جسر: متابعات
في مقابل خطاب “الفتنة النائمة” الذي يعتمده “حزب الله” خلال مطاردته الانتفاضة اللبنانية، يحاول التيار العوني الاستعانة بخطاب “كلفة اللاجئين” ليقول إن اللاجئين السوريين هم وراء إفلاس لبنان.
وإذا كان كلا الخطابان كاذب وملفق، فإن مقولة الوزراء العونيين في المحافل الدولية تستدرج قدرا أكبر من الذهول، ذاك أنها تفوق مقولة “الفتنة النائمة” في قلة احترامها ذكاء اللبنانيين، لكن أيضا ذكاء المؤسسات الدولية التي زارها مؤخرا الوزير جبران باسيل، وقبله بأيام وزير الدفاع الياس بو صعب، وأقر رأيهما فيها على أن اللاجئين السوريين هم وراء الانهيار الاقتصادي الهائل الذي يصيب لبنان.
وأيضا في مقابل هذه الكذبة الركيكة والتافهة والعنصرية، يقول مسؤول دولي إن الهبات الأوروبية والدولية التي تتلقاها الدولة اللبنانية لمساعدتها على إدارة ملف اللاجئين، والتي تبلغ مئات الملايين من الدولارات، هي المبالغ الوحيدة التي ستصل هذا العام إلى خزينة الدولة من صناديق الدعم الدولي للبنان. أي بمعنى آخر، النازحون سيستدرجون قليلا من الخبز للبنان في المجاعة المحدقة به، والتي تسبب بها رجال من أمثال باسيل وبو صعب، وأحزاب مثل “المستقبل” و”حزب الله”. الثقة الدولية بدولتنا وحكومتنا وسلطتنا هي اليوم في مستوى صفر، ووحده ملف اللاجئين ما سيستدرج مساعدات.
لم يعد مفيدا عرض الوقائع في سياق سجال خطاب الفشل والفساد في لبنان. الوقائع يجب أن تقال كما هي، من دون إضاعة الوقت في سياق إدراجها في منطق يتولى مواجهة منطق السلطة. اللاجئون لا علاقة لهم بإفلاس الدولة. اللاجئون السوريون أخروا موعد الإفلاس. المساعدات التي وصلت إلى لبنان لإغاثتهم كانت بدورها عرضة للسرقة والنهب. المبالغ المضافة إلى رواتب أساتذة المدارس الرسمية مقابل انخراطهم في دوامات إضافية لتعليم اللاجئين شكلت متنفسا لهذه الشريحة في ظل شح رواتبهم. الأمر نفسه في الطبابة والبطاقات التموينية وفي سوق العقارات والإيجارات. وهنا تصبح الوطأة غير الأخلاقية لكلام باسيل وبو صعب مضاعفة، ذاك أنهما مستفيدان مباشرة من مقاصة اللاجئين، ويمعنان في الوقت نفسه بخطاب ينضح عنصرية حيالهم.
وينطوي حمل ملف اللاجئين والتوجه به للاستغاثة قبل الوصول إلى قاع الانهيار على الكثير من الدلالات التي تأخذنا مباشرة إلى كيفية تعامل أهل السلطة والفساد مع الانهيار والإفلاس في لبنان. محاولات التقاط الأنفاس عبر ملفات أخضعوها لماكينة السرقة والهدر، تبدو اليوم سبيلهم للنجاة.
باسيل قال للمانحين الأوروبيين: إذا لم تسارعوا لنجدة المالية اللبنانية، فسيتدفق عليكم ملايين اللاجئين! قال ذلك بعبارات واضحة ومباشرة. أما نجدة المالية اللبنانية، وهذا ما لم يقله، فتعني في ظل سلطة الفساد والارتهان شيئا واحدا، الاستمرار في تمويل دولة تولت نهب المساعدات، وبموازاة ذلك تولت سرقة أرصدة مواطنيها في المصارف، ونقل سياسيوها غنائمهم إلى الخارج، وراحوا يتجولون في أرجاء العالم بطائراتهم الخاصة، ويطلبون من الحكومات الغربية مزيدا من المساعدات، وإلا أرسلوا لهم اللاجئين.
اقتصاد الابتزاز يُحمل عبر خطاب عنصري، ويطمح إلى مراكمة ثروات طبقة سياسية ملأت روائح صفقاتها العالم بأسره!
يجب أن تقارع الوقاحة بوقاحة موازية. يجب رفع منسوب المواجهة الكلامية مع الخطاب العنصري الذي تعتمده قوى السلطة. اللاجئون ليسوا ضحايا النظام السوري فحسب، إنما أيضا ضحايا فساد السلطة في لبنان. السلطة سرقتهم مثلما سرقت أرصدة اللبنانيين في المصارف. الأرقام تقول ذلك، وتقوله أيضا مؤسسات دولية تضرب صمتا على هذا الفساد خوفا من أن يرسل باسيل اللاجئين إلى بلادها.
لم يعد جبران باسيل معجزة لبنانية فقط، فها هو يحمل نفسه التي لم تدمها هتافات اللبنانيين، ويتجول بها في أرجاء العالم. يواجهه صحفي بكاميرا هاتفه في ألمانيا، فينقض عليه حارسه الشخصي ويصادر الهاتف. “لماذا تصورني يا هذا… من أنتم؟ من أرسلكم… عن أي شيء تبحثون، ولماذا تطاردونني”. لكن هذا لم يفضِ إلى أن يتردد الوزير من تحميل اللاجئين المسؤولية عن الانهيار والإفلاس.
اللاجئون هم من ملأ لبنان فسادا، وهم من سطا على أرصدة اللبنانيين في المصارف، وهم من أصدر قانون انتخابات حول لبنان إلى حظيرة مذاهب وطوائف، وهم شرع سلاحا غير شرعي اشتغل في معظم دول المنطقة.
العالم سيستمع إلى الوزير، وقد يستجيب لتهديداته، لكن الملايين التي ستصل إلى جيوب أهل التيار وشركائه لن تكفي لوقف الانهيار. وما سيبقى من الخطاب العنصري هو قدرتنا على صياغته أغانٍ نسخر بها من الوزير خلال تظاهراتنا، ونُخرج عبرها ما تراكم من غضب وغيض، ولن نكون أكثر تهذيبا مما سبق أن فعلنا.