اشتد القتال على الأرض بين فصائل المعارضة السورية وقوات النظام والميليشيات التابعة له في الأسبوع الأخير بهدف انتزاع نقطتين استراتيجيتين للغاية من فصائل المعارضة، هما الكركات وميدان غزال جنوبي جبل شحشبو في ريف حماة الشمالي وقمة الكبانة غرب جسر الشغور، وذلك بعد أن سيطر النظام على قرى جديدة في منطقة سهل الغاب شمال غرب سوريا.
وبعد الأسبوع الأول، الذي أحرز فيه النظام خرقا على جبهتي كفرنبودة وقلعة المضيق، كرر محاولات الهجوم عدة مرات يومياً، وتقدم في سهل الغاب على محورين. الأول هو الشرقي الممتد من قلعة المضيق إلى باب الطاقة، وتمكنت “قوات النمر” التي يقودها الضابط في المخابرات الجوية العميد سهيل الحسن، من التقدم شمالاً على محور الغاب الشرقي من قلعة المضيق إلى باب الطاقة وسيطرت على المفرق الذي يصل الجهة الشرقية من السهل ببلدة الحويز غرباً. المحور الثاني غربي يحاذي مناطق سيطرة النظام والقرى العلوية فيه، وهو محور التوينة – الحويز، حيث سقطت الأخيرة مساء الأربعاء الماضي، فيما أخفق النظام من التقدم في قرية الحرية الملاصقة لبلدة الحويز من الجهة الغربية والتي أضحت شبه محاصرة وهي بمثابة الساقطة نارياً حيث تحاصرها قوات النمر من الغرب والشرق والجنوب.
وزج النظام بميليشيا لواء القدس الفلسطيني إلى جانب قوات النمر في معركة سهل الغاب، بعد فشل الأخيرة في احراز القضم السهل الذي كانت تتخيله قيادة العمليات الروسية في هذه المعركة.
وفشلت ميليشيات النظام في 30 محاولة هجوم في خمسة أيام حتى لحظة كتابة السطور (مساء الجمعة) تركزت على محور حرش الكركات شمال قلعة المضيق ومنطقة المقالع شرقا وتلة ميدان غزال .
وخاضت فصائل “الجبهة الوطنية للتحرير” معارك طاحنة للحفاظ على هذه التلال وهي امتداد لجبل شحشبو. وساعد مقاتلي الفصائل في محاولات الصد تلك تمركزهم في أماكن مرتفعة عن عدوهم المتقدم من مناطق منخفضة نسبيا من أطراف القلعة ورسم الأحمر، المعروفة محليا بالمستريحة. وتكبدت قوات النمر عشرات القتلى في اليومين الأولين للهجوم، ما دفع العمليات الروسية إلى الزج بمقاتلي ميليشيا لواء القدس والذي تعرضوا لخسائر كبيرة على يومين متواصلين أيضاً.
ويقع حرش الكركات في المنطقة الوعرة نهاية جبل شحشبو، على مسافة كيلومترات قليلة جنوب نقطة المراقبة التركية في شير مغار، وهذه تعرضت لقصف مدفعي من معسكر النظام قرب بلدة الكريم التي تشرف عليها القوات الروسية وتتمركز فيها.
وفي منطقة جبل الأكراد وتحديدا في قرية الكبانة، سجل الفشل الكبير للفرقة الرابعة/ قوات خاصة والتي يقودها اللواء ماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري، حيث لم يتمكن مقاتلو الفرقة المذكورة من التقدم شبراً واحداً بعد شهر من القصف العنيف والتغطية الجوية للطيران الروسي وطيران الأسد. واعترف إعلام شبه رسمي للفرقة الرابعة بمقتل ما يزيد عن 70 ضابطا وجندياً في تلك المعارك، ووثقت الصفحات المؤيدة للنظام أسماء كل القتلى مع صورهم والقرى والبلدات التي ينتمون إليها، إذ أغلبهم من قرى الساحل السوري.
وتأتي الناحية الاستراتيجية لجبل الكبانة المسمى على اسم آخر القرى في جبل الأكراد وآخر قرية في المنطقة الإدارية التابعة لمحافظة اللاذقية، من كونها تطل على سهل الغاب بشكل كامل وتكشف الجبال المنخفضة الواصلة إلى جسر الشغور شمالاً ومنها ينطلق الطريق الذي يصل إلى السرمانية وفورو ونهر العاصي في الشطر الغربي لسهل الغاب، فهي عملياً تتحكم بكامل القسم الشمالي من الغاب وريف جسر الشغور، وخسارتها تذكر بالخسائر المريرة التي منيت بها المعارضة في سلمى وكنسبا وسليف وعين البيضا وربيعة في عام 2016.
إلى جانب المعطيات أعلاه، سيلاقي الروس صعوبة كبيرة في إمكانية التقدم كونه نجح في قضم مساحة غير صغيرة لكنها في نهاية الأمر هي مناطق سهلية منخفضة، قدرها مركز جسور للدراسات بنحو 87 كم مربع حسب خريطة نشرها مؤخراً.
وتدرك قيادة العمليات العسكرية الروسية بعد الخسائر الكبيرة أن أبرز فرق جيش النظام السوري (الفرقة الرابعة) لم تتمكن من تغيير المعادلة في جبل الكبانة فكيف سيكون الحال مع عناصر الفيلق الخامس الذي تشرف عليه، وكيف سيتمكن من حسم المعركة على اعتبار أن قسماً كبيراً منهم هم من مقاتلي المعارضة السابقين (عناصر المصالحات) وقسم آخر من غير المؤهلين ومن الضباط المتقاعدين؟ وأن نخبة مقاتلي قوات النمر والذين تقدر أعدادهم بين 1200-1500 مقاتل غير قادرين على حسم معركة بتلك الصعوبة، خصوصا بعد مقتل أكثر من 240 عنصرا منهم في العمليات وجرح ضعفي الرقم بالحد الأدنى، فيما تعتبر ميليشيا لواء القدس ضعيفة مقارنة بقوات النمر التي تركز موسكو على دعمها.
الخسائر وحدها ليست التي ستغير المعادلة السياسية/ العسكرية، فروسيا اليوم أمام تحدي تثبيت القضم الحاصل في كفرنبودة وقلعة المضيق وسهل الغاب، والذي تهدده صواريخ الجبهة الوطنية للتحرير المضادة للدروع كون المناطق التي سيطرت عليها ميليشيات النظام تقع أسفل الجرف الصخري لجبل شحشبو، وترصد الصواريخ كل عربات النظام وآلياته المتحركة خصوصا على طريق باب الطاقة – الحواش (الطريق الشرقي لسهل الغاب).
وتعيق منطقة الكركات وعين غزال المرتفعة أي إمكانية تثبيت طويلة المدى لقوات النظام والميليشيات أيضاً. وستحاول فصائل المعارضة شن هجمات كبيرة لإجبار النظام على الانسحاب من كفرنبودة على غرار الهجوم الكبير الذي شنته “تحرير الشام” و”جيش العزة” وباقي الفصائل على منطقة الحماميات والجبين في محاولة الالتفاف على كرناز وكفرنبودة.
وهكذا تتعزز فرضية فشل القضم الكبير لمناطق متعددة، فعدم مقدرة ميليشيات النظام على الحسم بعد كل القصف الجوي الروسي في منطقة كسهل الغاب هجرها نصف مقاتليها بعد اعتداء تحرير الشام الأخير ضد أحرار الشام ونهب سلاح الأخيرة ، ينبئ بكل تأكيد على عجز عن اختراق جبهة قوية للغاية مثل اللطامنة ومورك بعد أن تداركت الفصائل جبهة الهبيط ومنعت الوصول إلى خان شيخون وحصار اللطامنة.
أخيراً، يبدو أن فتح مستودعات “الجبهة الوطنية” أمام الفصائل وتذخير غرف العمليات وسرايا الــ م/د بصواريخ كورنيت وكونكورس ولو بكميات محدودة، سيغضب روسيا من تركيا، شريكتها في مسار أستانة. لكن فشل روسيا في الحسم على الأرض ربما سيكون سبباً لوقف التصعيد الكبير والعودة إلى طاولة المفاوضات والبحث في كيفية إنعاش اتفاق سوتشي الذي يحتضر.
نقلا عن صحيفة القدس العربي ١٩ أيار٢٠١٩