جسر: خاص:
مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية التي أعلن نظام الأسد عن إجرائها في ١٩ من هذا الشهر، يبرز بوضوح لا مبالاة السكان المحليين ونخبهم في منطقة شمال شرق سوريا، بمجريات تلك الانتخابات ونتائجها، كما في الماضي.
ففي سنوات ما قبل الحرب، وعلى الرغم من إدراك الجميع أن المرشحين الفائزين، يتم اختيارهم في أجهزة النظام المحلية والمركزية، إلا أن ثمّة هامش مسيطر عليه يترك لإظهار شكل من التنافس المضبوط، يوحي بأن ثمّة عملية انتخاب جرت لعدد محدود من المرشحين، لكن دورة هذا العام، كما الدورة الماضية ٢٠١٦-٢٠٢٠، شهدت تراجعاً كبيراً في الاهتمام.
مظاهر عدم الاهتمام:
أول مظاهر عدم الاهتمام تبرز عند استعراض أسماء المرشحين المستقلين، بعيداً عن قائمة النظام المعروفة بقائمة الوحدة الوطنية، مضمونة النجاح، ففي دير الزور والحسكة والرقة، عادة ما يتنافس شيوخ العشائر الأكبر عدداً، إضافة إلى بعض رجال الأعمال، الذين لا يعدمون خلفية قبلية.
في دير الزور كان يتنافس على مقاعد المستقلين كل من آل البشير (جاسم البشير- نواف البشير- صالح البشير- دحام البشير)، وهم شيوخ الصف الأول في قبيلة البكارة، مع شيوخ قبيلة العكيدات (آل الهفل- آل النجرس، آل الدندل، آل الفياض الناصر). إضافة إلى بعض رجال الأعمال مثل فرج الرداوي، وحمد الجيلات.
إلا أن دورة هذا العام لم تشهد ترشح أحد من هذه الفئات، بل أن تلك القبيلتين لم يتم تمثيلهما بشكل متناسب في القوائم التي أعدها النظام، وحظيت قبائل صغيرة نسبة لتلك القبيلتين بالعدد الأكبر من المقاعد، فيما حصل أفراد من العكيدات والبكارة على مقاعد نظرا للخدمات التي قدموها للنظام، وليس لوزنهم أو تمثيلهم الاجتماعي، مثل مريم المتراس (بكارة)، التي يعد والدها أحد أهم قادة ميلشيات النظام في دير الزور، وينسحب الأمر عينه على شيوخ قبائل طي وشمر في الحسكة، ويستثنى من ذلك صراع داخل قبيلة الجبور على الترشح، هو أساساً صراع داخلي على زعامة القبيلة بين نواف عبد العزيز الملسط، وابن عمه حسن الشيخ أحمد المسلط. أما في الرقة فإن آل الهويدي، شيوخ العفادلة لم يترشحوا لشغل أي من مقاعد المستقلين الاثنين في المحافظة، رغم نفوذهم الكبير في نظام الأسد، كونهم لم يتخلوا قط عن الولاء له في كافة المراحل، وبالرغم من كون نجاحهم مضمون من الناحية العشائرية ومن ناحية النظام.
أما على الصعيد الشعبي والعام، فإن جهل الناس بأن ثمة انتخابات ستجري، أو عدم اكتراثهم فيمن سيفوز، كان سمة من استطلعت آراءهم، فالجميع يعتقد أن الأمر لا يستحق عناء التفكير به حتى.
لماذا تتدنى أهمية “مجلس الشعب” في شمال شرق سوريا:
إن السبب الأساسي يكمن في عدم سيطرة النظام على المنطقة، فالدور الوظيفي لعضو مجلس الشعب كان الوساطة بين المجتمعات المحلية والسلطة المركزية، وحل مشاكل هؤلاء السكان بصفة شخصية أساساً لكنها مسنودة بصفة رسمية شكلية. لكن هذا الدور تراجع اليوم بشكل كبير، مع عدم وجود مصالح أو حتى علاقة بين سلطات النظام ومناطق شرق الفرات وشماله، المسيطر عليها أميركياً وكردياً وتركياً، ويقتصر دور الأعضاء الحاليين على سبيل المثال، على حلحلة بعض القضايا البسيطة في العاصمة دمشق، وبمقابل مادي دائماً، وهذا الدور-حلحلة الأمور بمقابل مادي- ينافسهم عليه مئات الأشخاص الذين يلعبون هذا الدور بشكل أفضل وبأرقام أقل، ولم يعد للنواب أي ميزة عن هؤلاء، بل أن الكثير من أعضاء مجلس الشعب يعملون في دمشق كما لو كانوا معقبي معاملات لا أكثر، وبطبيعة الحال في قضايا صغيرة وغير حساسة، من الناحية الأمنية على وجه التحديد، فتلك لها مختصون آخرون من قادة الميلشيات العسكرية، والمقربون من أجهزة الأمن نتيجة خدماتهم الطويلة وموثوقيتهم.
من ناحية أخرى تتدني الثقة بالنظام ومؤسساته في منطقة شرق الفرات، التي خرج معظمها عن سيطرته منذ نحو تسع سنوات، بل لم يعد لأجهزته الأكثر قوة وسطوة، وهي الأمنية والعسكرية، أي قيمة أو مصداقية، بعد أن دحرت على أيدي مختلف القوى، فكيف مع الجهاز التشريعي، الذي كان الأكثر هامشية وانعدام قيمة.
إن النظرة العامة للمترشحين إلى مجلس الشعب، هي أنهم مرتزقة، ولن ينجح أحد في الوصول إلى المجلس إن لم يكن أحد أدوات الفساد، وبالتالي، يتبع ذلك تدني القيمة الاجتماعية للمرشح، وهو ما دفع الشخصيات التي تعتقد أنها تحظى بالاحترام، إلى تجنب الخوض في هذه المعمعة حفظاً لموقعها ومكانتها.
على سبيل المثال، كان نواف البشير منافساً دائما وقويا في انتخابات مجلس الشعب، على خلفية كونه زعيم قبيلة البكارة، وكان يتم اسقاطه في الانتخابات رغم نيله لأكبر عدد من الأصوات في دائرته الانتخابية (محافظة دير الزور)، وذلك نتيجة طروحاته المناهضة نوعا ما للنظام، والتي كانت تعتبر جريئة جداً في حينها، لكنه اليوم، ورغم تمتعه بوضع ممتاز بسبب نكوصه عن المعارضة وعودته إلى صفوف النظام، ومع أنه يقود ميلشيا جيدة العدد، ومع تمتعه بغطاء إيراني، إلا أنه أحجم عن الخوض في هذه الانتخابات، وتحقيق ما كان يصبو إليه سابقاً، لكي لا يضع نفسه في موضع التنافس مع شخصيات لا قيمة اجتماعية لها، ويعرض مكانته للتلاشي الكامل.
كما أن المجتمعات المحلية في شرق سوريا لا تثق بما يمكن أن يجلبه المستقبل، بعد أن شهدت المنطقة تقلبات عديدة في السيطرة خلال تسع سنوات، وقد دفعت أطراف كثيرة أثماناً باهظة نتيجة انحيازها لهذا الطرف أو ذاك في مرحلة ما من مراحل النزاع، الأمر الذي رسخ ثقافة مسايرة كل الأطراف، دون التورط المباشر والفج في دعم هذا الطرف أو ذاك، والحفاظ على مسافة للأمان أو “التنصل” في حال تغير الظروف، ويعتقد معظم السكان، ونخبهم المحلية، أن عودة نظام الأسد للسيطرة على مناطقهم، تبدو بعيدة المنال، إن لم تكن مستحيلة، في المدى المنظور.
أخيراً، اعتاد السكان على كون صوتهم أو خيارهم لا يؤثر فعلياً في نتائج الانتخابات، التي تصنع منذ نحو ٥٠ سنة في دوائر السلطة المركزية، ولن تشذ انتخابات هذه الدورة عما كان يحدث منذ نصف قرن، بل ازداد هذا النهج رسوخاً، نظراً لخشية النظام من ظهور حالات معارضة محرجة في مجلس نوابه.
لمحة عن بعض أبرز المرشحين المستقلين في شمال شرق سوريا:
دير الزور:
خصص لدير الزور وهي الاضخم في منطقة شمال شرق سورية، مقعد واحد للمستقلين، ويعد فرحان محمد الحمد المرسومي، الأوفر حظاً حتى الآن للفوز به، وهو من قبيلة فرعية من العكيدات، يشكك عدد من أبناء القبيلة في نسبتهم إلى العكيدات أصلا، وهذا مدعاة لتدني القيمة الاجتماعية بشكل كبير في البيئات العشائرية. والمرسومي هو عرّاب النظام في منطقة البوكمال، ويقدم هدايا كبيرة لمسؤولي النظام باستمرار على شكل سيارات فاخرة، ويقال أنه على صلة بضباط كبار في الحرس الجمهوري، من ناحية أخرى له صلة كبيرة بالميلشيات الإيرانية في منطقة البوكمال، وقد جنى ثروات هائلة خلال فترة الحرب، نتيجة اعمال السمسمرة والاستيلاء، ومن مظاهر ترفه على سبيل المثال هو حجزه لفندق كامل له ولحاشيته كلما زار دمشق، ولم يعرف عنه أو عن أسرته الثراء قبل الحرب، بل العكس.
ومن الشخصيات موفورة الحظ دحام الهزاع من عشيرة البو مريح(فرعية من العكيدات) وتأتي حظوظه من الأموال التي يضخها له أقاربه المغتربين في دولة الكويت، ويعتقد أنها يمكن أن “تشتري” مقعد دير الزور الوحيد.
كما توجد أسماء أقل أهمية مثل حسين علي الأحمد (من عشيرة المشاهدة- فرعية من قبيلة العكيدات) وعبد الناصر المطر، وهذا الأخير معروف بارتباط اسمه بملفات فساد كثيرة، متورط بها مع عدد من المسؤولين الكبار في النظام.
الرقة:
خصص لمحافظة الرقة مقعدين للمستقلين، ويعد عبد الرحيم سعيد الخضر، وهو من عشيرة العامر، التابعة لقبيلة الولدة، ابرز المرشحين، وكان يعمل معلماً بسيطاً في ريف الرقة، واستغل وجوده في حماة ليحصل على شهادة الدبلوم ويصبح عضواً في مجلس المدينة، ومن ثم نائباً لرئيس المجلس، ويعتبر الخضر من سماسرة أجهزة الأمن، و”مفتاح” عدد كبير من ضباط المخابرات، ويقوم بالوساطة مدفوعة الأجر، لعدد كبير من القضايا غير الحساسة، وقد جنى من هذا الباب ثروة لا بأس بها.
كما تعد نجوى حسين الدهر والمرشح علي عبد الله الكلاح من المرشحين الذين يحتمل فوزهم، وكلاهما بلا أي سند عشائري.
الحسكة:
نتيجة منحها أربع مقاعد للمستقلين، تشهد محافظة الحسكة أجواء أكثر حيوية من دير الزور والرقة، وظهر فيها تنافس داخل قبيلة الجبور بين كل من نواف عبد العزيز الملسط، وابن عمه حسن الشيخ احمد المسلط، ويعتمد الأول (نواف) على دعم رجل الاعمال المعروف حسام قاطرجي، فيما يعتمد الثاني على دعم رؤساء أجهزة الأمن المحليين.
وباستثناء هذه العائلة لا يوجد مرشحون قبليون أقوياء من الأسر التي كانت تتنافس بشكل تقليدي على مقاعد المستقلين في الحسكة، إذ يظهر شخص من قبيلة الشرابيين، يدعى علاء رزيقو، وهو من الموالين للنظام منذ البداية، وشكل مع قريبه عبدالقادر حمو ميلشيا الدفاع الوطني في الحسكة، وجنى أموال طائلة من “اقتصاد الحرب”، لكنه لا يتمتع بمكانة قبلية كبيرة، ويعتمد على الدعم الذي توفره له أجهزة النظام للفوز.
كما تشهد الحسكة حيوية خاصة تتعلق بترشح النساء، ومنهم أميرة عبد الغانم “أم البيارق” وهي ناشطة في الميدان السياسي منذ نحو عشر سنوات، بشكل مستقل لكنه أقرب إلى النظام، وهي من أصول عربية، كما تنشط المرشحة الكردية بروين إبراهيم، ونشرت ملصقات دعائية لترشحها في المربع الأمني الذي يسيطر عليه النظام، وفي الأحياء المسيحية مثل حي الوسطى الذي يقطنه المسيحيين من السريان والأرمن.