جسر – صحافة
أكدت مصادر محلية في أسواق مدينة حماة عزوف الكثير من التجار والصناعيين والحرفيين عن عملهم، والتوجه نحو إغلاق محلات تجارية كبرى في وسط المدينة، بسبب تضييق الخناق المالي عليهم ومشاركة النظام السوري لهم بأرباحهم بنسبة تصل إلى أكثر من 60 في المئة.
ورغم رفع أسعار الضرائب المالية وضرائب التموين والخّوات التي تدفع شهرياً لموظفي مديرية البلدية ودوريات الأمن والجمارك، إلّا أنها كانت ضمن “الحد المقبول” إلى حدّ ما، بالنسبة للتجار، ذلك الحد الذي ما زال يحافظ فيه التاجر أو الصناعي من خلاله على أرباح مقبولة نسبة لرأس المال الذي يضعه في مهنته.
ورغم رفع أسعار الضرائب المالية وضرائب التموين والخّوات التي تدفع شهرياً لموظفي مديرية البلدية ودوريات الأمن والجمارك، إلّا أنها كانت ضمن “الحد المقبول” إلى حدّ ما، بالنسبة للتجار، ذلك الحد الذي ما زال يحافظ فيه التاجر أو الصناعي من خلاله على أرباح مقبولة نسبة لرأس المال الذي يضعه في مهنته.
الأمر بقي على حاله إلى أن اقتحم “المكتب السري” الأسواق السورية بداية أيلول/سبتمبر، والذي أصبح يشكل هاجساً مخيفاً لجميع تجار وصناعيي سوريا على العموم وخاصة في محافظتي حماة وحلب والعاصمة دمشق.
وعمل المكتب المذكور على إقصاء جميع الأفرع الأمنية ومديرية الجمارك جانباً، وانفرد بالمداهمات الأمنية وملاحقة التجار والصناعيين في الأسواق المحلية السورية وبسلطات أمنية مطلقة، همّه الأول جمع الأموال والأتاوات من أصحاب المهن التجارية والصناعية، ولكن بأسعار تفوق الخيال، وصلت إلى ملايين ومئات الملايين من الليرات السورية.
ويقول أبو وحيد، وهو تاجر في مدينة حماة، بأنه تعرض لمداهمة أمنية قبل شهر تقريباً، على محله التجاري في حماة بشكل مفاجئ، بسيارات جبلية ذات لوحات اسمية “الجيش”. تم تطويق المحل من قبل عناصر بلباس أسود اللون علّق على أكتافهم شعارات “أمن الجمارك”، بعدها تم اقتحام المحل من قبل عنصرين من الدورية الأمنية، فاعتقد أبو وحيد بأنها دورية أمنية كالدوريات المعتادة يريدون خوّاتهم الشهرية فقط لا غير، ليتفاجأ بأنهم عرّفوا عن أنفسهم بأنهم من دوريات المكتب السري التابع لأمن الجمارك العام من دمشق، مع مرافقة من قبل دورية من فرع أمن الدولة في حماة، بقيت خارج المحل.
وجّه أعضاء الدورية المقتحمة للتاجر تهمة المتاجرة بالبضائع المهربة وغير المجمركة، بالإضافة إلى التعامل بالقطع الأجنبي (الدولار الأميركي). وبعد تفتيش كامل المحل والمستودع لم يجدوا شيئاً، ولكنهم أصرّوا على الاتهام الموجّه إليه، وتم الاتصال بمدير مكتبهم في دمشق بشكل فوري، من ثم أخبروه بأنه سيتم اعتقاله فوراً وتغريمه بمبالغ مالية كبيرة، وعرضه على محكمة اقتصادية، أو دفع مبلغ عشرة ملايين ليرة سورية بشكل مباشر لإنهاء القضية وتمزيق التقرير المقيّد باسمه.
وتابع أبو وحيد أنه أضطر إلى تأمين مبلغ الإتاوة ودفعها لهم بالإضافة إلى دفع مليوني ليرة سورية للعناصر والمسؤول عنهم، كذلك مبلغ مئتي ألف ليرة لعناصر دورية فرع أمن الدولة المرافقة لهم، من أجل ضمان عدم اعتقاله وعدم عودتهم إليه مرة أخرى.
وقال إنه قد يحتاج إلى عمل أكثر من 5 أشهر، لتعويض هذه الخسارة التي تعرض لها خلال أقل من نصف ساعة من قبل الدورية. وأوضح أن هذا المكتب بدأ يتعرّض لكبار التجار في المدن والمحافظات بهدف جني الإتاوات والخوّات ولكن بمبالغ مالية باهظة.
وقالت مصادر أمنية من داخل فرع أمن الدولة بحماة ل”المدن”، إن المكتب السري يتبع بشكل إسمي وصوري لأمن الجمارك العام في دمشق، ولكنه في الحقيقة يتبع بشكل مباشر إلى القصر الجمهوري في العاصمة دمشق، ويتمتع بهذه السلطات الأمنية المطلقة نسبة لتبعيّة إدارته إلى أسماء الأسد، زوجة رئيس النظام بشار الأسد. وأضافت أن هذه الخوّات والإتاوات جميعها تعود إلى خزينتها المالية التي بدأت بالتوسع بشكل كبير نحو كافة قطاعات ومؤسسات الدولة ومفاصلها.
ويقوم عمل المكتب بمرافقة من فرع أمن الدولة لتنفيذ مداهماته تحت غطاء أمني قانوني، حيث يعتبر مراقبة الأسواق وأعمال التهريب فيها ومكافحة التعامل بالقطع المالي الأجنبي من صلاحيات فرع أمن الدولة.
ويتأسف أبو وحيد، الصناعيّ من محافظة حماة، للوضع الذي آلت إليه الصناعة والتجارة في سوريا، مع تضييق الخناق وتوسيع شرائح الضرائب والجمارك على البضائع المستوردة إلى البلاد، وسط شحّ كبير في البضائع التي تبقى داخل مستودعات كبار التجار والصناعيين، ويضيف أن ما زاد الطين بلّة هو التدخل الأمني الكبير مؤخراً في الأسواق السورية لملء خزائن المتنفذين من جيوب التجار.
ويتابع أن حال الأسواق السورية من سيئ إلى أسوأ، مع التدهور الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، وانخفاض سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، وصعوبة عمليات الاستيراد والتصدير واستحالتها في كثيرِ من الأحيان، بسبب العقوبات، ليكمل النظام سلسلة “تضييق الخناق علينا تارةً بمؤسسات التموين، والمالية، وحماية المستهلك، وتارةً بالأفرع الأمنية التي بالكاد تفارق الأسواق، وآخرها المكتب السري الذي أصبح يشكل رعباً عند ذكر اسمه”.
ويوضح أن هذا المكتب يعرف بشكل دقيق طبيعة عمل التجار المستهدفين وتفاصيل أعمالهم التجارية، وكميات البضائع ومخرجات أموالهم وإيداعاتهم في البنوك ومكاتب التحويل الداخلية، ويقوم على هذا الأساس بمداهمتهم ويهددهم بالمحاكم الاقتصادية شديدة العقوبة، أو الدفع المباشر دون أي مساءلة قانونية، نافياً المعلومات التي تقول بأن عمل المكتب السري يتركز في دمشق وعلى التجّار المتعاملين سابقاً مع رامي مخلوف إبن خال بشار الأسد، وإنما عمله يشمل جميع المحافظات السورية بجميع تجارهّا وصناعيّيها.
ويتابع بأن بعض التجار استطاعوا عبر نفوذهم في حكومة النظام، وعبر وساطات أمنية، الوصول إلى رؤساء هذه الدوريات و باتوا يصرفون رواتب شهرية لهذا المكتب وعناصره من أجل ضمان عدم التعرض لهم والعمل بأريحية أكبر، فيما ذهب آخرون إلى إغلاق محالهم التجارية وصناعاتهم.
المصدر” موقع المدن