جسر: متابعات:
فوزير المالية الفرنسي، رينيه دي فوير، أطلق صيحته الشهيرة “دعه يعمل دعه يمر”، منتصف القرن الثامن عشر، ليؤسس لمبدأ اقتصادي جديد، ينطلق ببساطة من غياب الدور الحكومي وعدم فرض رقابة أو حتى ضرائب على الشركات، مستنداً ربما إلى فرانسوا كيناي، مؤسس الاقتصاد الرأسمالي أو المذهب الطبيعي، القائم على حرية الأسواق المفتوحة.
ويأتي بعده آدم سميث، ويشرح خلال كتابه الأشهر “ثروة الأمم” هذا المبدأ عبر ثنائية العرض والطلب وتنظيمها للسوق، وكيف للأسعار والأجور أن تعدّل نفسها من خلال ما سمّاه سميث “اليد الخفية”، ليؤكد نظريه الفرنسي فوير ويزيد عليها ضرورة وجود بعض الضرائب لضمان الرفاهية الاقتصادية.
لكن الأزمة الاقتصادية العالمية خلال عشرينيات القرن الماضي وما تلاها من انهيارات اقتصادية وتبعها الكساد الكبير مطلع الثلاثينيات، دفعت البريطاني جون ماينارد كينز لينقلب على ما يسمى الكلاسيكية ومبدأ آدم سميث على وجه التحديد، طارحاً مؤلفه “نهاية دعه يعمل” ومبدداً “الغموض الأخلاقي” الذي أتى به أسلافه الكلاسيكيون.
وانطلق من أن للدولة دوراً يجب أن تضطلع به لحماية أفراد المجتمع من مضار دورات الرأسمالية، لا سيما تخفيف البطالة وتشجيع الادخار والاستثمار عبر أقنية منتجة، ووضع سياسة وطنية حول حجم السكان وحقيقة الأحوال الاقتصادية، ليؤسس منذ ذاك نهجاً جديداً في الاقتصاد السياسي للرأسمالية وفي الفكر الاقتصادي الدولي، لا تزال تأخذ به، وإن بأشكال متفاوتة وغير مباشرة، حتى أعتى الليبراليات حتى اليوم.
وبما أن البشرية تعيش أزمة كورونا اليوم، ويضيق بعلماء الاقتصاد وجهابذته ابتداع مبدأ أو نظرية اقتصادية جديدة تقي الشركات التوقف والدول الإفلاس، جاء “السيد الرئيس بشار الأسد” لينقلب على كينز ويقدم مبدأه الجديد “دعه يعمل لكنه لن يمر”.
وطبق بشار الأسد ولا يزال، عشرات القرارات والمراسيم التي تؤكد صحة هذا المبدأ، بدليل عدم انهيار الاقتصاد السوري بعد تسع سنوات من الحرب، وقلة إصابات المجتمع السوري بفيروس كورونا، بل واستمرار الليرة السورية على قيد التعامل بعدما خسرت أكثر من عشرين ضعفاً من قيمتها.
وسحب القائد المفكر الأسد مبدأه، حتى على معالجة فيروس كورونا وشكل تأمين السيولة لدعم الشعب والاقتصاد، خلال فترة ربما تطول، لأن ما خصصه للمواجهة بقيمة 100 مليار ليرة، هو بالحقيقة مبلغ نظري تم اقتطاعه نظرياً من موازنة أرقامها، في الواقع، نظرية أيضاً.
ولأن الأمم المتحدة قدرت احتياج سورية لمواجهة الفيروس بنحو 72 مليون دولار وبشكل عاجل “لأن النظام الصحي هش” ولم يصل للأسد حتى اليوم سوى 250 ألف دولار، عن طريق منظمة الصحة العالمية و”يونيسف” ومنظمة الصحة في شرق المتوسط.
لجأ كينز العصر الحديث للحل السحري “دعه يعمل لكنه لن يمر”، ليطبقه على التجار، فخفض ما يسمى “مؤونة الاستيراد” من 40 إلى 15%، (ومؤونة الاستيراد هي مبلغ من قيمة الإجازة، مقسم 25% بالدولار و15 بالليرة) ليدفع المستهلك ضريبة رفع الأسعار والتاجر فارق سعر الليرة، فهو ترك التجار يعملون والشعب يأكل، لكنهم لم يمروا من منشار الضرائب.
ولأن تلك العائدات لن تسعف خزينة الأسد الخاوية، تابع الأسد بنظريته المبتكرة، وهذه المرة على كل من تسول له نفسه أن يساعد السوريين، إن بمبالغ مالية أو بمساعدات عينية، فالدولة يجب أن تكون مشرفة وشريكة، وليست راعية ومقوننة كما قال أسلافه الكلاسيكيون والكينزيون.
فأوعز للمحافظين بإصدار أوامر إدارية لتشكيل لجان برئاسة نائب المحافظ وعضوية من يلزم من أعضاء حزب البعث الحاكم “للإشراف المباشر على استلام وتوزيع كافة المعونات والتبرعات”، داعماً مبدأه الجديد بـ”يمنع توزيع أي إعانة أو إغاثة إلا من قبل اللجنة” ليترك بينه وبين الكينزية الجديدة مسافة ستهلك الاقتصاديين من بعده.
العربي الجديد