب على “قسد” تقديم تنازلات مؤلمة لتلافي النتائج الكارثية لقرارها المتسرع بالانضواء تحت المظلة الروسية.
ويبدو أن قوات “قسد” المنسحبة من حلب، قد بدأت الوصول إلى منبج ودخولها تحت راية قوات النظام، وسط تسريب جديد لما قيل إنه “مذكرة تفاهم” بين “قسد” والنظام، وجاء فيها: أن الاتفاق بين “قسد” والنظام، قد خلص إلى موافقة “قسد” على دخول قوات النظام وبسط سيطرته على المنطقة من عين ديوار شرقاً إلى جرابلس غرباً، بحيث تنطلق القوات من 3 محاور؛ محور الطبقة شمالاً باتجاه عين عيسى وريفها والحدود السورية التركية عند تل أبيض وباتجاه الغرب. والمحور الثاني من منبج باتجاه عين العرب على الحدود السورية التركية. والثالث هو محور الحسكة-تل تمر وصولاً إلى رأس العين ومنه إلى الشرق باتجاه القامشلي والمالكية. وتنتشر القوات في منبج بدءاً من عريمة وعلى خط نهر الساجور وفق للاتفاقية السابقة المتعلقة بانتشار القوات في عريمة.