“أكبر عملية تهريب من نوعها في العالم” هكذا وصفت السلطات الايطالية شحنة الأقراص المخدرة التي ضبطتها في إحدى موانئها الجنوبية قادمة من سوريا، الأربعاء. واتهمت روما تنظيم “داعش” بالمسؤولية عن هذه العملية، لكن كثيرين يعتقدون أن النظام وجهات مرتبطة به هي التي تقف خلفها.
وعثرت سلطات مكافحة التهريب الايطالية على 84 مليون قرصاً من مادة ال”كبتاغون” المخدرة، ضمن 3 سفن حاويات رست في ميناء مدينة “ساليرنو” جنوب إيطاليا، والتي تعتبر أحد معاقل المافيا الايطالية، حيث قدرت قيمة الشحنة المهربة بحوالي مليار دولار.
رقم يجعل من هذه الشحنة بالفعل أكبر عملية تهريب مخدرات من نوعها في العالم، بعد أن كانت الشحنة الأكبر قد تم ضبطها في اليونان قبل شهرين فقط، حيث صادرت السلطات هناك 5.25 طناً من المخدر، على شكل 33 مليون قرص كبتاغون من حاويات تم شحنها من سوريا، وتتجاوز قيمتها 660 مليون دولار.
لا يمكن إلا الربط بين العمليتين، فالمصدر واحد، وهو الموانئ السورية، لكن الخلاف على المنتج أو المالك، وهنا يبدو إتهام “داعش” بالوقوف خلف العملية الأخيرة أمر غير منطقي ولا يستند على أي معطيات، ليس فقط لأن “التنظيم” لا يستطيع إنتاج هذه الكمية الضخمة، وهو أصلاً لم يعد يسيطر على مساحة جغرافية متصلة تكفي لاقامة مصنع قادر على انتاج هذا العدد الكبير من الأقراص المخدرة، بل والأهم، لأن الموانئ السورية التي خرجت منها هذه الشحنة يديرها كل من النظام وروسيا.
وعلى عكس ما يظن الكثيرون حول اقتصار عمليات إنتاج وتهريب المخدرات من سوريا إلى دول العالم، على الشراكة بين النظام وحزب الله اللبناني، صاحب الباع الطويل في هذا المجال، فإن للمافيا الروسية التي يعتقد على نطاق واسع بعلاقتها الوطيدة مع النظام القائم في موسكو، دور كبير جداً في إغراق السوق الأوروبية بالمخدرات القادمة من الهند وأفغانستان وباكستان سابقاً، وحالياً من سوريا ولبنان. بعد أن استفادت هذه المافيا من النفوذ الذي بات قوياً للروس على ساحل المتوسط الجنوبي، وانخفاض تكاليف إنتاج وشحن المخدرات من سوريا إلى أوروبا.
تقول المعلومات المتقاطعة إن سامر الأسد، ابن عم رئيس النظام، هو المسؤول الأول عن صناعة وتجارة المخدرات، وهو يدير عمليات النظام على هذا الصعيد بالتعاون مع كل من حزب الله والمافيا الروسية، ويتوجب على أي سوري، مهما بلغ نفوذه، أن يرتب الأمر مع هذا الرجل في حال قرر الاستثمار في تجارة المخدرات.
وعليه، يقول البعض، إن الوشاية بشحنة الكبتاغون التي تمت مصادرتها في اليونان، مطلع أيار/مايو الماضي، يقف خلفها سامر الأسد، وبالتالي النظام نفسه، بعد أن رفض مالكها، العلوي التركي معراج أورال، قائد إحدى أبرز ميليشيات الشبيحة في سوريا منذ عام 2012، مرورها عبر القنوات المعتمدة ودفع الرسوم المقررة، ما أدى لاحقاً إلى تعرض أورال لمحاولة اغتيال، بدت كرسالة تحذير فقط، بعد أن هدد الأخير بفضح القائمين على صناعة وتجارة المخدرات في سوريا.
ورغم أن قائمة المتورطين في هذه التجارة من السوريين أصبحت أكثر مرونة بعد العام 2011، مع تعدد الجهات المنخرطة فيها ودخول أسماء جديدة إليها، إلا أنه يمكن حصر مراكز الثقل بأربعة أطراف هي:
سامر الأسد أو “الكينغ”، وهو الاسم المتداول له في مدينة اللاذقية، وهو المسؤول عن منح مصنعي وتجار المواد المخدرة تراخيص العمل غير الرسمية، لكن الضرورية، وهو المنوط به السماح بتصدير هذه المواد عبر الموانئ السورية.
الفرقة الرابعة، التي أصبحت منذ العام 2012 إحدى أكبر مؤسسات اقتصاد الحرب في سوريا، بعد أن أضافت لمكتبها الأمني مهاماً اقتصادية واسعة، من بينها المساهمة في صناعة وتجارة المخدرات التي كان يشرف عليها بشكل شخصي ومباشر العميد غسان بلال، ضابط أمن الفرقة السابق.
إدارة مكافحة المخدرات، وهذه الأخيرة رغم تبعيتها القانونية لوزارة الداخلية، إلا أنها كانت حتى أيلول/سبتمبر 2019 تمارس عملها تحت إشراف مباشر من الفرقة الرابعة وسامر الأسد، وقد تمت إقالة رئيسها السابق رائد خازم مع عدد من الضباط والمسؤولين فيها، بسبب افتضاح مشاركتهم في عملية الاتجار بالمواد المخدرة.
أما الطرف الرابع، فهم المسؤولون المحليون الذين تناط بهم إدارة عملية إنتاج وتجارة المخدرات في كل منطقة أو محافظة، وهؤلاء يكونون ممن لا يمكن الشك بولائهم للنظام ويمنحون هذه الميزة كمكافأة على جهودهم في خدمته، مثل قائد ميليشيا الشبيحة في القلمون بريف دمشق، سامر رحال، وأبناء شعبان بري في حلب.
ومن يشغل هذا المستوى من تراتبية سوق المخدرات والتهريب، هم الذين عرفوا بالشبيحة منذ سنوات ما قبل الثورة في سوريا، بسبب ارتباطهم الوثيق بعائلة الأسد، التي كان عدد من أبنائها مشرفين على هذا السوق بشكل حصري، حتى دخول “حزب الله” وروسيا إلى الساحة السورية.
فبعد عقود من تفرد آل الأسد في قطاع صناعة المخدرات، الذي ظل حتى بداية العقد الثاني من القرن الحالي مخصصاً للتصدير، مع عدم رواج التعاطي محلياً، شكل دخول “حزب الله” الحرب إلى جانب النظام أولى نكسات محتكري السوق، بينما يعتبر عام 2015 الضربة الأقوى للجانبين مع التدخل الروسي في سوريا.
في الساحل السوري، حيث السيطرة المطلقة لروسيا، يُشارك ضباط روس في قاعدة حميميم العسكرية بتهريب المخدرات عبر مرفأ اللاذقية. وقد عمل هؤلاء على احتكار خط التهريب، بالتعاون مع “حزب الله”، ما شكّل ضربة لعمل مجموعات الشبيحة في اللاذقية، إذ باتت الشرطة السورية معنية بمصادرة أي شحنة مخدرات تعود لمجموعات الشبيحة، وهي التي يتم الإعلان عن ضبطها ونشر أخبارها في وسائل إعلام النظام.
ويعتقد أن شحنة الأقراص المخدرة التي تم ضبطها في إيطاليا قادمة من سوريا الأربعاء لن تكون حتماً الأخيرة، بل ستستمر الشحنات بالتدفق من الموانئ السورية إلى أوروبا وغيرها من دول العالم وبكميات ضخمة، بعد أن تحولت إلى مصنع كبير للمواد المخدرة خلال السنوات الأخيرة الماضية.
المصدر: المدن ٣ تموز /يوليو٢٠٢٠