جسر: صحافة:
انسحبت قوات سوريا الديموقراطية “قسد” عصر الاثنين من بلدات “الشحيل – البصيرة – الحوايج” شرقي ديرالزور، بعد حملة أمنية أطلقت عليها اسم “ردع الإرهاب-2″، كانت قد بدأتها الجمعة وأثارت ردود فعل واسعة بسبب ما رافقها من انتهاكات.
“قسد” قالت إن حملة “ردع الإرهاب” الثانية كان هدفها مطاردة خلايا وفلول تنظيم “داعش” الذين يهددون السلم الأهلي والاستقرار، ومداهمة أوكارهم في قرى وبلدات ريف دير الزور الشرقي، وأن الحملة جاءت بناء على طلب من أهالي المنطقة.
إلّا أن مصادر محلية وناشطين من دير الزور رأوا أن الحملة جاءت للانتقام من أهالي القرى والبلدات الذين نظموا احتجاجات رافضة لسياسات “قسد” في المنطقة، وكان آخرها مطلع تموز/يوليو، بعد رفض المعلمين والأهالي مناهج التعليم التي فرضتها الإدارة الذاتية.
وقال الناشط محمد خليف، وهو من أهالي بلدة الشحيل وعضو الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ل”المدن”، إن “حملة ردع الإرهاب الثانية عمل استعراضي من قبل قسد أمام أهالي المنطقة، وخاصة بلدة الشحيل، بحجة وجود خلايا لداعش، علماً أن أهالي الشحيل هم الأكثر تضرراً من نشاطات الترهيب”.
وأضاف أنه “تخلل الحملة أعمال همجية، حيث نفذت قسد اعتقالات تعسفية بحق 20 شخصاً من قرية الشحيل و10 من قرية الزر و5 أشخاص من بلدة البصيرة، لتفرج في وقت لاحق عن خمسة معتقلين، بينهم رئيس المجلس المحلي لبلدة الشحيل حمود النوفل، الذي اتهمته قسد بالانتماء لداعش، ونشرت صوره معصوب العينين وأمامه أسلحة فردية وكميات من الرصاص تحت عناوين ضخمة تتحدث عن اعتقال دواعش ومصادرة أسلحتهم، ليتبين في ما بعد أن المعتقل كان في اجتماع ضمن وفد عشائري مع قائد قوات سوريا الديموقراطية في 14 تموز/يوليو الجاري، وظهر في إحدى الصور التي نشرتها قسد من مكان الاجتماع”.
وسبق هذه الحملة اعتقال “قسد” خلال الأسابيع الماضية عشرات الأشخاص من أبناء ريف دير الزور الشرقي، بينهم طفل عمره 12 عاماً، وقد تم الإفراج عن بعضهم مقابل مبالغ مالية دفعت كرشاوى لقيادات في التنظيم، فيما لا يزال نحو 50 معتقلاً قيد الاحتجاز في السجون.
وخلال الحملة الأخيرة ادعت “قسد” اكتشاف ستة معابر مائية سرية يستخدمها تنظيم “داعش” للتنقل بين ضفتي نهر الفرات بالمنطقة، لكن الناشط الإعلامي عبد المعين الدندل يقول إنها معابر يستخدمها المهربون في بلدة الشحيل لنقل البضائع إلى مناطق سيطرة النظام، وأن الطوافات التي تمت مصادرتها أو تدميرها تعود للمهربين الذين فر معظمهم بداية الحملة إلى مناطق سيطرة قوات النظام في بلدة بقرص، جنوبي نهر الفرات، بينما تمّ اعتقال عمال وتجار ومقاتلين سابقين في الجيش الحر، بالإضافة إلى طفل في ال14 من عمره.
وأضاف الدندل أن جميع المعتقلين تعرضوا “للضرب والإهانة، من بينهم رجل مصاب بكسر في ساقه، وكل من اعتقل في اليوم الأول من الحملة لم يُعرف مصيره، ولم تتمكن عوائلهم من معرفة مكان احتجازهم أو التهم التي وُجّهت لهم”.
من جهتها، أعلنت “قسد” الاثنين، انتهاء حملة “ردع الإرهاب-2”. وقالت إن الحملة أسفرت عن اعتقال 31 شخصاً من عناصر “داعش”، بينهم “قيادي كبير في التنظيم”. وأعلنت مصادرة أسلحة وذخائر، بينها مستودع قديم ل”داعش”، يحوي أكثر من ألف قذيفة هاون، بالإضافة لأجهزة تحكم وهواتف وألغاماً معدة للتفجير، وعبّارات مجهزة لعمليات التهريب عبر نهر الفرات.
وكانت قوات سوريا الديموقراطية قد أنهت المرحلة الأولى من عملية “ردع الإرهاب” في 10 حزيران/يونيو الفائت، وأعلنت حينها القبض على 110 أشخاص يشتبه بانتمائهم أو تعاملهم مع تنظيم “داعش”، حيث شملت الحملة 150 قرية وبلدة في مناطق سيطرتها في محافظتي الحسكة ودير الزور شمال شرق سوريا.
لكن المعارضين لحزب “الاتحاد الديموقراطي” الكردي الذي يهيمن على الإدارة الذاتية الكردية وقوات سوريا الديموقراطية، يقولون إن الحملات التي تطلقها “قسد” بحجة ملاحقة الإرهابيين تستهدف في الواقع المكون العربي في المنطقة، من خلال اعتقال الناشطين ووجهاء العشائر الذين لا يتفقون مع سياساتها.
واتهم بيان صادر عن ابناء المنطقة يوم الأحد الماضي، قوات سوريا الديموقراطية بارتكاب انتهاكات خلال حملتها الأخيرة، وطالب المجتمع الدولي وقوات التحالف باعتبارها الداعم الرئيسي ل”قسد” بتحمل مسؤولياتها تجاه هذه الانتهاكات.
ويرى المنتقدون أنه في الوقت الذي تطلق فيه “قسد” العنان ل”داعش” في المناطق ذات الغالبية العربية لتقتل وتختطف من يخالف التنظيم، فإن المناطق الكردية لا تتعرض لأي عمليات من قبل التنظيم الإرهابي.
ويقول أصحاب هذا الاتهام إن الهدف من هذا السلوك هو التخلص من الناشطين وأصحاب التوجه الوطني من المكون العربي في مناطق سيطرة “قسد” ووصم العرب في المنطقة بأنهم بيئة حاضنة ل”داعش” في الوقت الذي كان ولا يزال أغلب ضحايا التنظيم هم من العرب السنة، وأغلبهم ممن واجهوا “داعش” وقاوموا فكره وسلوكه وحاربوه، وهذه الحقيقة هي ما لا تريد “قسد” أن يعرفها الآخرون.
ما بين الادعاء بأن حملات ملاحقة تنظيم “داعش” تأتي استجابة لمطالب الأهالي في المناطق ذات الغالبية العربية، وما بين الانتهاكات والتجاوزات التي ترتكبها قوات سوريا الديموقراطية خلال هذه الحملات، يبقى السكان والناشطون السياسيون تحديداً ضحية ممارسات الطرفين.